للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَصْحَابِك، قُلْت: أَوْ رَأَيْت فِيمَا احْتَجَجْت بِهِ حُجَّةً؟ قَالَ لَا وَقَالَ: أَرَأَيْت إذَا مَاتَ رَجُلٌ، وَلَا وَلَاءَ لَهُ؟ قُلْت: فَمِيرَاثُهُ لِلْمُسْلِمِينَ، قَالَ: بِأَنَّهُمْ مَوَالِيهِ؟ قُلْت: لَا، وَلَا يَكُونُ الْمَوْلَى إلَّا مُعْتِقًا، وَهَذَا غَيْرُ مُعَتِّقٍ، قَالَ: فَإِذَا لَمْ تُوَرِّثْهُمْ بِأَنَّهُمْ مَوَالٍ وَلَيْسُوا بِذَوِي نَسَبٍ فَكَيْفَ أَعْطَيْتهمْ مَالَهُ؟ قُلْت: لَمْ أُعْطِهِمُوهُ مِيرَاثًا، وَلَوْ أَعْطَيْتهُمُوهُ مِيرَاثًا وَجَبَ عَلَيَّ أَنْ أُعْطِيَهُ مَنْ عَلَى الْأَرْضِ حِينَ يَمُوتُ كَمَا أَجْعَلُهُ لَوْ كَانُوا مَعًا أَعْتَقُوهُ، وَأَنَا وَأَنْتَ إنَّمَا نُصَيِّرُهُ لِلْمُسْلِمِينَ يُوضَعُ مِنْهُمْ فِي خَاصَّةٍ وَالْمَالُ الْمَوْرُوثُ لَا يُوضَعُ فِي خَاصَّةٍ فَكَانَ يَدْخُلُ عَلَيْك لَوْ زَعَمْت بِأَنَّهُ وَرِثَ بِالْوَلَاءِ هَذَا وَأَنْ تَقُولَ اُنْظُرْ الْيَوْمَ الَّذِي أَسْلَمَ فِيهِ فَأَثْبَتَ، وَلَاءَهُ لِجَمَاعَةِ مَنْ كَانَ حَيًّا مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ فَيَرِثُهُ وَرَثَةُ أُولَئِكَ الْأَحْيَاءِ دُونَ غَيْرِهِمْ وَيَدْخُلُ عَلَيْك فِي النَّصْرَانِيِّ يَمُوتُ، وَلَا وَارِثَ لَهُ فَتَجْعَلُ مَالَهُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ» قَالَ: فَبِأَيِّ شَيْءٍ تُعْطِي الْمُسْلِمِينَ مِيرَاثَ مَنْ لَا نَسَبَ لَهُ، وَلَا وَلَاءَ لَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَمِيرَاثُ النَّصْرَانِيِّ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نَسَبٌ، وَلَا وَلَاءٌ؟ قُلْت: بِمَا أَنْعَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عَلَى أَهْلِ دِينِهِ فَخَوَّلَهُمْ مِنْ أَمْوَالِ الْمُشْرِكِينَ إذَا قَدَرُوا عَلَيْهَا وَمِنْ كُلِّ مَالٍ لَا مَالِكَ لَهُ يُعْرَفُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. مِثْلَ الْأَرْضِ الْمَوَاتِ فَلَمْ يُحَرِّمْ عَلَيْهِمْ أَنْ يُحْيُوهَا، فَلَمَّا كَانَ هَذَانِ الْمَالَانِ لَا مَالِكَ لَهُمَا يُعْرَفُ خَوَّلَهُمَا اللَّهُ أَهْلَ دَيْنِ اللَّهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ

الرَّدُّ فِي الْمَوَارِيثِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَمَنْ كَانَتْ لَهُ فَرِيضَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ سُنَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ مَا جَاءَ عَنْ السَّلَفِ انْتَهَيْنَا بِهِ إلَى فَرِيضَتِهِ، فَإِنْ فَضَلَ مِنْ الْمَالِ شَيْءٌ لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ أَنَّ عَلَيْنَا شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا نَنْقُصَهُ مِمَّا جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ، وَالْآخَرُ: أَنْ لَا نَزِيدَهُ عَلَيْهِ وَالِانْتِهَاءُ إلَى حُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ هَكَذَا وَقَالَ: بَعْضُ النَّاسِ نَرُدُّهُ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَالِ مَنْ يَسْتَغْرِقُهُ وَكَانَ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَأَنْ لَا نَرُدَّهُ عَلَى زَوْجٍ، وَلَا زَوْجَةٍ وَقَالُوا رَوَيْنَا قَوْلَنَا هَذَا عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُلْنَا: لَهُمْ أَنْتُمْ تَتْرُكُونَ مَا تَرْوُونَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي أَكْثَرِ الْفَرَائِضِ لِقَوْلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَكَيْفَ لَمْ يَكُنْ هَذَا مِمَّا تَتْرُكُونَ؟ قَالُوا إنَّا سَمِعْنَا قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} فَقُلْنَا مَعْنَاهَا عَلَى غَيْرِ مَا ذَهَبْتُمْ إلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى مَا ذَهَبْتُمْ إلَيْهِ كُنْتُمْ قَدْ تَرَكْتُمُوهُ قَالُوا فَمَا مَعْنَاهَا؟ قُلْنَا تَوَارَثَ النَّاسُ بِالْحِلْفِ وَالنُّصْرَةِ ثُمَّ تَوَارَثُوا بِالْإِسْلَامِ وَالْهِجْرَةِ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ فَنَزَلَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} عَلَى مَعْنَى مَا فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ وَسَنَّ رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا مُطْلَقًا هَكَذَا.

أَلَا تَرَى أَنَّ الزَّوْجَ يَرِثُ أَكْثَرَ مِمَّا يَرِثُ ذَوُو الْأَرْحَامِ، وَلَا رَحِمَ لَهُ، أَوَلَا تَرَى أَنَّ ابْنَ الْعَمِّ الْبَعِيدَ يَرِثُ الْمَالَ كُلَّهُ، وَلَا يَرِثُهُ الْخَالُ وَالْخَالُ أَقْرَبُ رَحِمًا مِنْهُ فَإِنَّمَا مَعْنَاهَا عَلَى مَا وَصَفْت لَك مِنْ أَنَّهَا عَلَى مَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُمْ وَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: إنَّ النَّاسَ يَتَوَارَثُونَ بِالرَّحِمِ وَتَقُولُونَ خِلَافَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ تَزْعُمُونَ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا مَاتَ وَتَرَكَ أَخْوَالَهُ وَمَوَالِيَهُ فَمَالُهُ لِمَوَالِيهِ دُونَ أَخْوَالِهِ، فَقَدْ مَنَعْت ذَوِي الْأَرْحَامِ الَّذِينَ قَدْ تُعْطِيهِمْ فِي حَالٍ وَأَعْطَيْت الْمَوْلَى الَّذِي لَا رَحِمَ لَهُ الْمَالَ. قَالَ: فَمَا حَجَّتُك فِي أَنْ لَا تُرَدَّ الْمَوَارِيثَ؟ قُلْنَا: مَا وَصَفْت لَك مِنْ الِانْتِهَاءِ إلَى حُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَنْ لَا أَزِيدَ ذَا سَهْمٍ عَلَى سَهْمِهِ، وَلَا أَنْقُصُهُ قَالَ: فَهَلْ مِنْ شَيْءٍ تُثْبِتهُ سِوَى هَذَا؟ قُلْت: نَعَمْ، قَالَ: اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} وَقَالَ: عَزَّ ذِكْرُهُ {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ}

<<  <  ج: ص:  >  >>