وَهِيَ مِثْلُ لَبَنٍ خَلَطَهُ مَاءٌ بِلَبَنٍ خَلَطَهُ مَاءٌ أَوْ لَمْ يَخْلِطْهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ قَدْرُ مَا دَخَلَهُ أَوْ دَخَلَهَا مَا مَعًا مِنْ الْمَاءِ فَيَكُونُ اللَّبَنُ بِاللَّبَنِ مُتَفَاضِلًا
بَابُ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): الرُّطَبُ يَعُودُ تَمْرًا وَلَا أَصْلَ لِلتَّمْرِ إلَّا الرُّطَبَ فَلَمَّا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَكَانَ فِي الْخَبَرِ عَنْهُ أَنَّ نَهْيَهُ عَنْهُ أَنَّهُ نَظَرَ فِي الْمُعْتَقَبِ وَكَانَ مَوْجُودًا فِي سُنَّتِهِ تَحْرِيمُ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَأْكُولِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ قُلْنَا بِهِ عَلَى مَا قَالَهُ وَفَسَّرَ لَنَا مَعْنَاهُ فَقُلْنَا لَا يَجُوزُ رُطَبٌ بِرُطَبٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا نَظَرَ فِيهِ فِي الْمُعْتَقَبِ فَلَا يَخْرُجُ مِنْ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ أَبَدًا مِنْ أَنْ يُبَاعَ مَجْهُولَ الْكَيْلِ إذَا عَادَ تَمْرًا وَلَا خَيْرَ فِي تَمْرٍ بِتَمْرٍ مَجْهُولِي الْكَيْلِ مَعًا وَلَا أَحَدَهُمَا مَجْهُولٌ؛ لِأَنَّ نُقْصَانَهُمَا أَبَدًا يَخْتَلِفُ فَيَكُونُ أَحَدُ التَّمْرِينِ بِالْآخَرِ وَأَحَدُهُمَا أَكْثَرُ كَيْلًا مِنْ الْآخَرِ، وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ هَذَا.
(قَالَ): فَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُبَاعَ رُطَبٌ مِنْهُ كَيْلًا بِرُطَبٍ لِمَا وَصَفْت قِيَاسًا عَلَى الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ وَاللَّحْمُ كُلُّهُ صِنْفٌ وَاحِدٌ وَحْشِيُّهُ وَطَائِرُهُ وَإِنْسِيُّهُ لَا يَحِلُّ الْفَضْلُ فِي بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ وَلَا يَحِلُّ حَتَّى يَكُونَ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ وَيَكُونَ يَابِسًا وَيَخْتَلِفُ فَيَكُونُ لَحْمُ الْوَحْشِ بِلَحْمِ الطَّيْرِ وَاحِدٌ بِاثْنَيْنِ وَأَكْثَرَ وَلَا خَيْرَ فِي تَمْرِ نَخْلَةٍ بِرُطَبِ نَخْلَةٍ بِخَرْصٍ وَلَا بِتَجْرٍ وَلَا غَيْرِهِ فَالْقَسْمُ وَالْمُبَادَلَةُ وَكُلُّ مَا أُخِذَ لَهُ عِوَضٌ مِثْلُ الْبَيْعِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَاسِمَ رَجُلٌ رَجُلًا رُطَبًا فِي نَخْلِهِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا يُبَادِلُهُ بِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّهُمَا فِي مَعْنَى الْبَيْعِ هَهُنَا إلَّا الْعَرَايَا الْمَخْصُوصَةَ وَهَكَذَا كُلُّ صِنْفٍ مِنْ الطَّعَامِ الَّذِي يَكُونُ رَطْبًا ثُمَّ يَيْبَسُ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ إلَّا مَا جَازَ فِي الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَالرُّطَبِ نَفْسِهِ بِبَعْضٍ لَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ وَهَكَذَا مَا كَانَ رَطْبًا فِرْسِكٍ وَتُفَّاحٌ وَتِينٌ وَعِنَبٌ وَإِجَّاصٌ وَكُمَّثْرَى وَفَاكِهَةٌ لَا يُبَاعُ شَيْءٌ مِنْهَا بِشَيْءٍ رَطْبًا وَلَا رَطْبٌ مِنْهَا بِيَابِسٍ وَلَا جُزَافٌ مِنْهَا بِمَكِيلٍ وَلَا يُقَسَّمُ رَطْبٌ مِنْهَا عَلَى الْأَرْضِ بِكَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ وَلَا فِي شَجَرِهَا؛ لِأَنَّ حُكْمَهَا كَمَا وَصَفْت فِي الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَالرُّطَبِ بِالرُّطَبِ وَهَكَذَا كُلُّ مَأْكُولٍ لَوْ تُرِكَ رَطْبًا يَيْبَسُ فَيَنْقُصُ وَهَكَذَا كُلُّ رُطَبٍ لَا يَعُودُ تَمْرًا بِحَالٍ وَكُلُّ رَطْبٍ مِنْ الْمَأْكُولِ لَا يَنْفَعُ يَابِسًا بِحَالٍ مِثْلُ الْخِرْبِزِ وَالْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ وَالْفَقُّوسِ وَالْجَزَرِ وَالْأُتْرُجِّ لَا يُبَاعُ مِنْهُ شَيْءٌ بِشَيْءٍ مِنْ صِنْفِهِ وَزْنًا بِوَزْنٍ وَلَا كَيْلًا بِكَيْلٍ لِمَعْنًى مَا فِي الرُّطُوبَةِ مِنْ تَغَيُّرِهِ اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ مِنْهُ فَلَا بَأْسَ بِبِطِّيخٍ بِقِثَّاءَ مُتَفَاضِلًا جُزَافًا وَوَزْنًا وَكَيْفَمَا شَاءَ إذَا أَجَزْت التَّفَاضُلَ فِي الْوَزْنِ أَجَزْت أَنْ يُبَاعَ جُزَافًا؛ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى الْجُزَافِ يُحَرِّمُهُ إلَّا التَّفَاضُلُ وَالتَّفَاضُلُ فِيهِمَا مُبَاحٌ وَهَكَذَا جَزَرٌ بِأُتْرُجٍّ وَرُطَبٌ بِعِنَبٍ فِي شَجَرِهِ وَمَوْضُوعًا جُزَافًا وَمَكِيلًا كَمَا قُلْنَا فِيمَا اخْتَلَفَ أَصْنَافُهُ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالذُّرَةِ وَالزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى لَا يُخَالِفُهُ وَفِي كُلِّ مَا خَرَجَ مِنْ الْأَرْضِ مِنْ مَأْكُولٍ وَمِنْ مَشْرُوبٍ وَالرَّطْبُ مِنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا يَكُونُ رَطْبًا ثُمَّ يُتْرَكُ بِلَا عَمَلٍ مِنْ عَمَلِ الْآدَمِيِّينَ يُغَيِّرُهُ عَنْ بِنْيَةِ خِلْقَتِهِ مِثْلُ مَا يُطْبَخُ فَتَنْقُصُهُ النَّارُ وَيُحْمَلُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ فَيَذْهَبُ رُطُوبَتُهُ وَيُغَيِّرُهُ مِثْلُ الرُّطَبِ يَعُود تَمْرًا وَاللَّحْمِ يُقَدَّدُ بِلَا طَبْخٍ يُغَيِّرُهُ وَلَا عَمَلِ شَيْءٍ حُمِلَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ فَكُلُّ مَا كَانَ مِنْ الرَّطْبِ فِي هَذَا الْمَعْنَى لَمْ يَجُزْ أَنْ يُبَاعَ مِنْهُ رَطْبٌ بِيَابِسٍ مِنْ صِنْفِهِ وَزْنًا بِوَزْنٍ وَلَا كَيْلًا بِكَيْلٍ وَلَا رَطْبٌ بِرَطْبٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ وَلَا كَيْلًا بِكَيْلٍ كَمَا وَصَفْت فِي الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَمِثْلُهُ كُلُّ فَاكِهَةٍ يَأْكُلُهَا الْآدَمِيُّونَ فَلَا يَجُوزُ رَطْبٌ بِيَابِسٍ مِنْ صِنْفِهَا وَلَا رَطْبٌ بِرَطْبٍ مِنْ صِنْفِهَا لِمَا وَصَفْته مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِالسُّنَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute