للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَدْ ذَكَرَهُ مُبْطَلًا مَعَ مَا أَبْطَلَ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ مِنْ الْبَحِيرَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِ. فَإِنْ قَالَ يَبْطُلُ أَمْرُ السَّائِبَةِ كُلُّهُ فَلَا يُجْعَلُ عِتْقُهُ عِتْقًا كَمَا لَا تُجْعَلُ الْبَحِيرَةُ وَالْوَصِيلَةُ وَالْحَامُ خَارِجَةً عَنْ مِلْكِ مَالِكِيهَا فَهَذَا قَوْلٌ قَدْ يَحْتَمِلُهُ سِيَاقُ الْآيَةِ وَلَكِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ فَرَّقَ بَيْنَ إخْرَاجِ الْآدَمِيِّينَ مِنْ مِلْكِ مَالِكِيهِمْ وَإِخْرَاجِ الْبَهَائِمِ فَأَجَزْنَا الْعِتْقَ فِي السَّائِبَةِ بِمَا أَجَازَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْ الْعِتْقِ وَأَمَرَ بِهِ مِنْهُ وَلَمَّا أَجَزْنَا الْعِتْقَ فِي السَّائِبَةِ كُنَّا مُضْطَرِّينَ إلَى أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ الَّذِي أَبْطَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ السَّائِبَةِ التَّسْيِيبَ وَهُوَ إخْرَاجُ الْمُعْتِقِ لِلسَّائِبَةِ وَلَاءَ السَّائِبَةِ مِنْ يَدَيْهِ فَلَمَّا أَبْطَلَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى كَانَ وَلَاؤُهُ لِلْمُعْتِقِ مَعَ دَلَائِلِ الْآيِ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِيمَا يُنْسَبُ فِيهِ أَصْلُ الْوَلَاءِ إلَى مَنْ أَعْتَقَهُمْ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَيَلْزَمُ قَائِلُ هَذَا الْقَوْلِ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ السَّائِبَةِ أَعْتَقَهَا مَالِكٌ؟ فَإِنْ قَالَ نَعَمْ: قِيلَ لَهُ فَقَدْ «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَإِنْ قَالَ: لَا قِيلَ لَهُ فَلِمَ تُعْتَقْ السَّائِبَةُ؟ وَلَوْ لَمْ يُعْتِقْهَا مَالِكُهَا لَمْ تُعْتَقْ وَيَلْزَمُهُ فِي الشَّبَهِ هَذَا فِي النَّصْرَانِيِّ مَالِكٌ يُعْتِقُ الْمُسْلِمَ فَإِنْ قَالَ النَّصْرَانِيُّ مَالِكٌ مُعْتَقٌ قِيلَ: فَقَدْ «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَإِنْ قَالَ لَا يَكُونُ مَالِكًا لِمُسْلِمٍ فَلَيْسَ الْمُسْلِمُ الْمُعْتَقُ يَجُوزُ عِتْقُهُ لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ غَيْرُ مَالِكٍ فَإِنْ قَالَ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَوْلَى لَا يَرِثُهُ؟ قِيلَ لَهُ وَمَا لِلْمِيرَاثِ وَالْوَلَاءِ وَالنَّسَبِ؟ فَإِنْ قَالَ فَأَبِنْ أَنَّهُ إذَا مُنِعَ مِيرَاثُهُ ثَبَتَ لَهُ الْوَلَاءُ؟ قِيلَ نَعَمْ: أَرَأَيْت لَوْ قَتَلَهُ مَوْلَاهُ أَيَرِثُهُ؟ فَإِنْ قَالَ لَا. قِيلَ لَهُ أَفَيَزُولُ وَلَاؤُهُ عَنْهُ؟ فَإِنْ قَالَ: لَا قِيلَ فَمَا أَزَالَ الْمِيرَاثَ لَا يُزِيلُ الْوَلَاءَ فَإِنْ قَالَ أَمَّا هَا هُنَا فَلَا قِيلَ فَكَيْفَ قُلْت هُنَاكَ مَا قُلْت مَا أَزَالَ الْمِيرَاثَ أَزَالَ الْوَلَاء؟ وَقِيلَ لَهُ: أَنَّهُ رَأَيْت إذْ نَسَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إبْرَاهِيمَ خَلِيلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَى أَبِيهِ وَأَبُوهُ كَافِرٌ وَنَسَبَ ابْنُ نُوحٍ وَهُوَ كَافِرٌ إلَى أَبِيهِ نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَرَأَيْته قَطَعَ الْأُبُوَّةَ بِاخْتِلَافِ الْمِلَّتَيْنِ؟ فَإِنْ قَالَ: لَا قِيلَ أَفَيَرِثُ الْأَبُ ابْنَهُ وَالِابْنُ أَبَاهُ؟ فَإِنْ قَالَ لَا قِيلَ فَتَنْقَطِعُ الْأُبُوَّةُ بِانْقِطَاعِ الْمِيرَاثِ؟ فَإِنْ قَالَ لَا قِيلَ فَكَيْفَ قَطَعْت الْوَلَاءَ وَلَمْ تَقْطَعْ النَّسَبَ وَهُمَا مَعًا سَبَبٌ؟ إنَّمَا مُنِعَ الْمِيرَاثُ بِاخْتِلَافِ الدِّينَيْنِ. وَقَدْ يُمْنَعُ بِأَنْ يَكُونَ دُونَهُ مَنْ يَحْجُبُهُ وَذَلِكَ لَا يَقْطَعُ وَلَاءً وَلَا نَسَبًا وَالْحُجَّةُ تُمْكِنُ عَلَى قَائِلِ هَذَا الْقَوْلِ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا وَفِي أَقَلَّ مِنْ هَذَا كِفَايَةٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

الْخِلَافُ فِي الْمُوَالِي

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَوَافَقَنَا بَعْضُ النَّاسِ فِي السَّائِبَةِ وَالْمُشْرِكِ يَعْتِقُ الْمُسْلِمَ فَقَالَ هَذَا الْقَوْلُ نَصُّ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَخَالَفَنَا هَؤُلَاءِ مِنْ الْمَشْرِقِيِّينَ فَقَالُوا إذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ عَلَى يَدَيْ الرَّجُلِ فَلَهُ وَلَاؤُهُ وَلِلْمُسْلِمِ عَلَى يَدَيْهِ أَنْ يَنْتَقِلَ بِوَلَائِهِ مَا لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ فَإِذَا عَقَلَ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ بِوَلَائِهِ، وَهَكَذَا اللَّقِيطُ وَكُلُّ مَنْ لَا وَلَاءَ لَهُ يُوَالِي مَنْ شَاءَ وَيَنْتَقِلُ بِوَلَائِهِ مَا لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ فَإِذَا عَقَلَ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ بِوَلَائِهِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): فَقِيلَ لِبَعْضِ مَنْ يَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ إلَى أَيِّ شَيْءٍ ذَهَبْتُمْ فِيهِ؟ فَقَالَ ذَهَبْنَا إلَى أَنَّ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَ عَنْ ابْنِ مَوْهَبٍ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ «أَنَّ رَجُلًا أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْتَ أَحَقُّ النَّاسِ بِحَيَاتِهِ وَمَوْتِهِ» فَقِيلَ لَهُ إنْ كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ ثَابِتًا كُنْت قَدْ خَالَفْته. فَقَالَ وَأَيْنَ؟ قُلْت زَعَمْت أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَنْتَ أَحَقُّ النَّاسِ بِحَيَاتِهِ وَمَمَاتِهِ» قَالَ نَعَمْ قُلْت فَمَا زَعَمْت لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ إسْلَامَ الْمَرْءِ عَلَى يَدَيْ الْمَرْءِ يُثْبِتُ لَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>