للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَشُرَيْحٍ وَذَهَبْنَا إلَى أَنَّ الْإِرْخَاءَ وَالْإِغْلَاقَ لَا يَصْنَعُ شَيْئًا إنَّمَا يَصْنَعُهُ الْمَسِيسُ فَكَيْفَ لَمْ تُجِيزُوا لِمَنْ تَأَوَّلَ عَلَى قَوْلِ عُمَرَ وَقَالَ: بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ؟ وَقُلْتُمْ عُمَرُ فِي إمَامَتِهِ أَعْلَمُ بِمَعْنَى الْقُرْآنِ، ثُمَّ امْتَنَعْتُمْ مِنْ الْقَبُولِ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ الْقَضَاءَ فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ وَهُمَا لَمْ يَقْضِيَا فِي مَالِهِ بِشَيْءٍ عَلِمْنَاهُ، وَقُلْتُمْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْكَم عَلَيْهِ حُكْمُ الْمَوْتَى قَبْلَ أَنْ تَسْتَيْقِنَ وَفَاتَهُ، وَإِنْ طَالَ زَمَانُهُ.

ثُمَّ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ تَحْكُمُونَ عَلَى رَجُلٍ حُكْمَ الْمَوْتِ وَأَنْتَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ حَيَاتِهِ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ فَلَقَلَّمَا رَأَيْتُكُمْ عِبْتُمْ عَلَى أَحَدٍ فِي الْأَخْبَارِ الَّتِي انْتَهَى إلَيْهَا شَيْئًا قَطُّ إلَّا قُلْتُمْ مِنْ جِهَةِ الرَّأْيِ بِمِثْلِهِ وَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَعِيبًا فَأَيُّ جَهْلٍ أَبْيَنُ مِنْ أَنْ تَعِيبَ فِي الْخَبَرِ الَّذِي هُوَ عِنْدَك فِيمَا تَزْعُمُ؟ غَايَةُ مَا نَقُولُ مِنْ جِهَةِ الرَّأْيِ مَا عِبْت مِنْهُ، أَوْ مِثْلِهِ، وَقُلْت لِبَعْضِهِمْ: أَرَأَيْت قَوْلَك لَوْ لَمْ يَعِبْ بِخِلَافِ كِتَابٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا إجْمَاعٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا مَعْقُولٍ وَسَكَتَ لَك عَنْ هَذَا كُلِّهِ، أَلَا يَكُونُ قَوْلُك مَعِيبًا بِلِسَانِك؟.

(قَالَ): وَأَيْنَ؟ قُلْت: أَرَأَيْت إذَا كَانَتْ الرِّدَّةُ اللُّحُوقَ بِدَارِ الْحَرْبِ يُوجِبُ عَلَيْهِ حُكْمُ الْمَوْتِ لِمَ زَعَمْت أَنَّ الْقَاضِيَ إنْ فَرَّطَ، أَوْ لَمْ يُرْفَعْ ذَلِكَ إلَيْهِ حَتَّى يَمْضِيَ سِنِينَ، وَهُوَ فِي دَارِ الْحَرْبِ. ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ الْقَاضِي مُسْلِمًا أَنَّهُ عَلَى أَصْلِ مِلْكِهِ، وَلِمَ زَعَمْت أَنَّ الْقَاضِيَ إنْ حَكَمَ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْمَوْتِ ثُمَّ رَجَعَ مُسْلِمًا كَانَ الْحُكْمُ مَاضِيًا فِي بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ؟ مَا زَعَمْت أَنَّ حُكْمَ الْمَوْتِ يَجِبُ عَلَيْهِ بِالرِّدَّةِ وَاللُّحُوقِ بِدَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّك لَوْ زَعَمْت ذَلِكَ، قُلْت: لَوْ رَجَعَ مُسْلِمًا أُنَفِّذُ عَلَيْهِ الْحُكْمَ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ، وَلَوْ زَعَمْت أَنَّ الْحُكْمَ إذَا أُنْفِذَ عَلَيْهِ وَرَجَعَ مُسْلِمًا رُدَّ الْحُكْمُ فَلَا يُنَفَّذُ فَأَنْتَ زَعَمْت أَنْ يُنَفِّذَ بَعْضًا وَيَرُدَّ بَعْضًا.

(قَالَ): وَمَا ذَلِكَ؟ قُلْت: زَعَمْت أَنَّهُ يُعْتَقُ مُدَبَّرُوهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ وَيُعْطِي غَرِيمَهُ الَّذِي حَقُّهُ إلَى ثَلَاثِينَ سَنَةً حَالًّا وَيُقَسِّمُ مِيرَاثَهُ فَيَأْتِي مُسْلِمًا وَمُدَبَّرُوهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ وَمَالُهُ قَائِمٌ فِي يَدَيْ غَرِيمِهِ يُقِرُّ بِهِ وَيَشْهَدُ عَلَيْهِ وَلَا يَرُدُّ مِنْ هَذَا شَيْئًا، وَهُوَ مَالُهُ بِعَيْنِهِ فَكُلُّ مَالٍ فِي يَدَيْ الْغَرِيمِ مَالُهُ بِعَيْنِهِ وَتَقُولُ لَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ. ثُمَّ تَنْزِعُ مِيرَاثَهُ مِنْ يَدَيْ وَرَثَتِهِ فَكَيْفَ نَقَضْت بَعْضَ الْحُكْمِ دُونَ بَعْضٍ؟ قَالَ: قُلْت: هُوَ مَالُهُ بِعَيْنِهِ لَمْ يُحَلَّلْ لَهُ وَمُدَبَّرُوهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ بِأَعْيَانِهِمْ. ثُمَّ زَعَمْت أَنَّهُ يُنْقَضُ الْحُكْمُ لِلْوَرَثَةِ وَأَنَّهُ إنْ اسْتَهْلَكَ بَعْضُهُمْ مَالَهُ، وَهُوَ مُوسِرٌ لَمْ يَغْرَمْهُ إيَّاهُ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَهْلِكْهُ بَعْضُهُمْ أَخَذْته مِمَّنْ لَمْ يَسْتَهْلِكْهُ هَلْ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ كَمُلَ عَقْلُهُ وَعِلْمُهُ لَوْ تَخَاطَأَ أَنْ يَأْتِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فِي الْحُكْمِ بِعَيْنِهِ؟ أَرَأَيْت مَنْ نَسَبْتُمْ إلَيْهِ الضَّعْفَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَتَعْطِيلِ النَّظَرِ وَقُلْتُمْ إنَّمَا يَتَخَرَّصُ فَيَلْقَى مَا جَاءَ عَلَى لِسَانِهِ هَلْ كَانَ تَعْطِيلُ النَّظَرِ يُدْخِلُ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ خِلَافِ كِتَابٍ وَسُنَّةٍ، فَقَدْ جَمَعَتْهُمَا جَمِيعًا، أَوْ خِلَافِ مَعْقُولٍ، أَوْ قِيَاسٍ أَوْ تَنَاقُضِ قَوْلٍ، فَقَدْ جَمَعْتَهُ كُلَّهُ فَإِنْ كَانَ أَخْرَجَك عِنْدَ نَفْسِك مِنْ أَنْ تَكُونَ مَلُومًا عَلَى هَذَا إنَّك أَبْدَيْتَهُ وَأَنْتَ تَعْرِفُهُ فَلَا أَحْسِبُ لِمَنْ أَتَى مَا لَيْسَ لَهُ، وَهُوَ يَعْرِفُهُ عُذْرًا عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْجَاهِلِ بِأَنْ يَقُولَ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ يُخْطِئُ، وَلَا يَعْلَمُ فَأَحْسِبُ الْعَالِمَ غَيْرَ مَعْذُورٍ بِأَنْ يُخْطِئَ، وَهُوَ يَعْلَمُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَقَالَ: فَمَا تَقُولُ أَنْتَ؟ فَقُلْت: أَقُولُ إنِّي أَقِفُ مَالَهُ حَتَّى يَمُوتَ فَأَجْعَلُهُ فَيْئًا، أَوْ يَرْجِعَ إلَى الْإِسْلَامِ فَأَرُدَّهُ إلَيْهِ، وَلَا أَحْكُمُ بِالْمَوْتِ عَلَى حَيٍّ فَيَدْخُلَ عَلَيَّ بَعْضُ مَا دَخَلَ عَلَيْك.

بَابُ رَدِّ الْمَوَارِيثِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} وَقَالَ: اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ}

<<  <  ج: ص:  >  >>