للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَنْ يَحِلُّ الْجَمْعُ بَيْنَهُ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ امْرَأَةَ الرَّجُلِ وَابْنَتَهُ لِأَنَّهُ لَا نَسَبَ بَيْنَهُمَا يَحْرُمُ بِهِ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لَهُ وَلَا رِضَاعَ وَإِنَّمَا يَحْرُمُ الْجَمْعُ فِي بَعْضِ ذَوَاتِ الْأَنْسَابِ بِمَنْ جَمَعَهُنَّ إلَيْهِ وَقَامَ الرِّضَاعُ مَقَامَ النَّسَبِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ صَفْوَانَ جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَةِ رَجُلٍ مِنْ ثَقِيفٍ وَابْنَتِهِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ الْحَسَنَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ جَمَعَ ابْنُ عُمَرَ لِي بَيْنَ ابْنَتَيْ عَمٍّ لَهُ فَأَصْبَحَ النِّسَاءُ لَا يَدْرِينَ أَيْنَ يَذْهَبْنَ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ وَيُزَوِّجَ ابْنَتَهَا ابْنَهُ لِأَنَّ الرَّجُلَ غَيْرُ ابْنِهِ قَدْ يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ مَا لَا يَحْرُمُ عَلَى ابْنِهِ، وَكَذَلِكَ يُزَوِّجُهُ أُخْتَ امْرَأَتِهِ.

الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا» (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَبِهَذَا نَأْخُذُ وَهُوَ قَوْلُ مَنْ لَقِيت مِنْ الْمُفْتِينَ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ فِيمَا عَلِمْته وَلَا يُرْوَى مِنْ وَجْهٍ يُثْبِتُهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ لَا يُثْبِتُهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَفِي هَذَا حُجَّةٌ عَلَى مَنْ رَدَّ الْحَدِيثَ وَعَلَى مَنْ أَخَذَ بِالْحَدِيثِ مَرَّةً وَتَرَكَهُ أُخْرَى إلَّا أَنَّ الْعَامَّةَ إنَّمَا تَبِعَتْ فِي تَحْرِيمِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا قَوْلَ الْفُقَهَاءِ، وَلَمْ نَعْلَمْ فَقِيهًا سُئِلَ لِمَ حَرُمَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا إلَّا قَالَ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا أَثْبَتَ بِحَدِيثٍ مُنْفَرِدٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا فَحَرَّمَهُ بِمَا حَرَّمَهُ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عِلْمَ لَهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجَبَ عَلَيْهِ إذَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدِيثًا آخَرَ لَا يُخَالِفُهُ أَحَدٌ بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُحَرِّمَ بِهِ مَا حَرَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُحِلَّ بِهِ مَا أَحَلَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ فَعَلْنَا هَذَا فِي حَدِيثِ التَّغْلِيسِ وَغَيْرِ حَدِيثٍ وَفَعَلَهُ غَيْرُنَا فِي غَيْرِ حَدِيثِ، ثُمَّ يَتَحَكَّمُ كَثِيرٌ مِمَّنْ جَامَعْنَا عَلَى تَثْبِيتِ الْحَدِيثِ فَيُثْبِتُهُ مَرَّةً وَيَرُدُّهُ أُخْرَى وَأَقَلُّ مَا عَلِمْنَا بِهَذَا أَنْ يَكُونَ مُخْطِئًا فِي التَّثْبِيتِ أَوْ فِي الرَّدِّ لِأَنَّهَا طَرِيقٌ وَاحِدَةٌ فَلَا يَجُوزُ تَثْبِيتُهَا مَرَّةً وَرَدُّهَا أُخْرَى وَحُجَّتُهُ عَلَى مَنْ قَالَ لَا أَقْبَلُ إلَّا الْإِجْمَاعَ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ إجْمَاعًا تَحْرِيمُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا وَلَيْسَ يُسْأَلُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلِمْتُهُ إلَّا قَالَ إنَّمَا نُثْبِتُهُ مِنْ الْحَدِيثِ وَهُوَ يَرُدُّ مِثْلَ هَذَا الْحَدِيثِ وَأَقْوَى مِنْهُ مِرَارًا، قَالَ وَلَيْسَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا مِمَّا أَحَلَّ وَحَرَّمَ فِي الْكِتَابِ مَعْنًى، إلَّا أَنَّا إذَا قَبِلْنَا تَحْرِيمَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَنْ اللَّهِ تَعَالَى قَبِلْنَاهُ بِمَا فَرَضَ مِنْ طَاعَتِهِ.

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: قَدْ ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ حَرُمَ مِنْ النِّسَاءِ وَأَحَلَّ مَا وَرَاءَهُنَّ؟ قِيلَ الْقُرْآنُ عَرَبِيُّ اللِّسَانِ مِنْهُ مُحْتَمَلٌ وَاسِعٌ ذَكَرَ اللَّهُ مَنْ حَرُمَ بِكُلِّ حَالٍ فِي الْأَصْلِ وَمَنْ حَرُمَ بِكُلِّ حَالٍ إذَا فَعَلَ النَّاكِحُ أَوْ غَيْرُهُ فِيهِ شَيْئًا مِثْلَ الرَّبِيبَةِ إذَا دَخَلَ بِأُمِّهَا حَرُمَتْ وَمِثْلَ امْرَأَةِ ابْنِهِ وَأَبِيهِ إذَا نَكَحَهَا أَبُوهُ حَرُمَتْ عَلَيْهِ بِكُلِّ حَالٍ، وَكَانُوا يَجْمَعُونَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فَحَرَّمَهُ وَلَيْسَ فِي تَحْرِيمِهِ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إبَاحَةُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ مَا عَدَا الْأُخْتَيْنِ إذَا كَانَ مَا عَدَا الْأُخْتَيْنِ مُخَالِفًا لَهُمَا كَانَ أَصْلًا فِي نَفْسِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>