للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَكْثَرُ مِمَّا وَصَفْت وَأَصْلُ الْحُجَّةِ فِيهِ مَا وَصَفْت مِنْ أَنَّ النِّكَاحَ كَانَ حَلَالًا وَمَا كَانَ حَلَالًا لَمْ يَجُزْ تَحْرِيمُهُ وَلَا فَسْخُهُ إلَّا بِسُنَّةٍ ثَابِتَةٍ أَوْ أَمْرٍ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ فَلَمَّا كَانَتْ السُّنَّةُ فِي تَخْيِيرِ الْأَمَةِ إذَا عَتَقَتْ عِنْدَ عَبْدٍ لَمْ نُعِدْ مَا رَوَيْنَا مِنْ السُّنَّةِ وَلَمْ يَحْرُمْ النِّكَاحُ إلَّا فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْمَعْنَى وَإِنَّمَا جَعَلَ لِلْأَمَةِ الْخِيَارَ فِي التَّفْرِيقِ وَالْمُقَامِ، وَالْمُقَامُ لَا يَكُونُ إلَّا وَالنِّكَاحُ حَلَالٌ إلَّا أَنَّ الْخِيَارَ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَنَا - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - لِنَقْصِ الْعَبْدِ عَنْ الْحُرِّيَّةِ وَالْعِلَلُ الَّتِي فِيهِ الَّتِي قَدْ يُمْنَعُ فِيهَا مَا يُحِبُّ وَتُحِبُّ امْرَأَتُهُ.

اللِّعَانُ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} الْآيَةُ وَقَالَ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} إِلَى {أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} فَلَمَّا حَكَمَ اللَّهُ فِي الزَّوْجِ الْقَاذِفِ بِأَنْ يَلْتَعِنَ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ إنَّمَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} الْآيَةُ الْقَذَفَةَ غَيْرَ الْأَزْوَاجِ وَكَانَ الْقَاذِفُ الْحُرُّ الذِّمِّيُّ وَالْعَبْدُ الْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ إذَا قَذَفُوا الْحُرَّةَ الْمُسْلِمَةَ جُلِدُوا الْحَدَّ مَعًا فَجَلَدُوا الْحُرَّ حَدَّ الْحُرِّ وَالْعَبْدَ حَدَّ الْعَبْدِ وَأَنَّهُ لَمْ يَبْرَأْ قَاذِفٌ بَالِغٌ يَجْرِي عَلَيْهِ الْحُكْمُ مِنْ أَنْ يُحَدَّ حَدَّهُ إنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ بِمَا أَخْرَجَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ الشُّهُودِ عَلَى الْمَقْذُوفَةِ لِأَنَّ الْآيَةَ عَامَّةٌ عَلَى الْمَقْذُوفَةِ كَانَتْ الْآيَةُ فِي اللِّعَانِ كَذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ عَامَّةٌ عَلَى الْأَزْوَاجِ الْقَذَفَةِ فَكَانَ كُلُّ زَوْجٍ قَاذِفٍ يُلَاعِنُ أَوْ يُحَدُّ إنْ كَانَتْ الْمَقْذُوفَةُ مِمَّنْ لَهَا حَدٌّ أَوْ لَمْ تَكُنْ لِأَنَّ عَلَى مَنْ قَذَفَهَا - إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا حَدٌّ - تَعْزِيرًا وَعَلَيْهَا حَدٌّ إذَا لَمْ تَلْتَعِنْ بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّهُ لَا افْتِرَاقَ بَيْنَ عُمُومِ الْآيَتَيْنِ مَعًا وَكَمَا جَعَلَ اللَّهُ الطَّلَاقَ إلَى الْأَزْوَاجِ قَالَ {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ} وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} وَقَالَ {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} فَكَانَ هَذَا عَامًّا لِلْأَزْوَاجِ وَالنِّسَاءِ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ زَوْجٌ مُسْلِمٌ حُرٌّ وَلَا عَبْدٌ وَلَا ذِمِّيٌّ حُرٌّ وَلَا عَبْدٌ فَكَذَلِكَ اللِّعَانُ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ زَوْجٌ وَلَا زَوْجَةٌ (وَقَالَ) فِيمَا حَكَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ لَاعَنَ بَيْنَ أَخَوَيْ بَنِي الْعَجْلَانِ وَلَمْ يَتَكَلَّفْ أَحَدٌ حِكَايَةَ حُكْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي اللِّعَانِ أَنْ يَقُولَ قَالَ لِلزَّوْجِ قُلْ كَذَا وَلَا لِلْمَرْأَةِ قَوْلِي كَذَا إنَّمَا تَكَلَّفُوا حِكَايَةَ جُمْلَةِ اللِّعَانِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إنَّمَا نَصَبَ اللِّعَانَ حِكَايَةً فِي كِتَابِهِ فَإِنَّمَا لَاعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ بِمَا حَكَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقُرْآنِ وَقَدْ حَكَى مَنْ حَضَرَ اللِّعَانَ فِي اللِّعَانِ مَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ مِمَّا لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مِنْهُ (قَالَ): فَإِذَا لَاعَنَ الْحَاكِمُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَقَالَ لِلزَّوْجِ قُلْ " أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا " ثُمَّ رَدَّهَا عَلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَ بِهَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الرَّابِعَةِ وَقَفَهُ وَذَكَّرَهُ وَقَالَ " اتَّقِ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ تَبُوءَ بِلَعْنَةِ اللَّهِ فَإِنَّ قَوْلَك " إنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيَّ إنْ كُنْت مِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَيْتهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا " مُوجِبَةٌ يُوجِبُ عَلَيْك اللَّعْنَةَ إنْ كُنْت كَاذِبًا فَإِنْ وَقَفَ كَانَ لَهَا عَلَيْهِ الْحَدُّ إنْ قَامَتْ بِهِ وَإِنْ حَلَفَ لَهَا فَقَدْ أَكْمَلَ مَا عَلَيْهِ مِنْ اللِّعَانِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ لِلزَّوْجَةِ فَتَقُولَ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا حَتَّى تَقُولَهَا أَرْبَعًا فَإِذَا أَكْمَلَتْ أَرْبَعًا وَقَفَهَا وَذَكَّرَهَا وَقَالَ " اتَّقِي اللَّهَ وَاحْذَرِي أَنْ تَبُوئِي بِغَضَبِ اللَّهِ فَإِنَّ قَوْلَك: عَلَيَّ غَضَبُ اللَّهِ إنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا " يُوجِبُ عَلَيْك غَضَبَ اللَّهِ إنْ كُنْت كَاذِبَةً فَإِنْ مَضَتْ فَقَدْ فَرَغَتْ مِمَّا عَلَيْهَا وَسَقَطَ الْحَدُّ عَنْهُمَا وَهَذَا الْحُكْمُ عَلَيْهِمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>