الرَّتْقِ أَنْ يَكُونَ مَجْبُوبًا فَأُخَيِّرُهَا مَكَانَهَا فَإِنْ كَانَتْ بِخَصْلَةٍ وَاحِدَةٍ مِمَّا لَهَا فِيهِ الْخِيَارُ فَلَمْ تَخْتَرْ فِرَاقَهُ وَثَبَتَتْ مَعَهُ عَلَيْهَا فَحَدَثَ بِهِ أُخْرَى فَلَهَا مِنْهُ الْخِيَارُ وَكَذَلِكَ إنْ عَلِمَتْ بِاثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ فَاخْتَارَتْ الْمَقَامَ مَعَهُ جَعَلْت لَهَا فِيمَا سِوَاهَا الْخِيَارَ وَهَكَذَا هُوَ فِيمَا كَانَ بِهَا وَإِنْ عَلِمَتْ بِهِ فَتَرَكَتْهُ وَهِيَ تَعْلَمُ الْخِيَارَ لَهَا فَذَلِكَ كَالرِّضَا بِالْمُقَامِ مَعَهُ وَلَا خِيَارَ لَهَا وَإِنْ عَلِمَ شَيْئًا بِهَا فَأَصَابَهَا فَلَهَا الصَّدَاقُ الَّذِي سَمَّى لَهَا وَلَا خِيَارَ لَهُ إنْ شَاءَ طَلَّقَ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَهَلْ فِيهِ مِنْ عِلَّةٍ جَعَلْت لَهَا الْخِيَارَ غَيْرَ الْأَثَرِ؟ قِيلَ نَعَمْ الْجُذَامُ وَالْبَرَصُ فِيمَا يَزْعُمُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالطِّبِّ وَالتَّجَارِبِ تَعَدَّى الزَّوْجُ كَثِيرًا وَهُوَ دَاءٌ مَانِعٌ لِلْجِمَاعِ لَا تَكَادُ نَفْسُ أَحَدٍ أَنْ تَطِيبَ بِأَنْ يُجَامِعَ مَنْ هُوَ بِهِ وَلَا نَفْسُ امْرَأَةٍ أَنْ يُجَامِعَهَا مَنْ هُوَ بِهِ فَأَمَّا الْوَلَدُ فَبَيِّنٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنَّهُ إذَا وَلَدَهُ أَجْذَمَ أَوْ أَبْرَصَ أَوْ جَذْمَاءَ أَوْ بَرْصَاءَ قَلَّمَا يَسْلَمُ وَإِنْ سَلِمَ أَدْرَكَ نَسْلَهُ وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ فَأَمَّا الْجُنُونُ وَالْخَبَلُ فَتُطْرَحُ الْحُدُودُ عَنْ الْمَجْنُونِ وَالْمَخْبُولِ مِنْهُمَا وَلَا يَكُونُ مِنْهُ تَأْدِيَةُ حَقٍّ لِزَوْجٍ وَلَا زَوْجَةٍ بِعَقْلٍ وَلَا امْتِنَاعٌ مِنْ مُحَرَّمٍ بِعَقْلٍ وَلَا طَاعَةٌ لِزَوْجٍ بِعَقْلٍ وَقَدْ يُقْتَلُ أَيُّهُمَا كَانَ بِهِ زَوْجُهُ وَوَلَدُهُ وَيَتَعَطَّلُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ فِي كَثِيرِ مَا يَجِبُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ حَتَّى يُطَلِّقَهَا فَلَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ وَيُرَدُّ خُلْعُهُ فَلَا يَجُوزُ خُلْعُهُ وَهِيَ لَوْ دَعَتْ إلَى مَجْنُونٍ فِي الِابْتِدَاءِ كَانَ لِلْوُلَاةِ مَنْعُهَا مِنْهُ كَمَا يَكُونُ لَهُمْ مَنْعُهَا مِنْ غَيْرِ الْكُفْءِ وَإِذَا جُعِلَ لَهَا الْخِيَارُ بِأَنْ يَكُونَ مَجْبُوبًا أَوْ لَهُ بِأَنْ تَكُونَ رَتْقَاءَ كَانَ الْخَبَلُ وَالْجُنُونُ أَوْلَى بِجِمَاعِ مَا وَصَفْت أَنْ يَكُونَ لَهَا وَلَهُ الْخِيَارُ وَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ لَهَا فِيهِ الْخِيَارُ مِنْ أَنْ لَا يَأْتِيَهَا فَيُؤَجَّلُ فَإِنْ لَمْ يَأْتِهَا خُيِّرَتْ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَإِنْ قَالَ فَهَلْ مِنْ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقَعُ فِيهِ الْخِيَارُ أَوْ الْفُرْقَةُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ وَلَا اخْتِلَافِ دِينَيْنِ؟ قِيلَ نَعَمْ جَعَلَ اللَّهُ لِلْمُولِي تَرَبُّصَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ أَوْجَبَ عَلَيْهِ بِمُضِيِّهَا أَنْ يَفِيءَ أَوْ يُطَلِّقَ وَذَلِكَ أَنَّهُ امْتَنَعَ مِنْ الْجِمَاعِ بِيَمِينٍ لَوْ كَانَتْ عَلَى غَيْرِ مَأْتَمٍ كَانَتْ طَاعَةُ اللَّهِ أَنْ لَا يَحْنَثَ فَلَمَّا كَانَتْ عَلَى مَعْصِيَةٍ أُرَخِّصُ لَهُ فِي الْحِنْثِ وَفَرْضُ الْكَفَّارَةِ فِي الْإِيمَانِ فِي غَيْرِ ذِكْرِ الْمُولِي فَكَانَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ فَإِنْ لَمْ يَحْنَثْ أَوْجَبْت عَلَيْهِ الطَّلَاقَ وَالْعِلْمُ يُحِيطُ أَنَّ الضَّرَرَ بِمُعَاشَرَةِ الْأَجْذَمِ وَالْأَبْرَصِ وَالْمَجْنُونِ وَالْمَخْبُولِ أَكْثَرُ مِنْهُ بِمُعَاشَرَةِ الْمُولِي مَا لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَفْتَرِقَانِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَعْنَى فَكُلُّ مَوْضِعٍ مِنْ النِّكَاحِ لَمْ أَفْسَخْهُ بِحَالٍ فَعَقْدُهُ غَيْرُ مُحَرَّمٍ وَإِنَّمَا جَعَلْنَا الْخِيَارَ فِيهِ بِالْعِلَّةِ الَّتِي فِيهِ فَالْجِمَاعُ فِيهِ مُبَاحٌ وَأَيُّ الزَّوْجَيْنِ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ فَمَاتَ أَوْ مَاتَ الْآخَرُ قَبْلَ الْخِيَارِ تَوَارَثَا وَيَقَعُ الطَّلَاقُ مَا لَمْ يَخْتَرْ لَهُ، الْخِيَارُ فَسْخُ الْعُقْدَةِ فَإِذَا اخْتَارَهَا لَمْ يَقَعْ طَلَاقٌ وَلَا إيلَاءٌ وَلَا ظِهَارٌ وَلَا لِعَانٌ وَلَا مِيرَاثٌ.
الْأَمَةُ تَغُرُّ بِنَفْسِهَا
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا أَذِنَ الرَّجُلُ لِأَمَتِهِ فِي نِكَاحِ رَجُلٍ وَوَكَّلَ رَجُلًا بِتَزْوِيجِهَا فَخَطَبَهَا الرَّجُلُ إلَى نَفْسِهَا فَذَكَرَتْ أَنَّهَا حُرَّةٌ وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ الَّذِي زَوَّجَهَا أَوْ ذَكَرَ الَّذِي زَوَّجَهَا وَلَمْ تَذْكُرْهُ أَوْ ذَكَرَاهُ مَعًا فَتَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ فَعَلِمَ بَعْدَ عَقْدِ النِّكَاحِ وَقَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ أَنَّهَا أَمَةٌ فَلَهُ الْخِيَارُ فِي الْمُقَامِ مَعَهَا أَوْ فِرَاقِهَا إنْ كَانَ مِمَّنْ يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا بِأَنْ لَا يَجِدَ طَوْلًا لِحُرَّةٍ وَيَخَافَ الْعَنَتَ فَإِنْ اخْتَارَ فِرَاقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا نِصْفَ مَهْرٍ وَلَا مُتْعَةَ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى أَصَابَهَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا كَانَ أَقَلَّ مِمَّا سَمَّى لَهَا أَوْ أَكْثَرَ إنْ اخْتَارَ فِرَاقَهَا وَالْفِرَاقُ فَسْخٌ بِغَيْرِ طَلَاقٍ أَلَا تَرَى أَنْ لَوْ جَعَلَهُ تَطْلِيقَةً لَزِمَهُ أَنْ يَكُونَ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ الَّذِي فَرَضَ لَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَكَّلَهُ بَعْدَ الدُّخُولِ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَوْجَبَ لِلْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ نِصْفَ الْمَهْرِ وَلَا يَرْجِعُ بِمَهْرِهَا عَلَيْهَا وَلَا عَلَى الَّذِي غَرَّهُ مِنْ نِكَاحِهَا بِحَالٍ لِأَنَّ الْإِصَابَةَ تُوجِبُ الْمَهْرَ إذَا دُرِئَ فِيهَا الْحَدُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute