الْحُجَّةُ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي دَارِ الْحَرْبِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: كَيْفَ أَجَزْت لِبَعْضِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَأْكُلَ وَيَشْرَبَ وَيَعْلِفَ مِمَّا أَصَابَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ تَجُزْ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ بَعْدَ فِرَاقِهِ إيَّاهَا؟ قِيلَ: إنَّ الْغُلُولَ حَرَامٌ وَمَا كَانَ فِي بِلَادِ الْحَرْبِ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا دُونَ أَحَدٍ حَضَرَهُ فَهُمْ فِيهِ شَرْعٌ سَوَاءٌ عَلَى مَا قُسِمَ لَهُمْ فَلَوْ أَخَذَ إبْرَةً أَوْ خَيْطًا كَانَ مُحَرَّمًا وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَدُّوا الْخَيْطَ وَالْمِخْيَطَ فَإِنَّ الْغُلُولَ عَارٌ وَشَنَارٌ وَنَارٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فَكَانَ الطَّعَامُ دَاخِلًا فِي مَعْنَى أَمْوَالِ الْمُشْرِكِينَ وَأَكْثَرُ مِنْ الْخَيْطِ وَالْمِخْيَطِ وَالْفَلْسِ وَالْخَرَزَةِ الَّتِي لَا يَحِلُّ أَخْذُهَا لِأَحَدٍ دُونَ أَحَدٍ فَلَمَّا أَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الطَّعَامِ فِي بِلَادِ الْحَرْبِ كَانَ الْإِذْنُ فِيهِ خَاصًّا خَارِجًا مِنْ الْجُمْلَةِ الَّتِي اسْتَثْنَى فَلَمْ يَجُزْ أَنْ نُجِيزَ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْكُلَ إلَّا حَيْثُ أَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْأَكْلِ وَهُوَ بِبِلَادِ الْحَرْبِ خَاصَّةً فَإِذَا زَايَلَهَا لَمْ يَكُنْ بِأَحَقَّ بِمَا أَخَذَ مِنْ الطَّعَامِ مِنْ غَيْرِهِ كَمَا لَا يَكُونُ بِأَحَقَّ بِمِخْيَطٍ لَوْ أَخَذَهُ مَنْ غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا أَحَلَّ مِنْ مُحَرَّمٍ فِي مَعْنَى لَا يَحِلُّ إلَّا فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى خَاصَّةً فَإِذَا زَايَلَ ذَلِكَ الْمَعْنَى عَادَ إلَى أَصْلِ التَّحْرِيمِ مَثَلًا الْمَيْتَةُ الْمُحَرَّمَةُ فِي الْأَصْلِ الْمُحَلَّةِ لِلْمُضْطَرِّ فَإِذَا زَايَلَتْ الضَّرُورَةَ عَادَتْ إلَى أَصْلِ التَّحْرِيمِ مَعَ أَنَّهُ يُرْوَى مِنْ حَدِيثِ بَعْضِ النَّاسِ مِثْلُ مَا قُلْت مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَذِنَ لَهُمْ أَنْ يَأْكُلُوا فِي بِلَادِ الْعَدُوِّ وَلَا يَخْرُجُوا بِشَيْءٍ مِنْ الطَّعَامِ فَإِنْ كَانَ مِثْلُ هَذَا ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا حُجَّةَ لِأَحَدٍ مَعَهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَثْبُتُ لِأَنَّ فِي رِجَالِهِ مَنْ يَجْهَلُ وَكَذَلِكَ فِي رِجَالِ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ إحْلَالُهُ مَنْ يُجْهَلُ.
بَيْعُ الطَّعَامِ فِي دَارِ الْحَرْبِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا تَبَايَعَ رَجُلَانِ طَعَامًا بِطَعَامٍ فِي بِلَادِ الْعَدُوِّ فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَخَذَ مُبَاحًا بِمُبَاحٍ فَأَكَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا صَارَ إلَيْهِ مَا لَمْ يَخْرُجْ فَإِذَا خَرَجَ رَدَّ الْفَضْلَ فَإِذَا جَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ طَعَامًا فَيُطْعِمَهُ غَيْرَهُ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ يَحِلُّ لِغَيْرِهِ أَنْ يَأْخُذَ كَمَا أَخَذَ فَيَأْكُلَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُبَايِعَهُ بِهِ.
الرَّجُلُ يَكُونُ مَعَهُ الطَّعَامُ فِي دَارِ الْحَرْبِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا فَضَلَ فِي يَدَيْ رَجُلٍ طَعَامٌ بِبِلَادِ الْعَدُوِّ بَعْدَ تَقَضِّي الْحَرْبِ وَدَخَلَ رَجُلٌ لَمْ يُشْرِكْهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ فَبَايَعَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ أَعْطَى مَنْ لَيْسَ لَهُ أَكْلُهُ وَالْبَيْعُ مَرْدُودٌ فَإِنْ فَاتَ رَدَّ قِيمَتَهُ إلَى الْإِمَامِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ حَبْسُهَا وَلَا إخْرَاجُهَا مِنْ يَدَيْهِ إلَى مَنْ لَيْسَ لَهُ أَكْلُهَا وَكَانَ كَإِخْرَاجِهِ إيَّاهَا مِنْ بِلَادِ الْعَدُوِّ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ أَكْلُهَا فِيهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute