قِيلَ قَدْ يَعْتِقُ قَبْلَ عِتْقِهِ شَيْءٌ يُحْدِثُهُ غَيْرُهُ لَهُ أَوْ لَا يُحْدِثُهُ وَلَيْسَ كَالْمُعْتَدَّةِ فِيمَا لِمَانِعِهَا مِنْ مَنْعِهَا فَلَوْ أَهَلَّ عَبْدٌ بِحَجٍّ فَمَنَعَهُ سَيِّدُهُ حَلَّ، وَإِنْ عَتَقَ بَعْدَمَا يُحِلُّ فَلَا حَجَّ عَلَيْهِ إلَّا حَجَّةُ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ عَتَقَ قَبْلَ أَنْ يُحِلَّ مَضَى فِي إحْرَامِهِ، كَمَا يُحْصَرُ الرَّجُلُ بِعَدُوٍّ فَيَكُونُ لَهُ أَنْ يُحِلَّ، فَإِنْ لَمْ يُحِلَّ حَتَّى يَأْمَنَ الْعَدُوَّ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُحِلَّ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَمْضِيَ فِي إحْرَامِهِ، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مَالِكَةً لِأَمْرِهَا أَهَلَّتْ بِحَجٍّ ثُمَّ نُكِحَتْ، لَمْ يَكُنْ لِزَوْجِهَا مَنْعُهَا مِنْ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ لَزِمَهَا قَبْلَ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَنْعُهَا وَلَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَيْهِ فِي مُضِيِّهَا وَلَا فِي إحْرَامِهَا فِي الْحَجِّ؛ لِأَنَّهَا مَانِعَةٌ لِنَفْسِهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ، كَانَ مَعَهَا فِي حَجِّهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْمُحْرِمَةِ وَلَا الْمُحْرِمِ.
(قَالَ الرَّبِيعُ): هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِيهَا غَلَطٌ؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْمُحْرِمَةِ وَلَا الْمُحْرِمِ فَلَمَّا أَهَلَّتْ هَذِهِ بِحَجٍّ ثُمَّ نُكِحَتْ كَانَ نِكَاحُهَا بَاطِلًا، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ يَمْنَعُهَا وَتَمْضِي فِي حَجِّهَا وَلَيْسَ لَهَا زَوْجٌ تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ لَهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي أَحْكَامِ الزَّوْجَاتِ، وَلَعَلَّ الشَّافِعِيَّ إنَّمَا حَكَى هَذَا الْقَوْلَ فِي قَوْلِ مَنْ يُجِيزُ نِكَاحَ الْمُحْرِمِ؛ فَأَمَّا قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْمُحْرِمِ وَلَا الْمُحْرِمَةِ، وَهَذَا لَهُ فِي كِتَابِ الشِّغَارِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَعَلَى وَلِيِّ السَّفِيهَةِ الْبَالِغَةِ إذَا تَطَوَّعَ لَهَا ذُو مَحْرَمٍ وَكَانَ لَهَا مَالٌ أَنْ يُعْطِيَهَا مِنْ مَالِهَا مَا تَحُجُّ بِهِ إذَا شَاءَتْ ذَلِكَ، وَكَانَ لَهَا ذُو مَحْرَمٍ يَحُجُّ بِهَا أَوْ خَرَجَتْ مَعَ نِسَاءٍ مُسْلِمَاتٍ.
بَابُ الْمُدَّةِ الَّتِي يَلْزَمُ فِيهَا الْحَجُّ وَلَا يَلْزَمُ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا احْتَلَمَ الْغُلَامُ أَوْ حَاضَتْ الْجَارِيَةُ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَكْمِلَا خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً أَوْ اسْتَكْمَلَا خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً قَبْلَ الْبُلُوغِ وَهُمَا غَيْرُ مَغْلُوبَيْنِ عَلَى عُقُولِهِمَا وَاجِدَانِ مَرْكَبًا وَبَلَاغًا، مُطِيقَانِ الْمَرْكَبَ، غَيْرَ مَحْبُوسَيْنِ عَنْ الْحَجِّ بِمَرَضٍ وَلَا سُلْطَانٍ وَلَا عَدُوٍّ، وَهُمَا فِي الْوَقْتِ الَّذِي بَلَغَا فِيهِ قَادِرَانِ بِمَوْضِعٍ، لَوْ خَرَجَا مِنْهُ، فَسَارَا بِسَيْرِ النَّاسِ قَدْرًا عَلَى الْحَجِّ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِمَا الْحَجُّ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلَا حَتَّى مَاتَا فَقَدْ لَزِمَهُمَا الْحَجُّ، وَعَلَيْهِمَا بِأَنَّهُمَا قَادِرَانِ عَلَيْهِ فِي وَقْتٍ يُجْزِئُ عَنْهُمَا لَوْ مَضَيَا فِيهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُمَا الْحَجُّ، وَإِنْ كَانَا بِمَوْضِعٍ يَعْلَمَانِ أَنْ لَوْ خَرَجَا عِنْدَ بُلُوغِهِمَا، لَمْ يُدْرِكَا الْحَجَّ لِبُعْدِ دَارِهِمَا أَوْ دُنُوِّ الْحَجِّ، فَلَمْ يَخْرُجَا لِلْحَجِّ وَلَمْ يَعِيشَا حَتَّى أَتَى عَلَيْهِمَا حَجٌّ قَابِلٌ، فَلَا حَجَّ عَلَيْهِمَا، وَمَنْ لَمْ يَجِبْ الْحَجُّ عَلَيْهِ فَيَدَعُهُ وَهُوَ لَوْ حَجَّ أَجْزَأَهُ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ.
وَلَوْ كَانَا إذَا بَلَغَا فَخَرَجَا يَسِيرَانِ سَيْرًا مُبَايِنًا لِسَيْرِ النَّاسِ فِي السُّرْعَةِ حَتَّى يَسِيرَا مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ فِي سَيْرِ الْعَامَّةِ فِي يَوْمٍ، وَمَسِيرَةَ ثَلَاثٍ فِي يَوْمَيْنِ، لَمْ يَلْزَمْهُمَا عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَسِيرَا سَيْرًا يُخَالِفُ سَيْرَ الْعَامَّةِ، فَهَذَا كُلُّهُ لَوْ فَعَلَا كَانَ حَسَنًا، وَلَوْ بَلَغَا عَاقِلَيْنِ ثُمَّ لَمْ يَأْتِ عَلَيْهِمَا مَخْرَجُ أَهْلِ بِلَادِهِمَا حَتَّى غَلَبَ عَلَى عُقُولِهِمَا وَلَمْ تَرْجِعْ إلَيْهِمَا عُقُولُهُمَا فِي وَقْتٍ لَوْ خَرَجَا فِيهِ أَدْرَكَا حَجًّا، لَمْ يَلْزَمْهُمَا أَنْ يُحَجَّ عَنْهُمَا، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُمَا أَنْ يُحَجَّ عَنْهُمَا إذَا أَتَى عَلَيْهِمَا وَقْتٌ يَعْقِلَانِ فِيهِ ثُمَّ لَمْ تَذْهَبْ عُقُولُهُمَا حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيْهِمَا وَقْتٌ لَوْ خَرَجَا فِيهِ إلَى الْحَجِّ بَلَغَاهُ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: مَا فَرْقٌ بَيْنَ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ وَبَيْنَ الْمَغْلُوبِ بِالْمَرَضِ؟ قِيلَ الْفَرَائِضُ عَلَى الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ زَائِلَةٌ فِي مُدَّتِهَا كُلِّهَا، وَالْفَرَائِضُ عَلَى الْمَغْلُوبِ بِالْمَرَضِ الْعَاقِلِ عَلَى بَدَنِهِ غَيْرُ زَائِلَةٍ فِي مُدَّتِهِ، وَلَوْ حَجَّ الْمَغْلُوبُ عَلَى عَقْلِهِ لَمْ يُجْزِ عَنْهُ لَا يُجْزِي عَمَلٌ عَلَى الْبَدَنِ لَا يَعْقِلُ عَامِلُهُ قِيَاسًا عَلَى قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} وَلَوْ حَجَّ الْعَاقِلُ الْمَغْلُوبُ بِالْمَرَضِ أَجْزَأَ عَنْهُ، وَلَوْ كَانَ بُلُوغُهُمَا فِي عَامِ جَدْبٍ الْأَغْلَبُ فِيهِ عَلَى النَّاسِ خَوْفُ الْهَلَكَةِ بِالْعَطَشِ فِي سَفَرِ أَهْلِ نَاحِيَةٍ هُمَا فِيهَا، أَوْ لَمْ يَكُنْ مَا لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْهُ مِنْ عَلَفٍ مَوْجُودٍ فِيهِ، أَوْ فِي خَوْفٍ مِنْ عَدُوٍّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute