قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا قَوَدَ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إلَّا فِي النَّفْسِ. وَكَذَلِكَ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ نَفْسُ الْمَرْأَةِ بِنَفْسِ الرَّجُلِ وَجُرْحُهَا بِجُرْحِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ أَرَأَيْتُمْ الْمَرْأَةَ فِي الْعَقْلِ أَلَيْسَتْ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ؟ قَالُوا بَلَى: قِيلَ لَهُمْ فَكَيْفَ قُطِعَتْ يَدُهُ بِيَدِهَا وَيَدُهُ ضِعْفُ يَدِهَا فِي الْعَقْلِ؟ قَالُوا أَنْتَ تَقُولُ مِثْلَ هَذَا أَنْتَ تَقْتُلُهُ بِالْمَرْأَةِ وَدِيَةُ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ قِيلَ لَهُمْ لَيْسَتْ النَّفْسُ كَغَيْرِهَا أَلَا تَرَى أَنَّ عَشَرَةً لَوْ قَتَلُوا رَجُلًا ضَرَبُوهُ بِأَسْيَافِهِمْ حَتَّى قُتِلُوا بِهِ جَمِيعًا. وَلَوْ أَنَّ عَشَرَةً قَطَعُوا يَدَ رَجُلٍ وَاحِدٍ لَمْ تُقْطَعْ أَيْدِيهِمْ فَلِذَلِكَ اخْتَلَفَتْ النَّفْسُ وَالْجِرَاحُ. فَإِنْ قُلْتُمْ إنَّا نَقْطَعُ يَدَيْ رَجُلَيْنِ بِيَدِ رَجُلٍ فَأَخْبِرُونَا عَنْ رَجُلَيْنِ قَطَعَا يَدَ رَجُلٍ جَمِيعًا جَزَّهَا أَحَدُهُمَا مِنْ أَعْلَاهَا وَالْآخَرُ مِنْ أَسْفَلِهَا حَتَّى الْتَقَتْ الْحَدِيدَتَانِ فِي النِّصْفِ مِنْهَا أَتُقْطَعُ يَدُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِنَّمَا قُطِعَ نِصْفُ يَدِهِ؟ لَيْسَ هَذَا مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يَخْفَى عَلَى أَحَد.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): إذَا قَتَلَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ قُتِلَ بِهَا وَإِذَا قَطَعَ يَدَهَا قُطِعَتْ يَدُهُ بِيَدِهَا فَإِذَا كَانَتْ النَّفْسُ الَّتِي هِيَ الْأَكْثَرُ بِالنَّفْسِ فَاَلَّذِي هُوَ أَقَلُّ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ بِمَا هُوَ أَقَلُّ وَلَيْسَ الْقِصَاصُ مِنْ الْعَقْلِ بِسَبِيلٍ. أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَتَلَ الرَّجُلَ بِالْمَرْأَةِ فَقَدْ يَقْتُلُهُ بِهَا وَعَقْلُهَا نِصْفُ عَقْلِهِ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ وَدِيَةُ الْحُرِّ عِنْدَهُ أَلْفُ دِينَارٍ وَلَعَلَّ دِيَةَ الْعَبْدِ خَمْسَةُ دَنَانِيرِ فَلَوْ كَانَ تَفَاوُتُ الدِّيَةِ يَمْنَعُ الْقَتْلَ لَمْ يُقْتَلْ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ وَلَا حُرٌّ بِعَبْدٍ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ فِي الْعَبْدِ عِنْدَهُ إلَّا أَقَلُّ مِنْ دِيَةِ حُرٍّ وَلَا عَبْدٌ بِعَبْدٍ إذَا كَانَ الْقَاتِلُ أَكْثَرَ قِيمَةٍ مِنْ الْمَقْتُولِ. فَإِنْ زَعَمَ أَنَّ الْقِصَاصَ فِي النَّفْسِ لَيْسَ مِنْ مَعْنَى الْعَقْلِ بِسَبِيلٍ فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقُولَ فِي الْجِرَاحِ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ذَكَرَهَا ذِكْرًا وَاحِدًا فَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الَّذِي حَكَمَ بِهَا فِيهِ فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} إِلَى {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} فَلَمْ يُوجِبْ فِي النَّفْسِ شَيْئًا مِنْ الْقَوَدِ إلَّا أَوْجَبَ فِيمَا سَمَّى مِثْلَهُ. فَإِذَا زَعَمَ مُحَمَّدٌ أَنَّ مِنْ حُجَّتِهِ أَنَّ عَشَرَةً يَقْتُلُونَ رَجُلًا وَاحِدًا فَيُقْتَلُونَ بِهِ وَلَوْ قَطَعُوا يَدَهُ لَمْ تُقْطَعْ أَيْدِيهِمْ فَلَوْ قَالُوا مَعَهُ قَوْلَهُ لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِمْ حُجَّةٌ بَلْ كَانَتْ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يَقْتُلُوهُ فَإِذَا جَعَلْت الْعَشَرَةَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَقْتُلُ كَأَنَّهُ قَاتِلُ نَفْسٍ عَلَى الْكَمَالِ فَكَذَلِكَ فَاجْعَلْ عَلَيْهِمْ عَشْرَ دِيَاتٍ إذَا قَتَلُوا إنْسَانًا فَإِنْ قُلْت مَعْنَى الْقِصَاصِ غَيْرُ مَعْنَى الدِّيَةِ قُلْنَا وَكَذَلِكَ فِي النَّفْسِ أَيْضًا فَإِنْ قُلْت نَعَمْ قَالُوا لَك لَا نَسْمَعُ مَا احْتَجَجْت بِهِ إلَّا عَلَيْك مَعَ أَنَّهُمْ يَقْطَعُونَ أَوْ مَنْ قَطَعَ مِنْهُمْ يَدَيْنِ بِيَدٍ وَإِذَا يَدَيْنِ بِيَدٍ فَإِنَّمَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونُوا قَاسُوهَا عَلَى النَّفْسِ فَقَالُوا إذَا أَفَاتَا شَيْئًا لَا يَرْجِعُ كَإِفَاتَةِ النَّفْسِ الَّتِي لَا تَرْجِعُ قَضَيْنَا عَلَيْهِمَا بِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْإِفَاتَةِ قَضَاءَ كُلِّ مَنْ فَعَلَ فِعْلًا عَلَى الِانْفِرَادِ.
بَابُ الْقِصَاصِ فِي كَسْرِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا قِصَاصَ عَلَى أَحَدٍ كَسَرَ يَدًا أَوْ رِجْلًا لِأَنَّهُ عَظْمٌ وَلَا قَوَدَ فِي عَظْمٍ إلَّا السِّنَّ وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مَنْ كَسَرَ يَدًا أَوْ رِجْلًا أُقِيدَ مِنْهُ وَلَا يَعْقِلُ وَلَكِنَّهُ لَا يُقَادُ حَتَّى يَبْرَأَ جُرْحُ صَاحِبِهِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْآثَارُ فِي أَنَّهُ لَا قَوَدَ فِي عَظْمٍ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ الْقُرَشِيُّ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ لَيْسَ فِي عَظْمٍ قِصَاصٌ إلَّا السِّنَّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا قِصَاصَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَفِي الْيَدِ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ وَفِي الْكَسْرِ حُكُومَةُ عَدْلٍ فِي مَالِهِ وَلَمْ أَكُنْ لِأَضَعَ الْحَدِيدَ فِي غَيْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute