للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْلِيَائِهِ الْقِصَاصَ، ثُمَّ عَدَا عَلَيْهِ أَحَدُ الْأَوْلِيَاءِ فَقَتَلَهُ وَقَالَ لَمْ أَعْلَمْ عَفْوَ مَنْ مَعِي فَفِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ عَلَيْهِ الْقِصَاصَ فَإِذَا اقْتَصَّ مِنْهُ فَنَصِيبُهُ مِنْ الدِّيَةِ فِي مَالِ الْقَاتِلِ الْمَقْتُولِ الَّذِي اُقْتُصَّ مِنْهُ وَالْآخَرُ أَنْ يَحْلِفَ مَا عَلِمَ عَفْوَهُ، ثُمَّ عُوقِبَ وَلَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ وَأُغَرِّمُ دِيَتَهُ حَالَّةً فِي مَالِهِ يُرْفَعُ عَنْهُ مِنْهَا بِقَدْرِ نَصِيبِهِ مِنْ دِيَةِ الْمَقْتُولِ الَّذِي هُوَ وَارِثُهُ وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ حَلَفَ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ الْآخَرِ لَقَدْ عَلِمَ، ثُمَّ فِي الْقِصَاصِ مِنْهُ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَقْتَصَّ مِنْهُ وَالْآخَرُ لَا قِصَاصَ مِنْهُ وَمَنْ قَالَ يُقْتَصُّ مِنْهُ جَعَلَ لِوَرَثَةِ الْمَقْتُولِ الْأَوَّلِ فِي مَالِ الْقَاتِلِ نَصِيبَهُمْ مِنْ الدِّيَةِ وَلِلَّذِي قُتِلَ بِهِ حِصَّتَهُ مِنْ الدِّيَةِ لَمَّا أَخَذَ مِنْهُ الْقِصَاصَ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَإِذَا عَفَا أَحَدُ الْوَرَثَةِ الْقِصَاصَ فَحُكْمُ الْحَاكِمِ لَهُمْ بِالدِّيَةِ فَأَيُّهُمْ قَتَلَ الْقَاتِلَ قُتِلَ بِهِ إلَّا أَنْ يَدَعَ ذَلِكَ وَرَثَتُهُ.

بَابُ عَفْوِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ الْجِنَايَةَ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا جَنَى الرَّجُلُ عَلَى الرَّجُلِ الْجِنَايَةَ فِيهَا قِصَاصٌ فَقَالَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ قَدْ عَفَوْت عَنْ الْجَانِي جِنَايَتَهُ عَلَيَّ وَبَرَّأَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مِنْ الْجِنَايَةِ سَقَطَ الْقِصَاصُ عَنْ الْجَانِي وَسَأَلَ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ فَإِنْ قَالَ قَدْ عَفَوْت لَهُ الْقِصَاصَ وَالْمَالَ جَازَ عَفْوُهُ لِلْمَالِ إنْ كَانَ يَلِي مَالَهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَلِي مَالَهُ جَازَ عَفْوُهُ لِلْقِصَاصِ وَأُخِذَ لَهُ الْمَالُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَهَبَ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا وَهَكَذَا إنْ مَاتَ مِنْ جِنَايَةِ الْجَانِي وَهُوَ يَلِي مَالَهُ سُئِلَ وَرَثَتُهُ فَإِنْ قَالُوا: لَا نَعْلَمُهُ عَفَا الْمَالَ، أُحْلِفُوا: مَا عَلِمُوهُ عَفَا الْمَالَ وَأَخَذُوا الْمَالَ مِنْ مَالِ الْجَانِي إلَّا أَنْ يَأْتِيَ الْجَانِي بِبَيِّنَةٍ عَلَى عَفْوِهِ الْمَالَ وَالْقِصَاصَ مَعًا فَيَجُوزُ لَهُ الْعَفْوُ، وَلَوْ جَاءَ الْجَانِي بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ قَالَ قَدْ عَفَوْت عَنْهُ مَا يَلْزَمُهُ فِي جِنَايَتِهِ عَلَيَّ لَمْ يَكُنْ هَذَا عَفْوَ الْمَالِ حَتَّى يُبَيِّنَ فَيَقُولَ مِنْ قِصَاصٍ وَأَرْشٍ فَيَجُوزَ عَفْوُ الْمَالِ وَلَوْ مَاتَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مِنْ جِنَايَةِ الْجَانِي بَعْدَ قَوْلِهِ قَدْ عَفَوْت عَنْ الْجَانِي جِنَايَتَهُ عَلَيَّ سَقَطُ الْقِصَاصُ وَكَانَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ دِيَةُ النَّفْسِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ قَدْ عَفَوْت عَنْهُ مَا لَزِمَهُ فِي جِنَايَتِهِ عَلَيَّ مِنْ عَقْلٍ وَقَوَدٍ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا كَانَ هَكَذَا.

وَلَوْ قَالَ: قَدْ عَفَوْت عَنْهُ مَا لَزِمَهُ فِي جِنَايَتِهِ عَلَيَّ مِنْ عَقْلٍ وَقَوَدٍ فَلَمْ يَمُتْ مِنْ الْجِنَايَةِ وَصَحَّ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ وَمَاتَ مِنْ غَيْرِهَا جَازَ الْعَفْوُ فِيمَا لَزِمَهُ بِالْجِنَايَةِ نَفْسِهَا وَلَمْ يَجُزْ فِيمَا لَزِمَهُ بِزِيَادَتِهَا؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَمْ تَكُنْ وَجَبَتْ لَهُ يَوْمَ عَفَا، وَلَمْ تَكُنْ وَصِيَّةً بِحَالٍ وَكَانَتْ كَهِبَةٍ وَهَبَهَا مَرِيضًا، ثُمَّ صَحَّ فَتَجُوزُ جَوَازَ هِبَةِ الصَّحِيحِ وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَلَمْ يَصِحَّ حَتَّى جَرَحَهُ رَجُلٌ آخَرُ فَخَرَجَ الْأَوَّلُ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَاتِلًا كَانَ أَرْشُ الْجُرْحِ كُلِّهِ وَصِيَّةً جَائِزَةً يُضْرَبُ بِهَا مَعَ أَهْلِ الْوَصَايَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَاتِلٍ.

(قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ) وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ قَاتِلٌ مَعَ غَيْرِهِ فَلَا تَجُوزُ لَهُ وَصِيَّةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْجَارِحُ الثَّانِي قَدْ ذَبَحَهُ أَوْ قَطَعَهُ بِاثْنَيْنِ فَيَكُونُ هُوَ الْقَاتِلَ وَتَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ هُوَ الْقَاتِلُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَقَالَ قَدْ عَفَوْت عَنْهُ الْجِنَايَةَ وَمَا يَحْدُثُ فِيهَا وَمَا يَلْزَمُهُ مِنْهَا مِنْ عَقْلٍ وَقَوَدٍ ثُمَّ مَاتَ مِنْ الْجِنَايَةِ فَلَا سَبِيلَ إلَى الْقَوَدِ بِحَالِ الْعَفْوِ عَنْهُ وَالنَّظَرِ إلَى أَرْشِ الْجِنَايَةِ نَفْسِهَا فَكَانَ فِيهَا قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ جَائِزُ الْعَفْوِ عَنْهُ مِنْ ثُلُثِ مَالِ الْعَافِي عَنْهُ كَأَنْ كَانَ شَجَّهُ مُوضِحَةً فَعَفَا عَقْلَهَا وَقَوَدَهَا فَيُرْفَعُ عَنْهُ مِنْ الدِّيَةِ نِصْفُ عُشْرِهَا؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فِي الْجِنَايَةِ وَيَأْخُذُ الْبَاقِيَ؛ لِأَنَّهُ عَفَا عَمَّا لَمْ يَجِبْ لَهُ فَلَا يَجُوزُ عَفْوُهُ فِيهِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنْ يُؤْخَذَ بِجَمِيعِ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ نَفْسًا وَهَذَا قَاتِلٌ لَا تَجُوزُ لَهُ وَصِيَّةٌ بِحَالٍ (قَالَ الرَّبِيعُ) وَهَذَا أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ عِنْدِي.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ يَدَيْنِ وَرِجْلَيْنِ، ثُمَّ مَاتَ مِنْهَا وَعَفَا جَازَ لَهُ الْعَفْوُ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ وَجَبَتْ لَهُ أَكْثَرَ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ نَقَصَ بِالْمَوْتِ وَلَمْ يَجُزْ لَهُ فِي الْقَوْلِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ نَفْسًا وَهَذَا قَاتِلٌ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ قَدْ عَفَوْت عَنْكَ الْعَقْلَ وَالْقَوَدَ فِي كُلِّ مَا

<<  <  ج: ص:  >  >>