وَالْفَضْلُ لِأَهْلِ الْوِلَايَةِ بِذَلِكَ عَلَى أَهْلِ التَّخَلُّفِ عَنْهُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِنَّمَا تَرَكَ عُمَرُ عِنْدَنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عُقُوبَةَ مَنْ مَرَّ بِالْمَرْأَةِ الَّتِي دَفَنَهَا أَظُنُّهُ كُلَيْبًا، لِأَنَّ الْمَارَّ الْمُنْفَرِدَ قَدْ كَانَ يَتَّكِلُ عَلَى غَيْرِهِ مِمَّنْ يَقُومُ مَقَامَهُ فِيهِ، وَأَمَّا أَهْلُ رُفْقَةٍ مُنْفَرِدِينَ فِي طَرِيقٍ غَيْرِ مَأْهُولَةٍ لَوْ تَرَكُوا مَيِّتًا مِنْهُمْ، وَهُوَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُوَارُوهُ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُعَاقِبَهُمْ لِاسْتِخْفَافِهِمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَوَائِجِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا وَجَبَ عَلَى النَّاسِ فَضَيَّعُوهُ فَعَلَى السُّلْطَانِ أَخْذُهُ مِنْهُمْ، وَعُقُوبَتُهُمْ فِيهِ بِمَا يَرَى غَيْرَ مُتَجَاوِزٍ الْقَصْدَ فِي ذَلِكَ (قَالَ): وَأُحِبُّ إذَا مَاتَ الْمَيِّتُ أَنْ لَا يُعَجِّلَ أَهْلُهُ غُسْلَهُ لِأَنَّهُ قَدْ يَغْشَى عَلَيْهِ فَيُخَيَّلُ إلَيْهِمْ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ حَتَّى يَرَوْا عَلَامَاتِ الْمَوْتِ الْمَعْرُوفَةَ فِيهِ، وَهُوَ أَنْ تَسْتَرْخِيَ قَدَمَاهُ، وَلَا تَنْتَصِبَانِ، وَأَنْ تَنْفَرِجَ زَنْدَا يَدَيْهِ، وَالْعَلَامَاتُ الَّتِي يَعْرِفُونَ بِهَا الْمَوْتَ، فَإِذَا رَأَوْهَا عَجَّلُوا غُسْلَهُ، وَدَفْنَهُ فَإِنَّ تَعْجِيلَهُ تَأْدِيَةُ الْحَقِّ إلَيْهِ، وَلَا يُنْتَظَرُ بِدَفْنِ الْمَيِّتِ غَائِبٌ مَنْ كَانَ الْغَائِبُ، وَإِذَا مَاتَ الْمَيِّتُ غُمِّضَ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ قَبِيصَةَ نَصْرُ بْنُ ذُؤَيْبٍ كَانَ يُحَدِّثُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَغْمَضَ أَبَا سَلَمَةَ».
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَيُطْبَقُ فُوهُ وَإِنْ خِيفَ اسْتِرْخَاءُ لَحْيَيْهِ شُدَّ بِعِصَابَةٍ (قَالَ): وَرَأَيْت مَنْ يُلَيِّنُ مَفَاصِلَهُ، وَيَبْسُطُهَا لِتُلَيَّنَ، وَلَا تَجْسُو وَرَأَيْت النَّاسَ يَضَعُونَ الْحَدِيدَةَ، السَّيْفَ أَوْ غَيْرَهُ، عَلَى بَطْنِ الْمَيِّتِ، وَالشَّيْءَ مِنْ الطِّينِ الْمَبْلُولِ كَأَنَّهُمْ يَذُودُونَ أَنْ تَرْبُو بَطْنُهُ فَمَا صَنَعُوا مِنْ ذَلِكَ مِمَّا رَجَوْا، وَعَرَفُوا أَنَّ فِيهِ دَفْعَ مَكْرُوهٍ رَجَوْت أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَمْ أَرَ مِنْ شَأْنِ النَّاسِ أَنْ يَضَعُوا الزَّاوُوقَ يَعْنِي الزِّئْبَقَ فِي أُذُنِهِ، وَأَنْفِهِ، وَلَا أَنْ يَضَعُوا المرتك يَعْنِي المرداسنج عَلَى مَفَاصِلِهِ وَذَلِكَ شَيْءٌ تَفْعَلُهُ الْأَعَاجِمُ يُرِيدُونَ بِهِ الْبَقَاءَ لِلْمَيِّتِ، وَقَدْ يَجْعَلُونَهُ فِي الصُّنْدُوقِ وَيُفْضُونَ بِهِ إلَى الْكَافُورِ، وَلَسْت أُحِبُّ هَذَا، وَلَا شَيْئًا مِنْهُ، وَلَكِنْ يُصْنَعُ بِهِ كَمَا يُصْنَعُ بِأَهْلِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ يُغَسَّلُ، وَالْكَفَنُ، وَالْحَنُوطُ، وَالدَّفْنُ، فَإِنَّهُ صَائِرٌ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالْكَرَامَةُ لَهُ بِرَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ (قَالَ): وَبَلَغَنِي أَنَّهُ «قِيلَ لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: نَتَّخِذُ لَك شَيْئًا كَأَنَّهُ الصُّنْدُوقُ مِنْ الْخَشَبِ، فَقَالَ: اصْنَعُوا بِي مَا صَنَعْتُمْ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْصِبُوا عَلَيَّ اللَّبِنَ، وَأَهِيلُوا عَلَيَّ التُّرَابَ»
بَابُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): إذَا حَضَرَ الْوَلِيُّ الْمَيِّتَ أَحْبَبْت أَنْ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ إلَّا بِأَمْرِ وَلِيِّهِ لِأَنَّ هَذَا مِنْ الْأُمُورِ الْخَاصَّةِ الَّتِي أَرَى الْوَلِيَّ أَحَقَّ بِهَا مِنْ الْوَالِي، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ مَنْ لَهُ عِلْمٌ: الْوَالِي أَحَقُّ.
وَإِذَا حَضَرَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْقَرَابَةِ فَأَحَقُّهُمْ بِهِ الْأَبُ، وَالْجَدُّ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ ثُمَّ الْوَلَدُ، وَوَلَدُ الْوَلَدِ ثُمَّ الْأَخُ لِلْأَبِ، وَالْأُمِّ ثُمَّ الْأَخُ لِلْأَبِ ثُمَّ أَقْرَبُ النَّاسِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ، وَلَيْسَ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ لِأَنَّهُ إنَّمَا الْوِلَايَةُ لِلْعَصَبَةِ فَإِذَا اسْتَوَى الْوُلَاةُ فِي الْقَرَابَةِ، وَتَشَاحُّوا، وَكُلُّ ذِي حَقٍّ فَأَحَبُّهُمْ إلَيَّ أَسَنُّهُمْ، إلَّا أَنْ تَكُونَ حَالُهُ لَيْسَتْ مَحْمُودَةً فَكَانَ أَفْضَلُهُمْ، وَأَفْقَهُهُمْ أَحَبَّ إلَيَّ، فَإِنْ تَقَارَبُوا فَأَسَنُّهُمْ فَإِنْ اسْتَوَوْا وَقَلَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ فَلَمْ يَصْطَلِحُوا أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ، فَأَيُّهُمْ خَرَجَ سَهْمُهُ، وَلِيَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ (قَالَ): وَالْحُرُّ مِنْ الْوُلَاةِ أَحَقُّ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ مِنْ الْمَمْلُوكِ، وَلَا بَأْسَ بِصَلَاةِ الْمَمْلُوكِ عَلَى الْجِنَازَةِ، وَإِذَا حَضَرَ رَجُلٌ وَلِيٌّ أَوْ غَيْرُ وَلِيٍّ مَعَ نِسْوَةٍ بَعْلًا رَجُلًا مَيِّتًا أَوْ امْرَأَةً فَهُوَ أَحَقُّ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهَا مِنْ النِّسَاءِ إذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute