للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«لَنْ يَضْرِبَ خِيَارُكُمْ» وَكَانَ الضَّارِبُ إذَا كَانَ التَّرْكُ خَيْرًا لَهُ أَوْلَى أَنْ يَضْمَنَ إنْ كَانَ تَلَفٌ عَلَى الْمَضْرُوبِ لِأَنَّهُ عَامِدٌ لِلضَّرْبِ الَّذِي بِهِ التَّلَفُ فِي الْحُكْمِ مِنْ الرَّامِي الَّذِي لَمْ يَعْمِدْ قَطُّ أَنْ يُصِيبَ الْمَرْمِيَّ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَهَلْ مِنْ شَيْءٍ يَعْنِيه سِوَى هَذَا؟ فَهَذَا مُكْتَفًى بِهِ وَقَدْ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ مَا مِنْ أَحَدٍ يَمُوتُ فِي حَدٍّ فَأَجِدُ فِي نَفْسِي مِنْهُ شَيْئًا لِأَنَّ الْحَقَّ قَتْلُهُ إلَّا الْمَحْدُودُ فِي الْخَمْرِ فَإِنَّهُ شَيْءٌ أَحْدَثْنَاهُ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ مَاتَ مِنْهُ فَدِيَتُهُ لَا أَدْرِي قَالَ فِي بَيْتِ الْمَالِ أَوْ عَلَى الَّذِي حَدَّهُ، شَكَّ الشَّافِعِيُّ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَبَلَغَنَا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَعَثَ إلَى امْرَأَةٍ فِي شَيْءٍ بَلَغَهُ عَنْهَا فَذَعَرَهَا فَفَزِعَتْ فَأَسْقَطَتْ فَاسْتَشَارَ عُمَرُ فِي سِقْطِهَا فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَلِمَةً لَا أَحْفَظُهَا أَعْرِفُ أَنَّ مَعْنَاهَا أَنَّ عَلَيْهِ الدِّيَةَ فَأَمَرَ عُمَرُ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنْ يَضْرِبَهَا عَلَى قَوْمِهِ وَقَدْ كَانَ لِعُمَرَ أَنْ يَبْعَثَ وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَحُدَّ فِي الْخَمْرِ عِنْدَ الْعَامَّةِ فَلَمَّا كَانَ فِي الْبَعْثَةِ تَلَفٌ عَلَى الْمَبْعُوثِ إلَيْهَا أَوْ عَلَى ذِي بَطْنِهَا فَقَالَ عَلِيٌّ وَقَالَ عُمَرُ إنَّ عَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ الدِّيَةَ كَانَ الَّذِي نَرَاهُمْ ذَهَبُوا إلَيْهِ مِثْلَ الَّذِي وَصَفْنَا مِنْ أَنَّ لِي أَنْ أَرْمِيَ عَلَى أَنْ لَا يَتْلَفَ أَحَدٌ بِرَمْيَتِي فَذَهَبُوا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - إلَى أَنَّهُ وَإِنْ كَانَتْ لَهُ الرِّسَالَةُ فَعَلَيْهِ أَنْ لَا يُتْلِفَ بِهَا أَحَدًا فَإِنْ تَلِفَ ضَمِنَ وَكَانَ الْمَأْثَمُ مَرْفُوعًا.

الْجَمَلُ الصَّئُولُ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ حَكَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ قَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ إذَا صَالَ الْجَمَلُ عَلَى الرَّجُلِ أَقَامَ بَيِّنَةً بِصِيَالِهِ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ ضَرَبَهُ عِنْدَ صِيَالِهِ فَقَتَلَهُ أَوْ عَقَرَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيِّنَةٌ إلَّا قَوْلُهُ ضَمِنَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَضْمَنُ فِي الْحَالَيْنِ لِأَنَّهُ لَا جِنَايَةَ لِبَهِيمَةٍ تَحِلُّ دَمُهَا وَلَا جُرْحُهَا. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ يَقُولُ قَوْلُهُ فِيهِ قَوْلًا قَدْ جَمَعْته وَحَكَيْت مَا حَضَرَنِي فِيهِ وَكُلُّهُ قَالَاهُ لِي أَوْ أَحَدُهُمَا وَقُلْته لَهُمَا فَقَالَ مَا تَقُولُ فِيمَا اخْتَلَفَ فِيهِ؟ قُلْت أَقُولُ بِمَا حَكَيْت عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُمْ قَالُوهُ قَالَ فَمَا حُجَّتُك فِيهِ؟ قُلْت إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مَنَعَ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا بِحَقِّهَا وَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِيمَا عَلِمْت أَوْ مَنْ عَلِمْت قَوْلَهُ مِنْهُمْ فِي أَنَّ مُسْلِمًا لَوْ أَرَادَنِي فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا يَمْنَعُنِي مِنْهُ بَابٌ أُغْلِقُهُ وَلَا قُوَّةَ لِي بِمَنْعِهِ وَلَا مَهْرَبَ أَمْتَنِعُ بِهِ مِنْهُ وَكَانَتْ مَنَعَتِي مِنْهُ الَّتِي أَدْفَعُ عَنِّي إرَادَتَهُ لِي إنَّمَا بِضَرْبِهِ بِسِلَاحٍ فَحَضَرَنِي سَيْفٌ أَوْ غَيْرُهُ كَانَ لِي ضَرْبُهُ بِالسَّيْفِ لِأَمْنَعَ حُرْمَتِي الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ انْتِهَاكَهَا فَإِنْ أَتَى الضَّرْبُ عَلَى نَفْسِهِ فَلَا عَقْلَ عَلَيَّ وَلَا قَوَدَ وَلَا كَفَّارَةَ لِأَنِّي فَعَلْت فِعْلًا مُبَاحًا لِي فَلَمَّا كَانَ هَذَا فِي الْمُسْلِمِ هَكَذَا كَانَ الْبَعِيرُ أَقَلَّ حُرْمَةً وَأَصْغَرَ قَدْرًا وَأَوْلَى أَنْ يَجُوزَ هَذَا فِيهِ قَالَ إنَّ الْبَعِيرَ لَا يُقْتَلُ إنْ قَتَلَ وَالْمُسْلِمُ إنْ قَتَلَ قُتِلَ قُلْت مَا خَالَفْتُك فِي هَذَا فَأَيْنَ زَعَمْت أَنَّهُمَا يَجْتَمِعَانِ فِيهِ؟.

وَإِنَّمَا جَمَعْت بَيْنَهُمَا حَيْثُ اجْتَمَعَا وَفَرَّقْت بَيْنَهُمَا حَيْثُ افْتَرَقَا وَإِنَّمَا قُلْت الْمُسْلِمُ فِي الْحَالِ الَّتِي وَصَفْت أَرَادَ فِيهَا الْجِنَايَةَ فَقَالَ مَا قَتَلْته إلَّا بِجِنَايَةٍ وَلَوْلَا الْجِنَايَةُ مَا حَلَّ لَك دَمُهُ قُلْت فَهَلْ تَكُونُ الْإِرَادَةُ جِنَايَةً؟ قَالَ نَعَمْ قُلْت فَمَا تَقُولُ فِيمَا لَوْ أَرَادَنِي فَحَالَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَهْرٌ أَوْ خَنْدَقٌ أَوْ انْكَسَرَتْ رِجْلُهُ أَوْ يَدُهُ أَوْ حَبَسَهُ حَابِسٌ وَهُوَ يُرِيدُنِي إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَنَلْنِي حَيْثُ هُوَ بِيَدٍ وَلَا بِسِلَاحٍ أَكَانَ يَحِلُّ لِي قَتْلُهُ؟ قَالَ لَا قُلْت وَلَوْ كَانَ بِحَيْثُ يَنَالُنِي فَظَفِرْت بِسِلَاحِهِ حَتَّى صَارَ غَيْرَ قَادِرٍ عَلَيَّ أَيَحِلُّ لِي قَتْلُهُ؟ قَالَ لَا قُلْت وَلَوْ جَرَحْته جَرْحًا يَمْنَعُهُ مِنْ قَتْلِي وَهُوَ يُرِيدُنِي أَكَانَ يَحِلُّ لِي قَتْلُهُ قَالَ لَا، قُلْت وَلَوْ أَرَادَنِي وَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ مَا يَقْتُلُنِي بِهِ كَانَ يَحِلُّ لِي قَتْلُهُ؟ قَالَ لَا قُلْت وَأُسْمِعُك مَزِيدًا إلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>