مَمْنُوعَةٌ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ كَانَ مَذْهَبًا قَالَ وَإِذَا كَانَتْ هِيَ الْبَالِغَةَ، وَهُوَ الصَّغِيرُ فَقَدْ قِيلَ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ لِأَنَّ الْحَبْسَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ وَمِثْلُهَا يُسْتَمْتَعُ بِهِ وَقِيلَ إذَا عَلِمَتْهُ صَغِيرًا وَنَكَحَتْهُ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا لِأَنَّ مَعْلُومًا أَنَّ مِثْلَهُ لَا يَسْتَمْتِعُ بِامْرَأَتِهِ قَالَ وَلَا تَجِبُ النَّفَقَةُ لِامْرَأَةٍ حَتَّى تَدْخُلَ عَلَى زَوْجِهَا أَوْ تُخَلِّي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدُّخُولِ عَلَيْهَا فَيَكُونُ الزَّوْجُ يَتْرُكُ ذَلِكَ فَإِذَا كَانَتْ هِيَ الْمُمْتَنِعَةَ مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا لِأَنَّهَا مَانِعَةٌ لَهُ نَفْسَهَا وَكَذَلِكَ إنْ هَرَبَتْ مِنْهُ أَوْ مَنَعَتْهُ الدُّخُولَ عَلَيْهَا بَعْدَ الدُّخُولِ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهَا نَفَقَةٌ مَا كَانَتْ مُمْتَنِعَةً مِنْهُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا نَكَحَهَا ثُمَّ خَلَّتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدُّخُولِ عَلَيْهَا فَلَمْ يَدْخُلْ فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا لِأَنَّ الْحَبْسَ مِنْ قِبَلِهِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا نَكَحَهَا ثُمَّ غَابَ عَنْهَا فَسَأَلَتْ النَّفَقَةَ فَإِنْ كَانَتْ خَلَّتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهَا فَغَابَ وَلَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهَا فَعَلَيْهِ النَّفَقَةُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَدْ خَلَّتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهَا وَلَا مَنَعَتْهُ فَهِيَ غَيْرُ مُخَلِّيَةٍ حَتَّى تُخَلِّي وَلَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ وَتَكْتُبُ إلَيْهِ وَيُؤَجَّلُ فَإِنْ قَدِمَ وَإِلَّا أَنْفَقَ إذَا أَتَى عَلَيْهِ قَدْرُ مَا يَأْتِيه الْكِتَابُ وَيَقْدَمُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
بَابُ قَدْرِ النَّفَقَةِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى} الْآيَةُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ عَلَى الْمَرْءِ أَنْ يَعُولَ امْرَأَتَهُ وَبِمِثْلِ هَذَا جَاءَتْ السُّنَّةُ كَمَا ذَكَرْت فِي الْبَابِ قَبْلَ هَذَا مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ قَالَ وَالنَّفَقَةُ نَفَقَتَانِ نَفَقَةُ الْمُوسِرِ وَنَفَقَةُ الْمُقْتِرِ عَلَيْهِ رِزْقُهُ وَهُوَ الْفَقِيرُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} الْآيَةُ قَالَ وَأَقَلُّ مَا يَلْزَمُ الْمُقْتِرَ مِنْ نَفَقَةِ امْرَأَتِهِ الْمَعْرُوفُ بِبَلَدِهِمَا قَالَ فَإِنْ كَانَ الْمَعْرُوفُ أَنَّ الْأَغْلَبَ مِنْ نُظَرَائِهَا لَا تَكُونُ إلَّا مَخْدُومَةً عَالَهَا وَخَادِمًا لَهَا وَاحِدًا لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ وَأَقَلُّ مَا يَعُولُهَا بِهِ وَخَادِمُهَا مَا لَا يَقُومُ بَدَنُ أَحَدٍ عَلَى أَقَلَّ مِنْهُ وَذَلِكَ مُدٌّ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ طَعَامِ الْبَلَدِ الَّذِي يَقْتَاتُونَ حِنْطَةً كَانَ أَوْ شَعِيرًا أَوْ ذُرَةً أَوْ أُرْزًا أَوْ سُلْتًا وَلِخَادِمِهَا مِثْلُهُ وَمَكِيلَةً مِنْ أُدُمِ بِلَادِهَا زَيْتًا كَانَ أَوْ سَمْنًا بِقَدْرِ مَا يَكْفِي مَا وَصَفْت مِنْ ثَلَاثِينَ مُدًّا فِي الشَّهْرِ وَلِخَادِمِهَا شَبِيهٌ بِهِ وَيَفْرِضُ لَهَا فِي دُهْنٍ وَمَشْطٍ أَقَلَّ مَا يَكْفِيهَا وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ لِخَادِمِهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ لَهَا.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِنْ كَانَتْ بِبَلَدٍ يَقْتَاتُونَ فِيهِ أَصْنَافًا مِنْ الْحُبُوبِ كَانَ لَهَا الْأَغْلَبُ مِنْ قُوتِ مِثْلِهَا فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ وَقَدْ قِيلَ لَهَا فِي الشَّهْرِ أَرْبَعَةُ أَرْطَالٍ لَحْمٍ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ رِطْلٌ وَذَلِكَ الْمَعْرُوفُ لَهَا، وَفَرَضَ لَهَا مِنْ الْكِسْوَةِ مَا يَكْسِي مِثْلَهَا بِبَلَدِهَا عِنْدَ الْمُقْتِرِ وَذَلِكَ مِنْ الْقُطْنِ الْكُوفِيِّ وَالْبَصْرِيِّ وَمَا أَشْبَهَهُمَا وَلِخَادِمِهَا كِرْبَاسٌ وَتُبَّانٌ وَمَا أَشْبَهَهُ وَفَرَضَ لَهَا فِي الْبِلَادِ الْبَارِدَةِ أَقَلَّ مَا يَكْفِي فِي الْبَرْدِ مِنْ جُبَّةٍ مَحْشُوَّةٍ وَقَطِيفَةٍ أَوْ لِحَافٍ وَسَرَاوِيلَ وَقَمِيصٍ وَخِمَارٍ أَوْ مِقْنَعَةٍ وَلِخَادِمِهَا جُبَّةَ صُوفٍ وَكِسَاءٍ تلتحفه يُدْفِئُ مِثْلَهَا وَقَمِيصٍ وَمِقْنَعَةٍ وَخُفٍّ وَمَا لَا غِنَى بِهَا عَنْهُ وَفَرَضَ لَهَا لِلصَّيْفِ قَمِيصًا وَمِلْحَفَةً وَمِقْنَعَةٍ قَالَ وَتَكْفِيهَا الْقَطِيفَةُ سَنَتَيْنِ وَالْجُبَّةُ الْمَحْشُوَّةُ كَمَا يَكْفِي مِثْلَهَا السَّنَتَيْنِ وَنَحْوَ ذَلِكَ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِنْ كَانَتْ رَغِيبَةً لَا يُجْزِيهَا هَذَا أَوْ زَهِيدَةً يَكْفِيهَا أَقَلُّ مِنْ هَذَا دُفِعَتْ هَذِهِ الْمَكِيلَةُ إلَيْهَا وَتَزَيَّدَتْ إنْ كَانَتْ رَغِيبَةً مِنْ ثَمَنِ أُدُمٍ أَوْ لَحْمٍ أَوْ عَسَلٍ وَمَا شَاءَتْ فِي الْحَبِّ وَإِنْ كَانَتْ زَهِيدَةً تَزَيَّدَتْ فِيمَا لَا يَقُوتُهَا مِنْهُ مِنْ الطَّعَامِ وَمِنْ فَضْلِ الْمَكِيلَةِ قَالَ وَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا مُوَسَّعًا عَلَيْهِ فَرَضَ لَهَا مُدَّيْنِ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفَرَضَ لَهَا مِنْ الْأُدُمِ وَاللَّحْمِ ضِعْفَ مَا وَصَفْته لِامْرَأَةِ الْمُقْتِرِ وَكَذَلِكَ فِي الدُّهْنِ وَالْعَسَلِ وَفَرَضَ لَهَا مِنْ الْكِسْوَةِ وَسَطَ الْبَغْدَادِيِّ وَالْهَرَوِيِّ وَلِينَ الْبَصْرَةِ وَمَا أَشْبَهَهُ وَكَذَلِكَ يُحْشَى لَهَا لِلشِّتَاءِ إنْ كَانَتْ بِبِلَادٍ يَحْتَاجُ أَهْلُهَا إلَى الْحَشْوِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute