لَوْ وَكَّلَهُ بِشَيْءٍ أَنْ يَفْعَلَ فِيهِ مَا لَيْسَ لَهُ فِيهِ نَظَرٌ، وَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ عِنْدَ نَفْسِهِ، وَلَا يُودِعَهُ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا أَجْرَ لِلْمَيِّتِ فِي هَذَا، وَإِنَّمَا الْأَجْرُ لِلْمَيِّتِ فِي أَنْ يَسْلُكَ فِي سَبِيلِ الْخَيْرِ الَّتِي يُرْجَى أَنْ تُقَرِّبَهُ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَأَخْتَارُ لِلْمُوصَى إلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهُ أَهْلَ الْحَاجَةِ مِنْ قَرَابَةِ الْمَيِّتِ حَتَّى يُعْطِيَ كُلَّ رَجُلٍ مِنْهُمْ دُونَ غَيْرِهِمْ، فَإِنَّ إعطاءهموه أَفْضَلُ مِنْ إعْطَاءِ غَيْرِهِمْ لِمَا يَنْفَرِدُونَ بِهِ مِنْ صِلَةِ قَرَابَتِهِمْ لِلْمَيِّتِ وَيُشْرِكُونَ بِهِ أَهْلَ الْحَاجَةِ فِي حَاجَاتِهِمْ.
(قَالَ): وَقَرَابَتُهُ مَا وَصَفْت مِنْ الْقَرَابَةِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَالْأُمِّ مَعًا وَلَيْسَ الرَّضَاعُ قَرَابَةً.
(قَالَ): وَأُحِبُّ لَهُ إنْ كَانَ لَهُ رُضَعَاءُ أَنْ يُعْطِيَهُمْ دُونَ جِيرَانِهِ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الرَّضَاعِ تُقَابِلُ حُرْمَةَ النَّسَبِ ثُمَّ أُحِبُّ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ جِيرَانَهُ الْأَقْرَبَ مِنْهُمْ فَالْأَقْرَبَ. وَأَقْصَى الْجِوَارِ فِيهَا أَرْبَعُونَ دَارًا مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ ثُمَّ أُحِبُّ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ أَفْقَرَ مَنْ يَجِدُهُ وَأَشَدَّهُ تَعَفُّفًا وَاسْتِتَارًا، وَلَا يُبْقِي مِنْهُ فِي يَدِهِ شَيْئًا يُمْكِنُهُ أَنْ يَخْرُجَهُ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ.
بَابُ الْوَصِيَّةِ لِلرَّجُلِ وَقَبُولِهِ وَرَدِّهِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا أَوْصَى الرَّجُلُ الْمَرِيضُ لِرَجُلٍ بِوَصِيَّةٍ مَا كَانَتْ ثُمَّ مَاتَ فَلِلْمُوصَى لَهُ قَبُولُ الْوَصِيَّةِ وَرَدُّهَا لَا يُجْبَرُ أَنْ يَمْلِكَ شَيْئًا لَا يُرِيدُ مِلْكَهُ بِوَجْهٍ أَبَدًا إلَّا بِأَنْ يَرِثَ شَيْئًا فَإِنَّهُ إذَا وَرِثَ لَمْ يَكُنْ لَهُ دَفْعُ الْمِيرَاثِ وَذَلِكَ أَنَّ حُكْمًا مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ نَقْلُ مِلْكِ الْمَوْتَى إلَى وَرَثَتِهِمْ مِنْ الْأَحْيَاءِ فَأَمَّا الْوَصِيَّةُ وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَجَمِيعُ وُجُوهِ الْمِلْكِ غَيْرِ الْمِيرَاثِ فَالْمُمَلَّكُ لَهَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَبِلَهَا، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا، وَلَوْ أَنَّا أَجْبَرْنَا رَجُلًا عَلَى قَبُولِ الْوَصِيَّةِ أَجْبَرْنَاهُ إنْ أَوْصَى لَهُ بِعَبِيدٍ زَمْنَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِمْ فَأَدْخَلْنَا الضَّرَرَ عَلَيْهِ، وَهُوَ لَمْ يُحِبَّهُ، وَلَمْ يُدْخِلْهُ عَلَى نَفْسِهِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَا يَكُونُ قَبُولٌ، وَلَا رَدٌّ فِي وَصِيَّةِ حَيَاةِ الْمُوصِي، فَلَوْ قَبِلَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي كَانَ لَهُ الرَّدُّ إذَا مَاتَ، وَلَوْ رَدَّ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي كَانَ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ إذَا مَاتَ وَيُجْبَرُ الْوَرَثَةُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْوَصِيَّةَ لَمْ تَجِبْ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي. فَأَمَّا فِي حَيَاتِهِ فَقَبُولُهُ وَرَدُّهُ وَصَمْتُهُ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِيمَا لَمْ يَمْلِكْ.
(قَالَ): وَهَكَذَا لَوْ أَوْصَى لَهُ بِأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَوَلَدِهِ كَانُوا كَسَائِرِ الْوَصِيَّةِ إنْ قَبِلَهُمْ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي عَتَقُوا، وَإِنْ رَدَّهُمْ فَهُمْ مَمَالِيكُ تَرَكَهُمْ الْمَيِّتُ لَا وَصِيَّةَ فِيهِمْ فَهُمْ لِوَرَثَتِهِ.
(قَالَ الرَّبِيعُ) فَإِنْ قَبِلَ بَعْضَهُمْ وَرَدَّ بَعْضًا كَانَ ذَلِكَ لَهُ وَعَتَقَ عَلَيْهِ مَنْ قَبِلَ، وَكَانَ مَنْ لَمْ يَقْبَلْ مَمْلُوكًا لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ، وَلَوْ مَاتَ الْمُوصِي ثُمَّ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبَلَ، أَوْ يَرُدَّ كَانَ لِوَرَثَتِهِ أَنْ يَقْبَلُوا، أَوْ يَرُدُّوا فَمَنْ قَبِلَ مِنْهُمْ فَلَهُ نَصِيبُهُ بِمِيرَاثِهِ مِمَّا قَبِلَ وَمَنْ رَدَّ كَانَ مَا رَدَّ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ جَارِيَةَ رَجُلٍ فَوَلَدَتْ لَهُ ثُمَّ أَوْصَى لَهُ بِهَا وَمَاتَ فَلَمْ يَعْلَمْ الْمُوصَى لَهُ بِالْوَصِيَّةِ حَتَّى وَلَدَتْ لَهُ بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهَا أَوْلَادًا كَثِيرًا. فَإِنْ قَبِلَ الْوَصِيَّةَ فَمَنْ وَلَدَتْ لَهُ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ لَهُ تَمْلِكُهُمْ بِمَا مَلَكَ بِهِ أُمَّهُمْ، وَإِذَا مَلَكَ وَلَدَهُ عَتَقُوا عَلَيْهِ، وَلَمْ تَكُنْ أُمُّهُمْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ حَتَّى تَلِدَ بَعْدَ قَبُولِهَا مِنْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ فَتَكُونُ بِذَلِكَ أُمَّ وَلَدٍ وَذَلِكَ أَنَّ الْوَطْءَ الَّذِي كَانَ قَبْلَ الْقَبُولِ إنَّمَا كَانَ وَطْءَ نِكَاحٍ وَالْوَطْءُ بَعْدَ الْقَبُولِ وَطْءَ مِلْكٍ وَالنِّكَاحُ مُنْفَسِخٌ، وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّ أَوْ يَقْبَلَ قَامَ وَرَثَتُهُ مَقَامَهُ، فَإِنْ قَبِلُوا الْوَصِيَّةَ فَإِنَّمَا مَلَكُوا لِأَبِيهِمْ فَأَوْلَادُ أَبِيهِمْ الَّذِينَ وَلَدَتْ بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهَا الْمُوصِي أَحْرَارٌ وَأُمُّهُمْ مَمْلُوكَةٌ، وَإِنْ رَدُّوهَا كَانُوا مَمَالِيكَ كُلَّهُمْ وَأَكْرَهُ لَهُمْ رَدَّهَا، وَإِذَا قَبِلَ الْمُوصَى لَهُ الْوَصِيَّةَ بَعْدَ أَنْ تَجِبَ لَهُ بِمَوْتِ الْمُوصِي ثُمَّ رَدَّهَا فَهِيَ مَالٌ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ مَوْرُوثَةٌ عَنْهُ كَسَائِرِ مَالِهِ، وَلَوْ أَرَادَ بَعْدَ رَدِّهَا أَخْذَهَا بِأَنْ يَقُولَ إنَّمَا أَعْطَيْتُكُمْ مَا لَمْ تَقْبِضُوا جَازَ أَنْ يَقُولُوا لَهُ لَمْ تَمْلِكْهَا بِالْوَصِيَّةِ دُونَ الْقَبُولِ. فَلَمَّا كُنْت إذَا قَبِلْت مَلِكَتَهَا، وَإِنْ لَمْ تَقْبِضْهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تُشْبِهُ هِبَاتِ الْأَحْيَاءِ الَّتِي