الثُّلُثَ قَلَّ مَا تَرَكَ، أَوْ كَثُرَ وَلَيْسَ بِجَائِزٍ لَهُ أَنْ يُجَاوِزَهُ فَقِيلَ لِلشَّافِعِيِّ وَهَلْ اخْتَلَفُوا فِي اخْتِيَارِ النَّقْصِ عَنْ الثُّلُثِ أَوْ بُلُوغِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَفِيمَا وَصَفْت لَك مِنْ الدَّلَالَةِ عَنْ رَسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أَغْنَى عَمَّا سِوَاهُ. فَقُلْت: فَاذْكُرْ اخْتِلَافَهُمْ. فَقَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ
بَابُ عَطَايَا الْمَرِيضِ
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَمَّا أَعْتَقَ الرَّجُلُ سِتَّةَ مَمْلُوكِينَ لَهُ لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمْ فِي مَرَضِهِ، ثُمَّ مَاتَ فَأَعْتَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا أَتْلَفَ الْمَرْءُ مِنْ مَالِهِ فِي مَرَضِهِ بِلَا عِوَضٍ يَأْخُذُهُ مِمَّا يَتَعَوَّضُ النَّاسُ مِلْكًا فِي الدُّنْيَا فَمَاتَ مِنْ مَرَضِهِ ذَلِكَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْوَصِيَّةِ، وَلَمَّا كَانَ إنَّمَا يُحْكَمُ بِأَنَّهُ كَالْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَمَا أَتْلَفَ الْمَرْءُ مِنْ مَالِهِ فِي مَرَضِهِ ذَلِكَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْوَصَايَا فَإِنْ صَحَّ تَمَّ عَلَيْهِ مَا يَتِمُّ بِهِ عَطِيَّةُ الصَّحِيحِ، وَإِنْ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ ذَلِكَ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ وَصِيَّتِهِ وَمَتَى حَدَثَتْ لَهُ صِحَّةٌ بَعْدَ مَا أَتْلَفَ مِنْهُ، ثُمَّ عَاوَدَهُ مَرَضٌ فَمَاتَ تَمَّتْ عَطِيَّتُهُ إذَا كَانَتْ الصِّحَّةُ بَعْدَ الْعَطِيَّةِ فَحُكْمُ الْعَطِيَّةِ حُكْمُ عَطِيَّةِ الصَّحِيحِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَجِمَاعُ ذَلِكَ مَا وَصَفْت مِنْ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ مِلْكِهِ شَيْئًا بِلَا عِوَضٍ يَأْخُذُهُ النَّاسُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فِي الدُّنْيَا فَالْهِبَاتُ كُلُّهَا وَالصَّدَقَاتُ وَالْعَتَاقُ وَمَعَانِي هَذِهِ كُلُّهَا هَكَذَا فَمَا كَانَ مِنْ هِبَةٍ، أَوْ صَدَقَةٍ، أَوْ مَا فِي مَعْنَاهَا لِغَيْرِ وَارِثٍ، ثُمَّ مَاتَ فَهِيَ مِنْ الثُّلُثِ فَإِنْ كَانَ مَعَهَا وَصَايَا فَهِيَ مَبْدَأَةٌ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا عَطِيَّةُ بَتَاتٍ قَدْ مُلِّكَتْ عَلَيْهِ مِلْكًا يَتِمُّ بِصِحَّتِهِ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ وَيَتِمُّ بِمَوْتِهِ مِنْ ثُلُثِهِ إنْ حَمَلَهُ وَالْوَصَايَا مُخَالِفَةٌ لِهَذَا.
الْوَصَايَا لَمْ تُمَلَّكْ عَلَيْهِ وَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا، وَلَا تُمَلَّكُ إلَّا بِمَوْتِهِ وَبَعْدَ انْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَى غَيْرِهِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَمَا كَانَ مِنْ عَطِيَّةِ بَتَاتٍ فِي مَرَضِهِ لَمْ يَأْخُذْ بِهَا عِوَضًا أَعْطَاهُ إيَّاهَا، وَهُوَ يَوْمَ أَعْطَاهُ مِمَّنْ يَرِثُهُ لَوْ مَاتَ أَوَّلًا يَرِثُهُ فَهِيَ مَوْقُوفَةٌ، فَإِذَا مَاتَ فَإِنْ كَانَ الْمُعْطَى وَارِثًا لَهُ حِينَ مَاتَ أُبْطِلَتْ الْعَطِيَّةُ؛ لِأَنِّي إذَا جَعَلْتُهَا مِنْ الثُّلُثِ لَمْ أَجْعَلْ لِوَارِثٍ فِي الثُّلُثِ شَيْئًا مِنْ جِهَةِ الْوَصِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ الْمُعْطَى حِينَ مَاتَ الْمُعْطِي غَيْرَ وَارِثٍ أَجَزْتهَا لَهُ؛ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ لِغَيْرِ وَارِثٍ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَمَا كَانَ مِنْ عَطَايَا الْمَرِيضِ عَلَى عِوَضٍ أَخَذَهُ مِمَّا يَأْخُذُ النَّاسُ مِنْ الْأَمْوَالِ فِي الدُّنْيَا فَأَخَذَ بِهِ عِوَضًا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ، ثُمَّ مَاتَ فَهُوَ جَائِزٌ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَإِنْ أَخَذَ بِهِ عِوَضًا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ فَالزِّيَادَةُ عَطِيَّةٌ بِلَا عِوَضٍ فَهِيَ مِنْ الثُّلُثِ فَمَنْ جَازَتْ لَهُ وَصِيَّةٌ جَازَتْ لَهُ وَمَنْ لَمْ تَجُزْ لَهُ وَصِيَّةٌ لَمْ تَجُزْ لَهُ الزِّيَادَةُ وَذَلِكَ، الرَّجُلُ يَشْتَرِي الْعَبْدَ، أَوْ يَبِيعُهُ، أَوْ الْأَمَةَ، أَوْ الدَّارَ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَمْلِكُ الْآدَمِيُّونَ، فَإِذَا بَاعَ الْمَرِيضُ وَدَفَعَ إلَيْهِ ثَمَنَهُ، أَوْ لَمْ يَدْفَعْ حَتَّى مَاتَ فَقَالَ وَرَثَتُهُ حَابَاك فِيهِ، أَوْ غَبَنْته فِيهِ نُظِرَ إلَى قِيمَةِ الْمُشْتَرَى يَوْمَ وَقَعَ الْبَيْعُ وَالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ فَإِنْ كَانَ اشْتَرَاهُ بِمَا يَتَغَابَنُ أَهْلُ الْمِصْرِ بِمِثْلِهِ كَانَ الشِّرَاءُ جَائِزًا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ اشْتَرَاهُ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ كَانَ مَا يَتَغَابَنُ أَهْلُ الْمِصْرِ بِمِثْلِهِ جَائِزًا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَمَا جَاوَزَهُ جَائِزًا مِنْ الثُّلُثِ فَإِنْ حَمَلَهُ الثُّلُثَ جَازَ لَهُ الْبَيْعُ، وَإِنْ لَمْ يَحْمِلْهُ الثُّلُثَ قِيلَ لِلْمُشْتَرِي لَك الْخِيَارُ فِي رَدِّ الْبَيْعِ إنْ كَانَ قَائِمًا وَتَأْخُذُ ثَمَنَهُ الَّذِي أُخِذَ مِنْك، أَوْ تُعْطِي الْوَرَثَةَ الْفَضْلَ عَمَّا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ مِمَّا لَمْ يَحْمِلْهُ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ فَائِتًا رَدَّ مَا بَيْنَ قِيمَةِ مَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ مِمَّا لَمْ يَحْمِلْهُ الثُّلُثُ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْبَيْعُ قَائِمًا قَدْ دَخَلَهُ عَيْبٌ رَدَّ قِيمَتَهُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَإِنْ كَانَ الْمَرِيضُ الْمُشْتَرِيَ فَهُوَ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَيُقَالُ لِلْبَائِعِ الْبَيْعُ جَائِزٌ فِيمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَبِمَا جَاوَزَ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ مِنْ الثُّلُثِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ثُلُثٌ، أَوْ كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute