إقْرَارُ أَحَدِ الِابْنَيْنِ بِالْأَخِ
(أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ: (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا هَلَكَ الرَّجُلُ فَتَرَكَ ابْنَيْنِ، وَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِأَخٍ، وَشَهِدَ عَلَى أَبِيهِ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ ابْنُهُ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ الْمِيرَاثِ شَيْءٌ لِأَنَّ إقْرَارَهُ جَمَعَ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا لَهُ، وَالْآخَرُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا بَطَلَ الَّذِي لَهُ بَطَلَ الَّذِي عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ إقْرَارُهُ لَهُ بِدَيْنٍ، وَلَا، وَصِيَّةٍ إنَّمَا أَقَرَّ لَهُ بِمَالٍ، وَنَسَبٍ فَإِذَا زَعَمْنَا أَنَّ إقْرَارَهُ فِيهِ يَبْطُلُ لَمْ يَأْخُذْ بِهِ مَالًا كَمَا لَوْ مَاتَ ذَلِكَ الْمُقَرُّ لَهُ لَمْ يَرِثْهُ أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ لِي عَلَيْك مِائَةُ دِينَارٍ فَقَالَ بِعْتنِي بِهَا دَارَك هَذِهِ، وَهِيَ لَك عَلَيَّ فَأَنْكَرَ الرَّجُلُ الْبَيْعَ أَوْ قَالَ بَاعَنِيهَا أَبُوك، وَأَنْتَ وَارِثُهُ فَهِيَ لَك عَلَيَّ، وَلِي الدَّارُ كَانَ إقْرَارُهُ بَاطِلًا لِأَنَّهُ إنَّمَا يُثْبِتُ عَلَى نَفْسِهِ بِمِائَةٍ يَأْخُذُ بِهَا عِوَضًا فَلَمَّا بَطَلَ عَنْهُ الْعِوَضُ بَطَلَ عَنْهُ الْإِقْرَارُ، وَمَا قُلْت مِنْ هَذَا فَهُوَ قَوْلُ الْمَدَنِيِّينَ الْأُوَلِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا وَرَدَ عَلَيْنَا أَحَدٌ قَطُّ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ إلَّا، وَهُوَ يَقُولُ هَذَا: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَأَخْبَرَنِي أَبُو يُوسُفَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ لَمْ يَلْقَ مَدَنِيًّا قَطُّ إلَّا، وَهُوَ يَقُولُ هَذَا حَتَّى كَانَ حَدِيثًا فَقَالُوا خِلَافَهُ فَوَجَدْنَا عَلَيْهِمْ حُجَّةً، وَمَا كُنَّا نَجِدُ عَلَيْهِمْ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ حُجَّةً.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَلَسْنَا نَقُولُ بِحَدِيثِ عُمَرَ بْنِ قَيْسٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ، وَإِنَّمَا تَرَكْنَاهُ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» وَالْعُرُوقُ أَرْبَعَةٌ عِرْقَانِ ظَاهِرَانِ وَعِرْقَانِ بَاطِنَانِ فَأَمَّا الْعِرْقَانِ الْبَاطِنَانِ فَالْبِئْرُ وَالْعَيْنُ وَأَمَّا الْعِرْقَانِ الظَّاهِرَانِ فَالْغِرَاسُ وَالْبِنَاءُ فَمَنْ غَرَسَ أَرْضَ رَجُلٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَا غَرْسَ لَهُ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ»، وَهَذَا عِرْقٌ ظَالِمٌ (وَقَالَ) لَا يُقْسَمُ نَضْحٌ مَعَ بَعْلٌ، وَلَا بَعْلٌ مَعَ عَيْنٍ، وَيُقْسَمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَا عَلَى حِدَتِهِ (وَقَالَ) لَا تُضَاعَفُ الْغَرَامَةُ عَلَى أَحَدٍ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى أَنَّ مَا أَفْسَدَتْ الْمَوَاشِي بِاللَّيْلِ ضَامِنٌ عَلَى أَهْلِهَا، وَالضَّمَانُ عَلَى أَهْلِهَا بِقِيمَةٍ وَاحِدَةٍ لَا قِيمَتَيْنِ (وَقَالَ) لَا يَدْخُلُ الْمُخَنَّثُونَ عَلَى النِّسَاءِ، وَيُنْفَوْنَ (وَقَالَ) الْجَدُّ أَحَقُّ بِالْوَلَدِ.
(قَالَ): وَإِذَا أَبَى الْمُرْتَدُّ التَّوْبَةَ قُتِلَ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ»، وَهَذَا مُبَدِّلٌ لِدِينِهِ، وَأَنَّ لَنَا أَنْ نَقْتُلَ مَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ، وَامْتَنَعَ مِنْ الْإِجَابَةِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ بِلَا تَأَنٍّ، وَهَذَا لَا يُثْبِتُهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ عَنْ عُمَرَ، وَلَوْ فَعَلَهُ رَجُلٌ رَجَوْت أَنْ لَا يَكُونَ بِذَلِكَ بَأْسٌ، يَعْنِي فِي حَدِيثِ عُمَرَ هَلْ كَانَ مِنْ مُغْرِبَةِ خَبَرٍ، وَقَالَ عُمَرُ لَك وَلَاؤُهُ فِي اللَّقِيطِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَأَنَّهُ لَا وَلَاءَ لَهُ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَهَذَا غَيْرُ مُعْتَقٍ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: فَهُوَ حُرٌّ، فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَأَمَّا إنْفَاقُهُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَكَذَلِكَ نَقُولُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
إقْرَارُ الْوَارِثِ
وَدَعْوَى الْأَعَاجِمِ
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ إمْلَاءً، قَالَ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، قَالَ فِي الرَّجُلِ يَهْلَكُ، وَيَتْرُكُ ابْنَيْنِ، وَيَتْرُكُ سِتَّمِائَةِ دِينَارٍ فَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَلَثَمِائَةِ دِينَارٍ ثُمَّ يَشْهَدُ أَحَدُهُمَا أَنَّ أَبَاهُ الْهَالِكَ أَقَرَّ بِأَنَّ فُلَانًا ابْنُهُ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ عَلَى هَذَا النَّسَبِ، وَلَا يَلْحَقُ بِهِ، وَلَكِنَّهُ يُصَدَّقُ عَلَى مَا وَرِثَ فَيَأْخُذُ مِنْهُ نِصْفَ مَا فِي يَدَيْهِ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَهْل الْمَدِينَةِ إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا نُعْطِيهِ ثُلُثَ مَا فِي يَدَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute