وَأَرْبَحَ فِيهَا مِائَةَ أَلْفٍ عَلَى أَنْ يَقِذَهَا لَهُمْ فَوَقَذَهَا كُلَّهَا وَتِلْكَ عِنْدَهُ ذَكَاتُهَا فَأَحْرَقَهَا أَحَدُهُمْ أَوْ مُسْلِمٌ فَقَالَ قَدْ أَحْرَقَ هَذَا مَالِي الَّذِي ابْتَعْته بَيْنَ يَدَيْكَ وَأَرْبَحْت فِيهِ بِمَحْضَرِكَ بِمِثْلِ مَا ابْتَعْته بِهِ وَهُوَ مِائَةُ أَلْفٍ؟ قَالَ لَا يَغْرَمُ شَيْئًا قَالَ وَلِمَ؟ هَذَا مَالِي تُقِرُّنِي عَلَيْهِ مُذْ كُنْت وَتِجَارَتِي أُحْرِقُهَا؟ قَالَ هَذَا حَرَامٌ. قُلْت: فَإِنْ قَالَ لَكَ أَرَأَيْت الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ أَحَلَالٌ هُمَا؟ قَالَ: لَا قُلْت فَإِنْ قَالَ فَلِمَ أَجَزْت بَيْعَهُمَا عِنْدَك وَحَكَمْت عَلَى مَنْ اسْتَهْلَكَهُمَا بِثَمَنِهِمَا إنْ كَانَا يَتَمَوَّلَانِ وَتُقِرُّهُمْ عَلَى تَمَوُّلِهِمَا وَهُمَا حَرَامٌ وَلَمْ تَحْكُمْ لِي بِثَمَنِ الْمَيْتَةِ وَهِيَ تُمَوَّلُ وَقَدْ كَانَتْ حَلَالًا قَبْلَ قَتْلِهَا عِنْدَكَ وَجِلْدُهَا حَلَالٌ إذَا دَبَغْته؟ وَإِنْ كَانَتْ الْمَيْتَةُ وَالْخِنْزِيرُ لَمْ تَكُنْ حَلَالًا قَطُّ عِنْدَك وَلَا يَكُونُ الْخِنْزِيرُ حَلَالًا بِحَالٍ أَبَدًا.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَقَالَ لِي بَعْضُهُمْ قَوْلُنَا هَذَا مَدْخُولٌ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ فَمَا حُجَّتُكَ فِي قَوْلِكَ؟ فَوَصَفْت لَهُ كِتَابَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ نَحْكُمَ بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى نَبِيِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ثُمَّ حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي حَكَمَ بِهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الرَّجْمِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَقُلْت لَهُ: أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ وَكِتَابُكُمْ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحْدَثُ الْأَخْبَارِ تَقْرَءُونَهُ مَحْضًا لَمْ يَشِبَّ أَلَمْ يُخْبِرْكُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ أَنَّهُمْ حَرَّفُوا كِتَابَ اللَّهِ تَبَارَكَ اسْمُهُ وَبَدَّلُوا وَكَتَبُوا الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ وَقَالُوا {هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ} أَلَا يَنْهَاكُمْ الْعِلْمُ الَّذِي جَاءَكُمْ عَنْ مَسْأَلَتِهِمْ؟ وَاَللَّهِ مَا رَأَيْنَا أَحَدًا مِنْهُمْ يَسْأَلُكُمْ عَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إلَيْكُمْ وَقُلْت لَهُ: أَمَرَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالْحُكْمِ بَيْنَهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ الْمُنَزَّلِ عَلَى نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا كِتَابَهُ الَّذِي أَنْزَلَ وَكَتَبُوا الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ فَقَالُوا {هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ}.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَقُلْت لَهُ تَرَكَ أَصْحَابُكَ مَا وَصَفْنَا مِنْ حُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ حُكْمِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لِمَ أَقَمْتُمْ الْحُدُودَ عَلَى الْمُعَاهِدِينَ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا فِي دِينِهِمْ وَأَبْطَلْتُمْ الْحُدُودَ فِي قَذْفِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا وَإِنْ كَانُوا يَرَوْنَهَا بَيْنَهُمْ؟ قَالُوا بِأَنَّ حُكْمَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى خَلْقِهِ وَاحِدٌ وَبِذَلِكَ أَبْطَلْنَا الزِّنَا بَيْنَهُمْ وَنِكَاحَ الرَّجُلِ حَرِيمَهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا بَيْنَهُمْ. فَإِذَا قِيلَ لَهُمْ فَحُكْمُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَدُلُّ عَلَى أَنْ تَحْكُمَ بَيْنَهُمْ حُكْمَنَا فِي الْإِسْلَامِ قَالُوا: نَعَمْ فَإِذَا قِيلَ فَلِمَ أَجَزْتُمْ بَيْنَهُمْ ثَمَنَ الْخِنْزِيرِ وَغَرَّمْتُمْ ثَمَنَهُ وَلَيْسَ مِنْ حُكْمِ الْإِسْلَامِ أَنْ يَجُوزَ ثَمَنُ الْحَرَامِ؟ قَالُوا هِيَ أَمْوَالُهُمْ وَقَدْ أَبْطَلُوا أَمْوَالَهُمْ بَيْنَهُمْ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَرَجَعَ بَعْضُهُمْ إلَى قَوْلِنَا وَقَالَ هَذَا قَوْلٌ مُسْتَقِيمٌ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ سُنَّةِ نَبِيِّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَخْتَلِفُ وَأَقَامَ بَعْضُهُمْ عَلَى قَوْلِهِمْ مَعَ مَا وَصَفْت لَكَ مِنْ تَنَاقُضِهِ وَسَكَتُّ عَنْ بَعْضٍ لِلِاكْتِفَاءِ بِمَا وَصَفْت لَك مِمَّا لَمْ أَصِفْ. .
حَدُّ الْخَمْرِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ يَرْفَعُهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ ثُمَّ إنْ شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ ثُمَّ إنْ شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ ثُمَّ إنْ شَرِبَ فَاقْتُلُوهُ فَأُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ فَجَلَدَهُ ثُمَّ أُتِيَ بِهِ الثَّانِيَةَ فَجَلَدَهُ ثُمَّ أُتِيَ بِهِ الثَّالِثَةَ فَجَلَدَهُ ثُمَّ أُتِيَ بِهِ الرَّابِعَةَ فَجَلَدَهُ وَوَضَعَ الْقَتْلَ» فَكَانَتْ رُخْصَةً (قَالَ): سُفْيَانُ ثُمَّ قَالَ الزُّهْرِيُّ لِمَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ وَمُخَوَّلٍ كُونَا وَافِدَيْ أَهْلِ الْعِرَاقِ بِهَذَا الْحَدِيثِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَالْقَتْلُ مَنْسُوخٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ وَهَذَا مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute