ذَلِكَ بِطَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنْ قِيلَ فَيَحْكُمُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ قَدْ يُخْطِئُ؟ قِيلَ نَعَمْ وَلَا يَبْرَأُ أَحَدٌ مِنْ الْآدَمِيِّينَ مِنْ الْخَطَأِ إلَّا الْأَنْبِيَاءُ صَلَوَاتُ اللَّهِ تَعَالَى وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ كَمَا وَلَّى أُمَرَاءَ فَفَعَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضَ مَا كَرِهَ بِرَأْيِهِ عَلَى مَعْنَى الِاحْتِيَاطِ مِنْهُمْ لِلدِّينِ فَرَدَّهُمْ فِي ذَلِكَ إلَى طَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَجَازَ لَهُمْ مَا عَمِلُوا مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا كَانَ يَجُوزُ هَذَا مِنْ سُنَّتِهِ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ اخْتَصَّهُ بِوَحْيِهِ وَانْتَخَبَهُ لِرِسَالَتِهِ فَمَا كَانَ مِنْ أَمْرٍ مِنْ أَحَدِ أُمَرَائِهِ أَقَرَّهُمْ عَلَيْهِ فَبِطَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَقَرَّهُمْ وَمَا كَرِهَ لَهُمْ بِأَنْ كَانُوا فَعَلُوهُ طَلَبَ طَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَبِطَاعَةِ اللَّهِ كَرِهَ لَهُمْ وَلَيْسَ يَعْلَمُ مِثْلَ هَذَا مَنْ رَأَى أَحَدٌ صَوَابَهُ مِنْ خَطَئِهِ أَحَدٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ بِرَأْيِهِ لِأَنَّهُ لَا مُبَيِّنَ لِرَأْيِهِ أَصَوَابٌ هُوَ أَمْ خَطَأٌ وَإِنَّمَا عَلَى النَّاسِ أَنْ يَتَّبِعُوا طَاعَةَ اللَّهِ وَطَاعَةَ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَسُنَّةُ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِذَا غَبِيَ عِلْمُهُمَا عَلَى أَحَدٍ فَالدَّلَائِلُ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا اللَّذَانِ رَضِيَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعِبَادِهِ وَأَمَرُوا بِاتِّبَاعِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ أَكَلُوا الْحُوتَ بِغَيْرِ حُضُورِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَا أَصْلٍ عِنْدَهُمْ؟ قِيلَ لِمَوْضِعِ الضَّرُورَةِ وَالْحَاجَةِ إلَى أَكْلِهِ عَلَى أَنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى يَقِينٍ مِنْ حِلِّهِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ سَأَلُوا عَنْ ذَلِكَ أَوْ لَا تَرَى أَنَّ أَصْحَابَ أَبِي قَتَادَةَ فِي الصَّيْدِ الَّذِي صَادَهُ إذْ لَمْ يَكُنْ بِهِمْ ضَرُورَةٌ إلَى أَكْلِهِ أَمْسَكُوا إذْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ أَصْلٌ حَتَّى سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ؟
مُشَاوَرَةُ الْقَاضِي
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): أُحِبُّ لِلْقَاضِي أَنْ يُشَاوِرَ وَلَا يُشَاوِرَ فِي أَمْرِهِ إلَّا عَالِمًا بِكِتَابٍ وَسُنَّةٍ وَآثَارٍ وَأَقَاوِيلِ النَّاسِ وَعَاقِلًا يَعْرِفُ الْقِيَاسَ وَلَا يُحَرِّفُ الْكَلَامَ وَوُجُوهَهُ وَلَا يَكُونُ هَذَا فِي رَجُلٍ حَتَّى يَكُونَ عَالِمًا بِلِسَانِ الْعَرَبِ وَلَا يُشَاوِرُهُ إذَا كَانَ هَذَا مُجْتَمِعًا فِيهِ حَتَّى يَكُونَ مَأْمُونًا فِي دِينِهِ لَا يَقْصِدُ إلَّا قَصْدَ الْحَقِّ عِنْدَهُ وَلَا يَقْبَلُ مِمَّنْ كَانَ هَكَذَا عِنْدَهُ شَيْئًا أَشَارَ بِهِ عَلَيْهِ عَلَى حَالٍ حَتَّى يُخْبِرَهُ أَنَّهُ أَشَارَ بِهِ مِنْ خَبَرٍ يَلْزَمُ وَذَلِكَ كِتَابٌ أَوْ سُنَّةٌ أَوْ إجْمَاعٌ أَوْ مِنْ قِيَاسٍ عَلَى أَحَدِهِمَا وَلَا يَقْبَلُ مِنْهُ وَإِنْ قَالَ هَذَا لَهُ حَتَّى يَعْقِلَ مِنْهُ مَا يَعْقِلُ فَيَقِفَهُ عَلَيْهِ فَيَعْرِفَ مِنْهُ مَعْرِفَتَهُ وَلَا يَقْبَلَهُ مِنْهُ وَإِنْ عَرَفَهُ هَكَذَا حَتَّى يَسْأَلَ هَلْ لَهُ وَجْهٌ يَحْتَمِلُ غَيْرَ الَّذِي قَالَ؟ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَجْهٌ يَحْتَمِلُ غَيْرَ الَّذِي قَالَ أَوْ كَانَتْ سُنَّةٌ فَلَمْ يَخْتَلِفْ فِي رِوَايَتِهَا قَبْلَهُ وَإِنْ كَانَ لِلْقُرْآنِ وَجْهَانِ أَوْ كَانَتْ سُنَّةٌ رُوِيَتْ مُخْتَلِفَةً أَوْ سُنَّةٌ ظَاهِرُهَا يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ لَمْ يَعْمَلْ بِأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ حَتَّى يَجِدَ دَلَالَةً مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ عَلَى أَنَّ الْوَجْهَ الَّذِي عَمِلَ بِهِ هُوَ الْوَجْهُ الَّذِي يَلْزَمُهُ وَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى بِهِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي تَرَكَهُ وَهَكَذَا يَعْمَلُ فِي الْقِيَاسِ لَا يَعْمَلُ بِالْقِيَاسِ أَبَدًا حَتَّى يَكُونَ أَوْلَى بِالْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ أَوْ الْإِجْمَاعِ أَوْ أَصَحَّ فِي الْمَصْدَرِ مِنْ الَّذِي تَرَكَ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ بِغَيْرِ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ اسْتَحْسَنْت لِأَنَّهُ إذَا أَجَازَ لِنَفْسِهِ اسْتَحْسَنْت أَجَازَ لِنَفْسِهِ أَنْ يُشَرِّعَ فِي الدِّينِ وَغَيْرُ جَائِزٍ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ دَهْرِهِ وَإِنْ كَانَ أَبَيْنَ فَضْلًا فِي الْعَقْلِ وَالْعِلْمِ مِنْهُ وَلَا يَقْضِي أَبَدًا إلَّا بِمَا يَعْرِفُ وَإِنَّمَا أَمَرْته بِالْمَشُورَةِ لِأَنَّ الْمُشِيرَ يُنَبِّهُهُ لِمَا يَغْفُلُ عَنْهُ وَيَدُلُّهُ مِنْ الْأَخْبَارِ عَلَى مَا لَعَلَّهُ أَنْ يَجْهَلَهُ. فَأَمَّا أَنْ يُقَلِّدَ مُشِيرًا فَلَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ هَذَا لِأَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِذَا اجْتَمَعَ لَهُ عُلَمَاءُ مِنْ أَهْلِ زَمَانِهِ أَوْ افْتَرَقُوا فَسَوَاءٌ ذَلِكَ كُلُّهُ لَا يَقْبَلُهُ إلَّا تَقْلِيدًا لِغَيْرِهِمْ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ يَدُلُّونَهُ عَلَيْهِ حَتَّى يَعْقِلَهُ كَمَا عَقَلُوهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي عَقْلِهِ مَا إذَا عَقَلَ الْقِيَاسَ عَقَلَهُ وَإِذَا سَمِعَ الِاخْتِلَافَ مَيَّزَهُ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute