وَمَا رَقَّ لَحْمُهُ مِنْ الْحِيتَانِ إذَا وُضِعَ جَفَّ جُفُوفًا شَدِيدًا فَلَا خَيْرَ فِي ذَلِكَ حَتَّى يَبْلُغَ إبَّانَهُ مِنْ الْجُفُوفِ وَيُبَاعُ الصِّنْفُ مِنْهُ بِمِثْلِهِ وَزْنًا بِوَزْنٍ يَدًا بِيَدٍ، وَإِذَا اخْتَلَفَ فَالْقَوْلُ فِيهِ كَمَا وَصَفْت قَبْلَهُ يُبَاعُ رَطْبًا جُزَافًا بِرَطْبٍ جُزَافٍ وَيَابِسٍ جُزَافٍ وَمُتَفَاضِلٍ فِي الْوَزْنِ فَعَلَى هَذَا، هَذَا الْبَابُ كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ لَا يَخْتَلِفُ وَالْقَوْلُ الثَّانِي فِي هَذَا الْوَجْهِ أَنْ يُقَالَ اللَّحْمُ كُلُّهُ صِنْفٌ كَمَا أَنَّ التَّمْرَ كُلَّهُ صِنْفٌ وَمَنْ قَالَ هَذَا لَزِمَهُ عِنْدِي أَنْ يَقُولَ فِي الْحِيتَانِ؛ لِأَنَّ اسْمَ اللَّحْمِ جَامِعٌ لِهَذَا الْقَوْلِ وَمَنْ ذَهَبَ هَذَا الْمَذْهَبَ لَزِمَهُ إذَا أَخَذَهُ بِجِمَاعِ اللَّحْمِ أَنْ يَقُولَ هَذَا كَجِمَاعِ الثَّمَرِ يَجْعَلُ الزَّبِيبَ وَالتَّمْرَ وَغَيْرَهُ مِنْ الثِّمَارِ صِنْفًا وَهَذَا مِمَّا لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَهُ عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، فَإِنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ حَالِفًا لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ لَحْمًا حَنِثَ بِلَحْمِ الْإِبِلِ حِنْثَهُ بِلَحْمِ الْغَنَمِ فَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ ثَمَرًا حَنِثَ بِالزَّبِيبِ حِنْثَهُ بِالتَّمْرِ وَحِنْثَهُ بِالْفِرْسِكِ وَلَيْسَ الْأَيْمَانُ مِنْ هَذَا بِسَبِيلِ الْأَيْمَانِ عَلَى الْأَسْمَاءِ وَالْبُيُوعِ عَلَى الْأَصْنَافِ وَالْأَسْمَاءُ الْخَاصَّةُ دُونَ الْأَسْمَاءِ الْجَامِعَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
بَابُ مَا يَكُونُ رَطْبًا أَبَدًا
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - الصِّنْفُ مِنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ الَّذِي يَكُونُ رَطْبًا أَبَدًا إذَا تُرِكَ لَمْ يَيْبَسْ مِثْلُ الزَّيْتِ وَالسَّمْنِ وَالشَّيْرَجِ وَالْأَدْهَانِ وَاللَّبَنِ وَالْخَلِّ وَغَيْرِهِ مِمَّا لَا يَنْتَهِي بِيُبْسٍ فِي مُدَّةٍ جَاءَتْ عَلَيْهِ أَبَدًا إلَّا أَنْ يَبْرُدَ فَيَجْمُدَ بَعْضُهُ ثُمَّ يَعُودُ ذَائِبًا كَمَا كَانَ أَوْ بِأَنْ يَنْقَلِبَ بِأَنْ يُعْقَدَ عَلَى نَارٍ أَوْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ يَابِسٌ فَيَصِيرُ هَذَا يَابِسًا بِغَيْرِهِ وَعَقْدِ نَارٍ فَهَذَا الصِّنْفُ خَارِجٌ مِنْ مَعْنَى مَا يَكُونُ رَطْبًا بِمَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ رُطُوبَةَ مَا يَبِسَ مِنْ التَّمْرِ رُطُوبَةٌ فِي شَيْءٍ خُلِقَ مُسْتَجْسَدًا إنَّمَا هُوَ رُطُوبَةٌ طَرَاءَةً كَطَرَاءَةِ اغْتِذَائِهِ فِي شَجَرِهِ وَأَرْضِهِ فَإِذَا زَايَلَ مَوْضِعَ الِاغْتِذَاءِ مِنْ مَنْبَتِهِ عَادَ إلَى الْيُبْسِ وَمَا وَصَفْت رُطُوبَةً مُخْرَجَةً مِنْ إنَاثِ الْحَيَوَانِ أَوْ ثَمَرِ شَجَرٍ أَوْ زَرْعٍ قَدْ زَايَلَ الشَّجَرَ وَالزَّرْعَ الَّذِي هُوَ لَا يَنْقُصُ بِمُزَايَلَةِ الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ فِيهِ نَفْسُهُ وَلَا يَجِفُّ بِهِ بَلْ يَكُونُ مَا هُوَ فِيهِ رَطْبًا مِنْ طِبَاعِ رُطُوبَتِهِ وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يَعُودُ يَابِسًا كَمَا يَعُودُ غَيْرُهُ إذَا تُرِكَ مُدَّةً إلَّا بِمَا وَصَفْت مِنْ أَنْ يُصْرَفَ بِإِدْخَالِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ بِخَلْطِهِ وَإِدْخَالِ عَقْدِ النَّارِ عَلَى مَا يُعْقَدُ مِنْهُ فَلَمَّا خَالَفَهُ بِأَنْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ الرُّطُوبَةُ الَّتِي رُطُوبَتُهُ تُفْضِي إلَى جُفُوفِهِ إذَا تُرِكَ بِلَا عَمَلِ الْآدَمِيِّينَ لَمْ يَجُزْ أَنْ نَقِيسَهُ عَلَيْهِ وَجَعَلْنَا حُكْمَ رُطُوبَتِهِ حُكْمَ جُفُوفِهِ؛ لِأَنَّا كَذَلِكَ نَجِدُهُ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ لَا مُنْتَقِلًا إلَّا بِنَقْلِ غَيْرِهِ فَقُلْنَا لَا بَأْسَ بِلَبَنٍ حَلِيبٍ بِلَبَنٍ حَامِضٍ وَكَيْفَمَا كَانَ بِلَبَنٍ كَيْفَمَا كَانَ حَلِيبًا أَوْ رَائِبًا أَوْ حَامِضًا وَلَا حَامِضَ بِحَلِيبٍ وَلَا حَلِيبَ بِرَائِبٍ مَا لَمْ يَخْلِطْهُ مَاءٌ فَإِذَا خَلَطَهُ مَاءٌ فَلَا خَيْرَ فِيهِ إذَا خَلَطَ الْمَاءُ أَحَدَ اللَّبَنَيْنِ أَوْ كِلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَاءَ غِشٌّ لَا يَتَمَيَّزُ فَلَوْ أَجَزْنَاهُ أَجَزْنَا الْغَرَرَ وَلَوْ تَرَاضَيَا بِهِ لَمْ يَجُزْ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ مَاءٌ وَلَبَنٌ مُخْتَلَطَانِ لَا تُعْرَفُ حِصَّةُ الْمَاءِ مِنْ اللَّبَنِ فَنَكُونُ أَجَزْنَا اللَّبَنَ بِاللَّبَنِ مَجْهُولًا أَوْ مُتَفَاضِلًا أَوْ جَامِعًا لَهُمَا وَمَا كَانَ يَحْرُمُ الْفَضْلُ فِي بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُبْتَاعَ إلَّا مَعْلُومًا كُلَّهُ كَيْلًا بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنًا بِوَزْنٍ فَجِمَاعُ عِلْمِ بَيْعِ اللَّبَنِ بِاللَّبَنِ أَنَّهُ يَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ اللَّبَنُ بِاللَّبَنِ لَمْ يَخْلِطْ وَاحِدًا مِنْهُمَا مَاءٌ وَيُرَدَّانِ خَلَطَهُمَا مَاءٌ أَوْ وَاحِدًا مِنْهُمَا وَلَا يَجُوزُ إذَا كَانَ اللَّبَنُ صِنْفًا وَاحِدًا إلَّا يَدًا بِيَدٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ كَيْلًا بِكَيْلٍ وَالصِّنْفُ الْوَاحِدُ لَبَنُ الْغَنَمِ مَاعِزُهُ وَضَائِنُهُ وَالصِّنْفُ الَّذِي يُخَالِفُهُ الْبَقَرُ دِرْبَانِيُّهُ وَعَرَبِيُّهُ وَجَوَامِيسُهُ وَالصِّنْفُ الْوَاحِدُ الَّذِي يُخَالِفُهُمَا مَعًا لَبَنُ الْإِبِلِ أَوَارِكُهَا وَغَوَادِيهَا وَمُهْرِيُّهَا وَبُخْتُهَا وَعِرَابُهَا وَأَرَاهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ جَائِزٌ أَنْ يُبَاعَ لَبَنُ الْغَنَمِ بِلَبَنِ الْبَقَرِ وَلَبَنُ الْبَقَرِ بِلَبَنِ الْإِبِلِ؛ لِأَنَّهَا مُخْتَلِفَةٌ مُتَفَاضِلًا وَمُسْتَوِيًا وَجُزَافًا وَكَيْفَ مَا شَاءَ الْمُتَبَايِعَانِ يَدًا بِيَدٍ لَا خَيْرَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ نَسِيئَةً وَلَا خَيْرَ فِي لَبَنٍ مَغْلِيٍّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute