للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّ لَهُمْ الْأَرْضَ وَيَكُونُونَ أَحْرَارًا ثُمَّ عَامَلَهُمْ الْمُسْلِمُونَ بَعْدُ فَإِنَّ الْأَرْضَ كُلَّهَا صُلْحٌ وَخُمْسُهَا لِأَهْلِ الْخُمْسِ وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا وَصَفْت، وَإِذَا وَقَعَ صُلْحُهُمْ عَلَى الْعَامِرِ، وَلَمْ يَذْكُرُوا الْعَامِرَ فَقَالُوا: لَكُمْ أَرْضُنَا فَلَهُمْ مِنْ أَرْضِهِمْ مَا وَصَفْت مِنْ الْعَامِرِ وَالْعَامِرُ مَا فِيهِ أَثَرُ عِمَارَةٍ أَوْ ظَهَرَ عَلَيْهِ النَّهْرُ، أَوْ عُرِفَتْ عِمَارَتُهُ بِوَجْهٍ وَمَا كَانَ مِنْ الْمَوَاتِ فِي بِلَادِهِمْ فَمَنْ أَرَادَ إقْطَاعَهُ مِمَّنْ صَالَحَ عَلَيْهِ، أَوْ لَمْ يُصَالِحْ أَوْ عَمَرَهُ مِمَّنْ صَالَحَ، أَوْ لَمْ يُصَالِحْ فَسَوَاءٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ غَيْرَ مَمْلُوكٍ كَمَا كَانَ عَفْوُ بِلَادِ الْعَرَبِ غَيْرَ مَمْلُوكٍ لَهُمْ، وَلَوْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى عَامِرِهَا وَمَوَاتِهَا كَانَ الْمَوَاتُ مَمْلُوكًا لِمَنْ مَلَكَ الْعَامِرَ كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَوَاتِ مِنْ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ إذَا حَازَهُ رَجُلٌ يَجُوزُ الصُّلْحُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ إذَا جَازُوهُ دُونَ الْمُسْلِمِينَ فَمَنْ عَمِلَ فِي مَعْدِنٍ فِي أَرْضٍ مَلَّكَهَا لِوَاحِدِ، أَوْ جَمَاعَةٍ فَجَمِيعُ مَا خَرَجَ مِنْ الْمَعْدِنِ لِمَنْ مَلَكَ الْأَرْضَ، وَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ فِي عَمَلِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْعَمَلِ وَمَنْ عَمِلَ فِي مَعْدِنٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ أَدَّى إلَى غَيْرِهِ نَصِيبَهُ مِمَّا خَرَجَ مِنْ الْمَعْدِنِ وَكَانَ مُتَطَوِّعًا بِالْعَمَلِ لَا أَجْرَ لَهُ فِيهِ، وَإِنْ عَمِلَ بِإِذْنِهِ، أَوْ عَلَى أَنَّ لَهُ مَا خَرَجَ مِنْ عَمَلِهِ فَسَوَاءٌ وَأَكْثَرُ هَذَا أَنْ يَكُونَ هِبَةً لَا يَعْرِفُهَا الْوَاهِبُ، وَلَا الْمَوْهُوبُ لَهُ، وَلَمْ يَقْبِضْ فَالْآذِنُ فِي الْعَمَلِ وَالْقَائِلُ اعْمَلْ وَلَك مَا خَرَجَ مِنْ عَمَلِك سَوَاءٌ لَهُ الْخِيَارُ فِي أَنْ يُتِمَّ ذَلِكَ لِلْعَامِلِ، وَكَذَلِكَ أُحِبُّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فَيَأْخُذَ نَصِيبَهُ مِمَّا خَرَجَ مِنْ غَلَّةٍ وَيَرْجِعَ عَلَيْهِ الْعَامِلُ بِأَجْرِ مِثْلِهِ فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ: يَرْجِعُ وَلَيْسَ هَذَا كَالدَّابَّةِ يَأْذَنُ لَهُ فِي رُكُوبِهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ عَرَفَ مَا أَعْطَاهُ وَقَبَضَهُ.

عِمَارَةُ مَا لَيْسَ مَعْمُورًا مِنْ الْأَرْضِ الَّتِي لَا مَالِكَ لَهَا

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): كَانَ يُقَالُ الْحَرَمُ دَارُ قُرَيْشٍ وَيَثْرِبُ دَارُ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ وَأَرْضُ كَذَا دَارُ بَنِي فُلَانٍ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُمْ أَلْزَمُ النَّاسِ لَهَا وَأَنَّ مَنْ نَزَلَهَا غَيْرُهُمْ إنَّمَا يَنْزِلُهَا شَبِيهًا بِالْمُجْتَازِ وَعَلَى مَعْنَى أَنَّ لَهُمْ مِيَاهَهَا الَّتِي لَا تَصْلُحُ مَسَاكِنُهَا إلَّا بِهَا، وَلَيْسَ مَا سَمَّتْهُ الْعَرَبُ مِنْ هَذَا دَارًا لِبَنِي فُلَانٍ بِالْمُوجِبِ لَهُمْ أَنْ يَكُونَ مِلْكًا مِثْلَ مَا بَنَوْهُ، أَوْ زَرَعُوهُ أَوْ اخْتَبَرُوهُ؛ لِأَنَّهُ مَوَاتٌ أُحْيِيَ كَمَاءٍ نَزَلُوهُ مُجْتَازِينَ وَفَارَقُوهُ وَكَمَا يَحْيَا مَا قَارَبَ مَا عَمَرُوا، وَإِنَّمَا يَمْلِكُونَ بِمَا أَحْيَوْا مَا أَحْيَوْا، وَلَا يَمْلِكُونَ مَا لَمْ يُحْيُوا.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَبَيَانُ مَا وَصَفْتُ فِي السُّنَّةِ ثُمَّ الْأَثَرِ مِنْهُ مَا وَصَفْت قَبْلَ هَذَا الْبَابِ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا حِمًى إلَّا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ» ثُمَّ قَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّهَا لِبِلَادِهِمْ، وَلَوْلَا الْمَالُ الَّذِي أَحْمِلُ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى مَا حَمَيْت عَلَيْهِمْ مِنْ بِلَادِهِمْ شِبْرًا أَيْ أَنَّهَا تُنْسَبُ إلَيْهِمْ إذَا كَانُوا أَلْزَمَ النَّاسِ لَهَا وَأَمْنَعُهُ.

(أَخْبَرَنَا) مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ أَحْيَا مَوَاتًا فَهُوَ لَهُ وَلَيْسَ لِعِرْقِ ظَالِمٍ فِيهِ حَقٌّ».

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَجِمَاعُ الْعِرْقِ الظَّالِمِ كُلُّ مَا حُفِرَ أَوْ غُرِسَ أَوْ بُنِيَ ظُلْمًا فِي حَقِّ امْرِئٍ بِغَيْرِ خُرُوجِهِ مِنْهُ (أَخْبَرَنَا) سُفْيَانُ عَنْ طَاوُسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَحْيَا مَوَاتًا مِنْ الْأَرْضِ فَهُوَ لَهُ وَعَادِي الْأَرْضِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ ثُمَّ هِيَ لَكُمْ مِنِّي».

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَفِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ وَغَيْرِهِمَا الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ الْمَوَاتَ لَيْسَ مِلْكًا لِأَحَدٍ بِعَيْنِهِ وَأَنَّ مَنْ أَحْيَا مَوَاتًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ لَهُ وَأَنَّ الْإِحْيَاءَ لَيْسَ هُوَ بِالنُّزُولِ فِيهِ وَمَا أَشْبَهَهُ وَأَنَّ الْإِحْيَاءَ الَّذِي يَعْرِفُهُ النَّاسُ هُوَ الْعِمَارَةُ بِالْحَجَرِ وَالْمَدَرِ وَالْحَفْرِ لِمَا بُنِيَ دُونَ اضْطِرَابِ الْأَبْنِيَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَمِنْ الدَّلِيلِ عَلَى مَا وَصَفْت أَيْضًا أَنَّ ابْنَ عُيَيْنَةَ أَخْبَرَنَا عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ أَقْطَعَ النَّاسَ الدُّورَ فَقَالَ حَيٌّ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو عَبْدِ بْنِ زُهْرَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَكَبَ عَنَّا ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ فَقَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>