- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَقُولُ لَا نُعَزِّرُهُمَا وَيَقُولُ لِأَنِّي لَا أَدْرِي أَيُّهُمَا الصَّادِقُ مِنْ الْكَاذِبِ إذَا كَانَا شَهِدَا عَلَى فِعْلٍ فَإِنْ كَانَا شَهِدَا عَلَى إقْرَارٍ فَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ لَا أَدْرِي لَعَلَّهُمَا صَادِقَانِ جَمِيعًا وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْإِقْرَارِ وَبِهِ يَأْخُذُ، وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَرُدُّ الشَّاهِدَيْنِ وَرُبَّمَا ضَرَبَهُمَا وَعَاقَبَهُمَا، وَكَذَلِكَ لَوْ خَالَفَ الْمُدَّعِي الشَّاهِدَيْنِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَشَهِدَا بِأَكْثَرَ مِمَّا ادَّعَى فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَانَ يَقُولُ لَا نَضْرِبُهُمَا وَنَتَّهِمُ الْمُدَّعِي عَلَيْهِمَا، وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى رُبَّمَا عَزَّرَهُمَا وَضَرَبَهُمَا وَرُبَّمَا لَمْ يَفْعَلْ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا نُعَزِّرُهُمَا إذَا أَمْكَنَ صِدْقُهُمَا، وَإِذَا لَمْ يَطْعَنْ الْخَصْمُ فِي الشَّاهِدِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَقُولُ لَا يُسْأَلُ عَنْ الشَّاهِدِ، وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ يُسْأَلُ عَنْهُ وَبِهَذَا يَأْخُذُ، وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُجِيزُ شَهَادَةَ الصِّبْيَان بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِهِ يَأْخُذُ، وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يُجِيزُ شَهَادَةَ الصِّبْيَانِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَلَا يَقْبَلُ الْقَاضِي شَهَادَةَ شَاهِدٍ حَتَّى يَعْرِفَ عَدْلَهُ طَعَنَ فِيهِ الْخَصْمُ، أَوْ لَمْ يَطْعَنْ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْجِرَاحِ وَلَا غَيْرِهَا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقُوا وَلَا بَعْدَ أَنْ يَتَفَرَّقُوا؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ شَرْطِ اللَّهِ الَّذِي شَرَطَهُ فِي قَوْلِهِ {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَخَالَفَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَقَالَ نُجِيزُ شَهَادَتَهُمْ إذَا لَمْ يَتَفَرَّقُوا وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَشْبَهَ بِالْقُرْآنِ، وَالْقِيَاسِ لَا أَعْرِفُ شَاهِدًا يَكُونُ مَقْبُولًا عَلَى صَبِيٍّ وَلَا يَكُونُ مَقْبُولًا عَلَى بَالِغٍ، وَيَكُونُ مَقْبُولًا فِي مُقَامِهِ وَمَرْدُودًا بَعْدَ مُقَامِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُوَفِّقُ.
بَابٌ فِي الْأَيْمَانِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا ادَّعَى الرَّجُلُ عَلَى الرَّجُلِ دَعْوَى وَجَاءَ بِالْبَيِّنَةِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَقُولُ لَا نَرَى عَلَيْهِ يَمِينًا مَعَ شُهُودِهِ وَمِنْ حُجَّتِهِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ بَلَغَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَالْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي» فَلَا نَجْعَلُ عَلَى الْمُدَّعِي مَا لَمْ يَجْعَلْ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تُحَوَّلُ الْيَمِينُ عَنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي وَضَعَهَا عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِهِ يَأْخُذُ، وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ عَلَى الْمُدَّعِي الْيَمِينُ مَعَ شُهُودِهِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ شُهُودٌ لَمْ يَسْتَحْلِفْهُ وَجَعَلَ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَا أَرُدُّ الْيَمِينَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَرُدُّ الْيَمِينَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَتَّهِمَهُ فَيَرُدَّ الْيَمِينَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ كَذَلِكَ وَهَذَا فِي الدَّيْنِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا جَاءَ الرَّجُلُ بِشَاهِدَيْنِ عَلَى رَجُلٍ بِحَقٍّ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ مَعَ شَاهِدَيْهِ، وَلَوْ جَعَلْنَا عَلَيْهِ الْيَمِينَ مَعَ شَاهِدَيْهِ لَمْ يَكُنْ لِإِحْلَافِنَا مَعَ الشَّاهِدِ مَعْنًى، وَكَانَ خِلَافًا لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ»، وَإِذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ دَعْوَى وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ أَحْلَفْنَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ قُلْنَا لِصَاحِبِ الدَّعْوَى لَسْنَا نُعْطِيك بِنُكُولِهِ شَيْئًا إلَّا أَنْ تَحْلِفَ مَعَ نُكُولِهِ فَإِنْ حَلَفْت أَعْطَيْنَاك وَإِنْ امْتَنَعَتْ لَمْ نُعْطِك وَلِهَذَا كِتَابٌ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ.
وَإِذَا وَرِثَ الرَّجُلُ مِيرَاثًا دَارًا، أَوْ أَرْضًا، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَادَّعَى رَجُلٌ فِيهَا دَعْوَى وَلَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَحْلِفَ الَّذِي ذَلِكَ فِي يَدَيْهِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَقُولُ الْيَمِينُ عَلَى عِلْمِهِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ لِهَذَا فِيهِ حَقًّا، وَكَذَلِكَ كَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ أَيْضًا وَإِنَّمَا جَعَلَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى هَذَا الْيَمِينَ عَلَى عِلْمِهِ؛ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ لَزِمَهُ إنْ شَاءَ وَإِنْ أَبَى، وَالْبَيْعُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا بِقَبُولٍ، وَإِذَا كَانَ الشَّيْءُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا بِفِعْلِهِ وَقَبُولٍ مِنْهُ مِثْلَ الْبَيْعِ، وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ فَالْيَمِينُ فِي ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ، وَالْمِيرَاثُ لَوْ قَالَ لَا أَقْبَلُهُ كَانَ قَوْلُهُ ذَلِكَ بَاطِلًا، وَكَانَ الْمِيرَاثُ لَهُ لَازِمًا فَلِذَلِكَ كَانَتْ الْيَمِينُ عَلَى عِلْمِهِ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute