قَوْلَهُ {مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} يُشْبِهُ - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - آتَاكُمْ مِنْهُ، فَإِذَا أَعْطَاهُ شَيْئًا غَيْرَهُ فَلَمْ يُعْطِهِ مِنْ الَّذِي أَمَرَ أَنْ يُعْطِيَهُ أَلَا تَرَى أَنِّي لَا أُجْبِرُ أَحَدًا لَهُ حَقٌّ فِي شَيْءٍ أَنْ يُعْطَاهُ مِنْ غَيْرِهِ؟
مَنْ تَجُوزُ كِتَابَتُهُ مِنْ الْمَالِكِينَ
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: وَإِنَّمَا خَاطَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - بِالْفِعْلِ فِي الْمَمَالِيكِ مَنْ كَانَ مِلْكُهُ ثَابِتًا فِي الْمَمَالِيكِ وَكَانَ غَيْرَ مَحْجُورٍ، فَلَيْسَ يَكُونُ هَكَذَا إلَّا حُرٌّ بَالِغٌ غَيْرُ مَحْجُورٍ وَإِذَا كَاتَبَ الْحُرُّ الْمَحْجُورُ عَبْدَهُ، ثُمَّ أُطْلِقَ عَنْهُ الْحَجَرَ فَإِنَّ كِتَابَتَهُ بَاطِلَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ جَدَّدَهَا بَعْدَ إطْلَاقِ الْحَجْرِ، وَالْحُرَّةُ الْبَالِغَةُ فِي الرُّشْدِ وَالْحَجْرِ كَالْحُرِّ لَا يَخْتَلِفَانِ، وَلَوْ كَاتَبَهُ قَبْلَ أَنْ يَنْطَلِقَ عَنْهُ الْحَجْرُ، ثُمَّ أُطْلِقَ عَنْهُ الْحَجْرُ، ثُمَّ تأداه الْكِتَابَةَ كُلَّهَا لَمْ يَعْتِقْ إلَّا أَنْ يَكُونَ جَدَّدَ الْكِتَابَةَ بَعْدَ إطْلَاقِ الْحَجْرِ، أَوْ قَالَ بَعْدَ إطْلَاقِ الْحَجْرِ: إذَا أَدَّيْت إلَيَّ كَذَا فَأَنْتَ حُرٌّ فَيَعْتِقُ بِهَذَا الْقَوْلِ لَا بِأَدَاءِ الْكِتَابَةِ كُلِّهَا، كَمَا لَوْ قَالَ هَذَا - لِعَبْدٍ لَهُ - إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ، فَدَخَلَهَا بَعْدَ إطْلَاقِ الْحَجْرِ عَنْ السَّيِّدِ لَمْ يَعْتِقْ حَتَّى يُجَدِّدَ يَمِينًا، أَوْ عِتْقًا بَعْدَ إطْلَاقِ الْحَجْرِ وَلَوْ ادَّعَى عَبْدٌ عَلَى سَيِّدِهِ أَنَّهُ كَاتَبَهُ فَقَالَ: كَاتَبْتُك وَأَنَا مَحْجُورٌ، وَقَالَ الْعَبْدُ: كَاتَبَتْنِي وَأَنْتَ غَيْرُ مَحْجُورٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَبْدِ وَعَلَى السَّيِّدِ الْبَيِّنَةُ، وَإِذَا كَاتَبَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ وَهُوَ غَيْرُ مَحْجُورٍ، ثُمَّ حُجِرَ عَلَى السَّيِّدِ، أَوْ عَبْدِهِ كَانَتْ الْكِتَابَةُ عَلَى السَّيِّدِ ثَابِتَةً وَيَسْتَأْدِي وَلِيُّهُ الْكِتَابَةَ، وَإِذَا أَدَّى الْعَبْدُ فَهُوَ حُرٌّ (قَالَ): وَلَوْ كَاتَبَ رَجُلٌ عَبْدَهُ وَهُوَ مُبَرْسَمٌ، أَوْ بِهِ أَلَمٌ، أَوْ عَارِضٌ غَالِبٌ عَلَى عَقْلِهِ، أَوْ مُزِيلٌ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَيْهِ حِينَ كَاتَبَهُ فَالْكِتَابَةُ بَاطِلَةٌ لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ لَوْ أَعْتَقَهُ لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ فَإِنْ أَفَاقَ فَأَثْبَتَهُ عَلَيْهَا فَالْكِتَابَةُ بَاطِلَةٌ حَتَّى يُجَدِّدَهَا لَهُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي لَوْ أَعْتَقَهُ فِيهِ جَازَ عِتْقُهُ، أَوْ بَاعَهُ جَازَ بَيْعُهُ، وَإِذَا كَاتَبَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ وَهُوَ غَيْرُ مَحْجُورٍ، ثُمَّ غَلَبَ عَلَى عَقْلِهِ فَالْكِتَابَةُ ثَابِتَةٌ إنَّمَا أَنْظُرُ إلَى عَقْدِهَا فَإِذَا كَانَ صَحِيحًا أُثْبِتُهُ وَإِذَا كَانَ غَيْرَ صَحِيحٍ لَمْ أُثْبِتْهُ بِحَالٍ يَأْتِي بَعْدَهُ.
كِتَابَةُ الصَّبِيِّ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَإِذَا كَاتَبَ الصَّبِيُّ عَبْدَهُ لَمْ تَجُزْ كِتَابَتُهُ بِإِذْنِ أَبِيهِ كَانَتْ الْكِتَابَةُ، أَوْ قَاضٍ، أَوْ وَلِيِّهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ يَأْخُذُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ عِتْقُهُ، وَإِذَا كَاتَبَ الصَّبِيُّ عَبْدَهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ، ثُمَّ بَلَغَ فَأَثْبَتَهُ عَلَى الْكِتَابَةِ لَمْ تَجُزْ الْكِتَابَةُ إلَّا أَنْ يُجَدِّدَهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالرُّشْدِ.
مَوْتُ السَّيِّدِ
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: وَإِذَا كَاتَبَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ، ثُمَّ مَاتَ السَّيِّدُ فَالْكِتَابَةُ بِحَالِهَا، وَإِذَا كَاتَبَهُ، ثُمَّ أَفْلَسَ فَالْكِتَابَةُ بِحَالِهَا، وَلَوْ كَاتَبَتْ أُمُّ وَلَدٍ أَوْ مُدَبَّرٌ مَمْلُوكًا لَهُمَا لَمْ تَجُزْ الْكِتَابَةُ وَلَوْ أَخَذَا جَمِيعَهَا لَمْ يَعْتِقْ؛ لِأَنَّهُمَا مِمَّا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا عِتْقُهُ، وَإِذَا كَاتَبَ الْمُكَاتَبُ عَبْدَهُ لَمْ تَجُزْ كِتَابَتُهُ وَلَوْ أَخَذَ الْكِتَابَةَ لَمْ يَعْتِقْ لِأَنَّهُ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ عِتْقُهُ وَلَا يَثْبُتُ لَهُ وَلَاءٌ كَانَ ذَلِكَ نَظَرًا مِنْهُ لِنَفْسِهِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ وَكَذَلِكَ لَوْ أَخَذَ مِنْ الْعَبْدِ عَاجِلًا فِي أَوَّلِ كِتَابَتِهِ مِثْلَ قِيمَتِهِ مِرَارًا؛ لِأَنَّ كَسْبَ عَبْدِهِ لَهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ عَبْدُهُ مِنْهُ بِعِتْقٍ وَلَا يَمْنَعُ نَفْسَهُ مَالَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute