{وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» وَمَا وَصَفْت مِنْ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ مَنْسُوخَةٌ بِآيِ الْمَوَارِيثِ وَأَنْ لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ مِمَّا لَا أَعْرِفُ فِيهِ عَنْ أَحَدٍ مِمَّنْ لَقِيت خِلَافًا.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا كَانَتْ الْوَصَايَا لِمَنْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِالْوَصِيَّةِ مَنْسُوخَةً بِآيِ الْمَوَارِيث وَكَانَتْ السُّنَّةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَا تَجُوزُ لِوَارِثٍ وَتَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا تَجُوزُ لِغَيْرِ قَرَابَةٍ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى نَسْخِ الْوَصَايَا لِلْوَرَثَةِ وَأَشْبَهُ أَنْ يَدُلَّ عَلَى نَسْخِ الْوَصَايَا لِغَيْرِهِمْ.
(قَالَ): وَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْوَصَايَا لِلْوَالِدَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّنْ يَرِثُ بِكُلِّ حَالٍ إذَا كَانَ فِي مَعْنًى غَيْرِ وَارِثٍ فَالْوَصِيَّةُ لَهُ جَائِزَةٌ، وَمِنْ قِبَلِ أَنَّهَا إنَّمَا بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ إذَا كَانَ وَارِثًا، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ وَارِثًا فَلَيْسَ بِمُبْطِلٍ لِلْوَصِيَّةِ، وَإِذَا كَانَ الْمُوصِي يَتَنَاوَلُ مَنْ شَاءَ بِوَصِيَّتِهِ كَانَ وَالِدُهُ دُونَ قَرَابَتِهِ إذَا كَانُوا غَيْرَ وَرَثَةٍ فِي مَعْنَى مَنْ لَا يَرِثُ وَلَهُمْ حَقُّ الْقَرَابَةِ وَصِلَةُ الرَّحِمِ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَأَيْنَ الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِغَيْرِ ذِي الرَّحِمِ جَائِزَةٌ؟ قِيلَ: لَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ «أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ مَمْلُوكِينَ لَهُ لَيْسَ لَهُ مَالٌ فِيهِمْ فَجَزَّأَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً»، وَالْمُعْتِقُ عَرَبِيٌّ، وَإِنَّمَا كَانَتْ الْعَرَبُ تَمْلِكُ مَنْ لَا قَرَابَةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ، فَلَوْ لَمْ تَجُزْ الْوَصِيَّةُ إلَّا لِذِي قَرَابَةٍ لَمْ تَجُزْ لِلْمَلُوكِينَ، وَقَدْ أَجَازَهَا لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
بَابُ الْخِلَافِ فِي الْوَصَايَا.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَالْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ مَا وَصَفْنَا مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِالسُّنَّةِ وَقَوْلِ الْأَكْثَرِ مِمَّنْ لَقِينَا فَحَفِظْنَا عَنْهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
بَابُ الْوَصِيَّةِ لِلزَّوْجَةِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ} الْآيَةُ. وَكَانَ فَرْضُ الزَّوْجَةِ أَنْ يُوصِي لَهَا الزَّوْجُ بِمَتَاعٍ إلَى الْحَوْلِ، وَلَمْ أَحْفَظْ عَنْ أَحَدٍ خِلَافًا أَنَّ الْمَتَاعَ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى وَالْكِسْوَةُ إلَى الْحَوْلِ وَثَبَتَ لَهَا السُّكْنَى فَقَالَ: {غَيْرَ إِخْرَاجٍ} ثُمَّ قَالَ {فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ} فَدَلَّ الْقُرْآنُ عَلَى أَنَّهُنَّ إنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَى الْأَزْوَاجِ؛ لِأَنَّهُنَّ تَرَكْنَ مَا فُرِضَ لَهُنَّ وَدَلَّ الْكِتَابُ الْعَزِيزُ إذَا كَانَ السُّكْنَى لَهَا فَرْضًا فَتَرَكَتْ حَقَّهَا فِيهِ، وَلَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الزَّوْجِ حَرَجًا أَنَّ مَنْ تَرَكَ حَقَّهُ غَيْرُ مَمْنُوعٍ لَهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْحَقِّ عَلَيْهِ. ثُمَّ حَفِظْت عَمَّنْ أَرْضَى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ نَفَقَةَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَكِسْوَتَهَا حَوْلًا مَنْسُوخٌ بِآيَةِ الْمَوَارِيثِ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ}.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا فِيمَا وَصَفْت مِنْ نَسْخِ نَفَقَةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا وَكِسْوَتُهَا سَنَةً وَأَقَلُّ مِنْ سَنَةٍ. ثُمَّ احْتَمَلَ سُكْنَاهَا إذْ كَانَ مَذْكُورًا مَعَ نَفَقَتِهَا بِأَنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَتَاعِ أَنْ يَكُونَ مَنْسُوخًا فِي السُّنَّةِ وَأَقَلُّ مِنْهَا كَمَا كَانَتْ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ مَنْسُوخَتَيْنِ فِي السُّنَّةِ وَأَقَلُّ مِنْهَا وَاحْتَمَلَ أَنْ تَكُونَ نُسِخَتْ فِي السُّنَّةِ وَأُثْبِتَتْ فِي عِدَّةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا بِأَصْلِ هَذِهِ الْآيَةِ