للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَوْ أَعْتَقَ لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ وَهُوَ أَيْضًا لَا يَقُولُ فِي عِتْقِ الرَّجُلِ مِنْ الْجَيْشِ قَوْلًا مُسْتَقِيمًا فَزَعَمَ أَنَّ الْجَيْشَ إذَا أَحْرَزُوا الْغَنِيمَةَ فَأَعْتَقَ رَجُلٌ مِنْ الْجَيْشِ لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ وَإِنْ كَانَ لَهُ فِيهِمْ شِرْكٌ لِأَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ وَيَقُولُ فَإِنْ قُسِّمُوا بَيْنَ أَهْلِ كُلِّ رَايَةٍ فَأَعْتَقَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الرَّايَةِ جَازَ الْعِتْقُ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ فَجَعَلَهُ مَرَّةً شَرِيكًا يَجُوزُ عِتْقُهُ وَأُخْرَى شَرِيكًا لَا يَجُوزُ عِتْقُهُ.

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْمَرْأَةِ إذَا سُبِيَتْ ثُمَّ سُبِيَ زَوْجُهَا بَعْدَهَا بِيَوْمٍ وَهُمَا فِي دَارِ الْحَرْبِ أَنَّهُمَا عَلَى النِّكَاحِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ مَا كَانَا فِي الْمَقَاسِمِ فَهُمَا عَلَى النِّكَاحِ وَإِنْ اشْتَرَاهُمَا رَجُلٌ فَشَاءَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا جَمَعَ وَإِنْ شَاءَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَأَخَذَهَا لِنَفْسِهِ أَوْ زَوَّجَهَا لِغَيْرِهِ بَعْدَمَا يَسْتَبْرِئُهَا بِحَيْضَةٍ عَلَى ذَلِكَ مَضَى الْمُسْلِمُونَ وَنَزَلَ بِهِ الْقُرْآنُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنَّمَا بَلَغَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ أَنَّهُمْ أَصَابُوا سَبَايَا وَأَزْوَاجُهُمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ وأحرزوهم دُونَ أَزْوَاجِهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُوطَأُ الْحَبَالَى مِنْ الْفَيْءِ حَتَّى يَضَعْنَ وَلَا الْحَيَالَى حَتَّى يُسْتَبْرَأْنَ بِحَيْضَةٍ حَيْضَةٍ» وَأَمَّا الْمَرْأَةُ سُبِيَتْ هِيَ وَزَوْجُهَا وَصَارَا مَمْلُوكَيْنِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ الْغَنِيمَةُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَهُمَا عَلَى النِّكَاحِ وَكَيْفَ يَجْمَعُ الْمَوْلَى بَيْنَهُمَا إنْ شَاءَ فِي قَوْلِ الْأَوْزَاعِيِّ عَلَى ذَلِكَ النِّكَاحِ فَهُوَ إذَا كَانَ صَحِيحًا فَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُزَوِّجَهَا أَحَدًا غَيْرَهُ وَلَا يَطَؤُهَا هُوَ وَإِنْ كَانَ النِّكَاحُ قَدْ انْتَقَضَ فَلَيْسَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا إلَّا بِنِكَاحٍ مُسْتَقْبَلٍ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: «سَبَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبْيَ أَوْطَاسٍ وَبَنِي الْمُصْطَلِقِ وَأَسَرَ مِنْ رِجَالِ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ وَقَسَّمَ السَّبْيَ وَأَمَرَ أَنْ لَا تُوطَأَ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلَا حَائِلٌ حَتَّى تَحِيضَ وَلَمْ يَسْأَلْ عَنْ ذَاتِ زَوْجٍ وَلَا غَيْرِهَا وَلَا هَلْ سُبِيَ زَوْجٌ مَعَ امْرَأَتِهِ وَلَا غَيْرُهُ وَقَالَ وَإِذَا اُسْتُؤْمِنَّ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ فَاسْتُبْرِئَتْ أَرْحَامُهُنَّ بِحَيْضَةٍ» فَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ تَصْيِيرَهُنَّ إمَاءً بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ قَطْعٌ لِلْعِصْمَةِ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ أَزْوَاجِهِنَّ وَلَيْسَ الْعِصْمَةُ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ أَزْوَاجِهِنَّ بِأَكْثَرَ مِنْ اسْتِئْمَانِهِنَّ بَعْدَ حُرِّيَّتِهِنَّ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَأَبُو يُوسُفَ قَدْ خَالَفَ الْخَبَرَ وَالْمَعْقُولَ أَرَأَيْت لَوْ قَالَ قَائِلٌ بَلْ انْتَظِرْ بِاَلَّتِي سُبِيَتْ أَنْ يَخْلُوَ رَحِمُهَا فَإِنْ جَاءَ زَوْجُهَا مُسْلِمًا وَأَسْلَمَتْ وَلَمْ يُسْبَ مَعَهَا كَانَا عَلَى النِّكَاحِ وَإِلَّا حَلَّتْ وَلَا أَنْتَظِرُ بِاَلَّتِي سُبِيَ مَعَهَا زَوْجُهَا إلَّا الِاسْتِبْرَاءَ ثُمَّ أُصِيبُهَا لِأَنَّ زَوْجَهَا قَدْ أُرِقَّ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ فَحَالُ حُكْمِهِ كَمَا حَالُ حُكْمِهَا أَمَا كَانَ أَوْلَى أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهُ لَوْ جَازَ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا مِنْ أَبِي يُوسُفَ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَإِنْ سُبِيَ أَحَدُهُمَا فَأُخْرِجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ أُخْرِجَ الْآخَرُ بَعْدَهُ فَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ إنْ أَدْرَكَهَا زَوْجُهَا فِي الْعِدَّةِ وَقَدْ اسْتَرَدَّهَا زَوْجُهَا وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ «كَانَ قَدْ قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْمُهَاجِرِينَ نِسْوَةٌ ثُمَّ أَتْبَعَهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ قَبْلَ أَنْ تَمْضِيَ الْعِدَّةُ فَرَدَّهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَيْهِمْ» قَالَ أَبُو يُوسُفَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ هَذَا يَنْقُضُ قَوْلَ الْأَوَّلِ زَعَمَ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ إنْ شَاءَ رَدَّهَا إلَى زَوْجِهَا وَإِنْ شَاءَ زَوَّجَهَا غَيْرَهُ وَإِنْ شَاءَ وَطِئَهَا وَهِيَ فِي دَارِ الْحَرْبِ بَعْدُ. وَزَعَمَ أَنَّهُمْ إذَا خَرَجُوا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَهِيَ مَرْدُودَةٌ عَلَى زَوْجِهَا وَرُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ فَكَيْفَ اسْتَحَلَّ أَنْ يُخَالِفَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا وَقَعَ السِّبَاءُ وَأُخْرِجَ بِهِنَّ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَقَدْ انْقَطَعَتْ الْعِصْمَةُ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّاسَ فِي السَّبَايَا أَنْ لَا تُوطَأَ الْحَبَالَى حَتَّى يَضَعْنَ وَلَا الْحَيَالَى حَتَّى يُسْتَبْرَأْنَ بِحَيْضَةٍ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِنَّ عِدَّةٌ كَانَ أَزْوَاجُهُنَّ أَحَقَّ بِهِنَّ فِيهَا إنْ جَاءُوا وَلَمْ يَأْمُرْ بِوَطْئِهِنَّ فِي عِدَّةٍ وَالْعِدَّةُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَكِنْ لَيْسَ عَلَيْهِنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>