وَالْكَثِيرِ وَيُوَكِّلُهُ بِحِفْظِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ لَا غَيْرَهُ وَيُوَكِّلُهُ بِدَفْعِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ لَا غَيْرَهُ فَلَمَّا كَانَ يَحْتَمِلُ هَذِهِ الْمَعَانِيَ وَغَيْرَهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا حَتَّى يُبَيِّنَ الْوَكَالَاتِ مِنْ بَيْعٍ، أَوْ شِرَاءٍ، أَوْ وَدِيعَةٍ، أَوْ خُصُومَةٍ، أَوْ عِمَارَةٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ.
وَإِذَا وَكَّلَتْ الْمَرْأَةُ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ وَهِيَ حَاضِرَةٌ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَانَ يَقُولُ لَا أَقْبَلُ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْخَصْمُ، وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ نَقْبَلُ ذَلِكَ وَنُجِيزُهُ وَبِهِ يَأْخُذُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَقْبَلُ الْوَكَالَةَ مِنْ الْحَاضِرِ مِنْ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ فِي الْعُذْرِ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَّلَ عِنْدَ عُثْمَانَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ حَاضِرٌ فَقَبِلَ ذَلِكَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَانَ يُوَكِّلُ قَبْلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عُقَيْلَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَلَا أَحْسِبُهُ أَنَّهُ كَانَ يُوَكِّلُهُ إلَّا عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَعَلَّ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ إنَّ لِلْخُصُومَةِ قَحْمًا وَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُهَا.
بَابٌ فِي الدَّيْنِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا كَانَ عَلَى الرَّجُلِ دَيْنٌ، وَكَانَ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ بِعَيْنِهَا فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَانَ يَقُولُ مَا تَرَكَ الرَّجُلُ فَهُوَ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ وَأَصْحَابِ الْوَدِيعَةِ بِالْحِصَصِ وَبِهِ يَأْخُذُ، وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ لَيْسَ لِصَاحِبِ الْوَدِيعَةِ شَيْءٌ لَا أَنْ يَعْرِفَ وَدِيعَتَهُ بِعَيْنِهَا فَتَكُونَ لَهُ خَاصَّةً وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هِيَ دَيْنٌ فِي مَالِهِ مَا لَمْ يَقُلْ قَبْلَ الْمَوْتِ قَدْ هَلَكَتْ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ لَهَا سَبِيلٌ ذَهَبَتْ فِيهِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَالٍ أَصْلُهُ أَمَانَةٌ وَبِهِ يَأْخُذُ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا كَانَ عِنْدَ الرَّجُلِ وَدِيعَةٌ بِعَيْنِهَا، وَكَانَتْ عَلَيْهِ دُيُونٌ فَالْوَدِيعَةُ لِرَبِّ الْوَدِيعَةِ لَا تَدْخُلُ عَلَيْهِ الْغُرَمَاءُ فِيهَا، وَلَوْ كَانَتْ بِغَيْرِ عَيْنِهَا مِثْلَ دَنَانِيرَ وَدَرَاهِمَ وَمَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ حَاصَّ رَبُّ الْوَدِيعَةِ الْغُرَمَاءَ إلَّا أَنْ يَقُولَ الْمُسْتَوْدَعُ الْمَيِّتُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ قَدْ هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ فَيَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَك؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ، وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ بِدَيْنٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ بِشُهُودٍ فِي صِحَّتِهِ وَلَيْسَ لَهُ وَفَاءٌ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَانَ يَقُولُ يَبْدَأُ بِالدَّيْنِ الْمَعْرُوفِ الَّذِي فِي صِحَّتِهِ فَإِنْ فَضَلَ عَنْهُمْ شَيْءٌ كَانَ لِلَّذِينَ أَقَرَّ لَهُمْ فِي الْمَرَضِ بِالْحِصَصِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ حِينَ مَرِضَ أَنَّهُ لَيْسَ يَمْلِكُ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا وَلَا تَجُوزُ وَصِيَّتُهُ فِيهِ لِمَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ فَكَذَلِكَ إقْرَارُهُ لَهُ وَبِهِ يَأْخُذُ، وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ هُوَ مُصَدَّقٌ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ وَاَلَّذِي أَقَرَّ لَهُ فِي الصِّحَّةِ، وَالْمَرَضِ سَوَاءٌ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا كَانَتْ عَلَى الرَّجُلِ دُيُونٌ مَعْرُوفَةٌ مِنْ بُيُوعٍ، أَوْ جِنَايَاتٍ، أَوْ شَيْءٍ اسْتَهْلَكَهُ، أَوْ شَيْءٍ أَقَرَّ بِهِ وَهَذَا كُلُّهُ فِي الصِّحَّةِ، ثُمَّ مَرِضَ فَأَقَرَّ بِحَقٍّ لِإِنْسَانٍ فَذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ ويتحاصون مَعًا لَا يُقَدَّمُ وَاحِدٌ عَلَى الْآخَرِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ إلَّا هَذَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، أَوْ أَنْ يَقُولَ رَجُلٌ إذَا مَرِضَ فَإِقْرَارُهُ بَاطِلٌ كَإِقْرَارِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ فَأَمَّا أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ إقْرَارَهُ يَلْزَمُهُ، ثُمَّ لَا يُحَاصَّ بِهِ غُرَمَاؤُهُ فَهَذَا تَحَكُّمٌ، وَذَلِكَ أَنْ يَبْدَأَ بِدَيْنِ الصِّحَّةِ وَإِقْرَارِ الصِّحَّةِ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فِي الْمَرَضِ بِبَيِّنَةٍ حَاصَّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِبَيِّنَةٍ لَمْ يُحَاصَّ، وَإِذَا فَرَّعَ الرَّجُلُ أَهْلَ دَيْنِ الصِّحَّةِ وَدَيْنِ الْمَرَضِ بِالْبَيِّنَةِ لَمْ تَجُزْ لَهُ وَصِيَّةٌ وَلَمْ يُورَثْ حَتَّى يَأْخُذَ هَذَا حَقَّهُ فَهَذَا دَيْنٌ مَرَّةً يَبْدَأُ عَلَى الْمَوَارِيثِ، وَالْوَصَايَا وَغَيْرُ دَيْنٍ إذَا صَارَ لَا يُحَاصَّ بِهِ.
وَإِذَا اسْتَدَانَتْ الْمَرْأَةُ وَزَوْجُهَا غَائِبٌ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَانَ يَقُولُ أَفْرِضُ لَهَا عَلَى زَوْجِهَا نَفَقَةَ مِثْلِهَا فِي غَيْبَتِهِ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَا شَيْءَ لَهَا وَهِيَ مُتَطَوِّعَةٌ فِيمَا أَنْفَقَتْ وَالدَّيْنُ عَلَيْهَا خَاصَّةً، وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَا يَفْرِضُ لَهَا نَفَقَةً إلَّا فِيمَا يُسْتَقْبَلُ، وَكَذَلِكَ بَلَغَنَا عَنْ شُرَيْحٍ وَبِهَذَا يَأْخُذُ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا غَابَ الرَّجُلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute