آخَرِ الْآيَتَيْنِ وَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} الْآيَةُ وَقَالَ {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ} الْآيَةُ وَقَالَ {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} أَفَرَأَيْت لَوْ قَذَفَهَا أَيُلَاعِنُهَا؟ أَوْ آلَى مِنْهَا أَيَلْزَمُهُ الْإِيلَاءُ؟ أَوْ تَظَاهَرَ مِنْهَا أَيَلْزَمُهُ الظِّهَارُ أَوْ مَاتَتْ أَيَرِثُهَا أَوْ مَاتَ أَتَرِثُهُ؟ قَالَ لَا قُلْت أَلَا إنَّ أَحْكَامَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى هَذِهِ الْخَمْسَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ؟ قَالَ نَعَمْ قُلْت وَحُكْمُ اللَّهِ أَنَّهُ إنَّمَا تَطْلُقُ الزَّوْجَةُ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} قَالَ نَعَمْ فَقُلْت لَهُ كِتَابُ اللَّهِ إذَا كَانَ كَمَا زَعَمْنَا وَزَعَمْت يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ وَهِيَ خِلَافُ قَوْلِكُمْ أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُمَا قَالَا فِي الْمُخْتَلِعَةِ يُطَلِّقُهَا زَوْجُهَا قَالَا لَا يَلْزَمُهَا طَلَاقٌ لِأَنَّهُ طَلَّقَ مَا لَا يَمْلِكُ وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّك لَا تُخَالِفُ وَاحِدًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا إلَى قَوْلٍ مِثْلِهِ فَخَالَفْت ابْنَ عَبَّاسٍ وَابْنَ الزُّبَيْرِ مَعًا وَآيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مَا أَدْرِي لَعَلَّ أَحَدًا لَوْ قَالَ مِثْلَ قَوْلِك هَذَا لَقُلْت لَهُ مَا يَحِلُّ لَك أَنْ تَتَكَلَّمَ فِي الْعِلْمِ وَأَنْتَ تَجْهَلُ أَحْكَامَ اللَّهِ ثُمَّ قُلْت فِيهَا قَوْلًا لَوْ تَخَاطَأْتَ فَقُلْته كُنْت قَدْ أَحْسَنْت الْخَطَأَ وَأَنْتَ تَنْسِبُ نَفْسَك إلَى النَّظَرِ قَالَ وَمَا هَذَا الْقَوْلُ؟ قُلْت زَعَمْت أَنَّهُ إنْ قَالَ لِلْمُخْتَلِعَةِ أَنْتِ بَتَّةٌ وَبَرِيَّةٌ وَخَلِيَّةٌ يَنْوِي الطَّلَاقَ لَمْ يَلْزَمْهَا الطَّلَاقُ وَهَذَا يَلْزَمُ الزَّوْجَةَ وَأَنَّهُ إنْ آلَى مِنْهَا أَوْ تَظَاهَرَ أَوْ قَذَفَهَا لَمْ يَلْزَمْهَا مَا يَلْزَمُ الزَّوْجَةَ وَأَنَّهُ إنْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لَهُ طَالِقٌ وَلَا يَنْوِيهَا وَلَا غَيْرَهَا طُلِّقَ نِسَاؤُهُ وَلَمْ تَطْلُقْ هِيَ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِامْرَأَةٍ لَهُ ثُمَّ قُلْت وَإِنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ فَكَيْفَ يُطَلِّقُ غَيْرَ امْرَأَتِهِ.
الشِّقَاقُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} الْآيَةُ قَالَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَعْنَى مَا أَرَادَ مِنْ خَوْفِ الشِّقَاقِ الَّذِي إذَا بَلَغَاهُ أَمَرَهُ أَنْ يَبْعَثَ حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا وَاَلَّذِي يُشْبِهُ ظَاهِرُ الْآيَةِ فَمَا عَمَّ الزَّوْجَيْنِ مَعًا حَتَّى يَشْتَبِهَ فِيهِ حَالُهُمَا الْآيَةُ وَذَلِكَ أَنِّي وَجَدْتُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَذِنَ فِي نُشُوزِ الزَّوْجِ أَنْ يَصْطَلِحَا وَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ وَأَذِنَ فِي نُشُوزِ الْمَرْأَةِ بِالضَّرْبِ وَأَذِنَ فِي خَوْفِهِمَا أَنْ لَا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ بِالْخُلْعِ وَدَلَّتْ السُّنَّةُ أَنَّ ذَلِكَ بِرِضًا مِنْ الْمَرْأَةِ وَحَظَرَ أَنْ يَأْخُذَ لِرَجُلٍ مِمَّا أَعْطَى شَيْئًا إذَا أَرَادَ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ فَلَمَّا أَمَرَ فِيمَنْ خِفْنَا الشِّقَاقَ بَيْنَهُ بِالْحَكَمَيْنِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ حُكْمَهُمَا غَيْرُ حُكْمِ الْأَزْوَاجِ غَيْرِهِمَا وَكَانَ يَعْرِفُهُمَا بِإِبَانَةِ الْأَزْوَاجِ أَنْ يَشْتَبِهَ حَالُهُمَا فِي الشِّقَاقِ فَلَا يَفْعَلُ الرَّجُلُ الصَّفْحَ وَلَا الْفُرْقَةَ وَلَا الْمَرْأَةُ تَأْدِيَةَ الْحَقِّ وَلَا الْفِدْيَةَ أَوْ تَكُونُ الْفِدْيَةُ لَا تَجُوزُ مِنْ قِبَلِ مُجَاوَزَةِ الرَّجُلِ مَالَهُ مِنْ أَدَبِ الْمَرْأَةِ وَتَبَايُنِ حَالِهِمَا فِي الشِّقَاقِ وَالتَّبَايُنُ هُوَ مَا يَصِيرَانِ فِيهِ مِنْ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ إلَى مَا لَا يَحِلُّ لَهُمَا وَلَا يَحْسُنُ وَيَمْتَنِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الرَّجْعَةِ وَيَتَمَادَيَانِ فِيمَا لَيْسَ لَهُمَا وَلَا يُعْطِيَانِ حَقًّا وَلَا يَتَطَوَّعَانِ وَلَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِأَمْرٍ يَصِيرَانِ بِهِ فِي مَعْنَى الْأَزْوَاجِ غَيْرِهِمَا فَإِذَا كَانَ هَذَا بَعَثَ حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا وَلَا يُبْعَثُ الْحَكَمَانِ إلَّا مَأْمُونَيْنِ وَبِرِضَا الزَّوْجَيْنِ وَيُوَكِّلُهُمَا الزَّوْجَانِ بِأَنْ يَجْمَعَا أَوْ يُفَرِّقَا إذَا رَأَيَا ذَلِكَ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ أَخْبَرَنَا الثَّقَفِيُّ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَرِيرَة عَنْ عُبَيْدَةَ عَنْ عَلِيٍّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا}
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute