للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُرْتَهِنُ ثُمَّ ارْتَهَنَهُ كَانَ الرَّهْنُ ثَابِتًا فَإِنْ قُتِلَ فِي يَدَيْهِ فَالْبَيْعُ ثَابِتٌ، وَقَدْ خَرَجَ الرَّهْنُ مِنْ يَدَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُقْتَلُ فَهُوَ رَهْنٌ بِحَالِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ سَرَقَ فَقُطِعَ فِي يَدَيْهِ كَانَ رَهْنًا بِحَالِهِ، وَلَوْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ لَمْ يَعْلَمْ بِارْتِدَادِهِ، وَلَا قَتْلِهِ، وَلَا سَرِقَتِهِ فَارْتَهَنَهُ ثُمَّ قُتِلَ فِي يَدِهِ أَوْ قُطِعَ كَانَ لَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ.

وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الرَّاهِنُ دَلَّسَ لِلْمُرْتَهِنِ فِيهِ بِعَيْبٍ وَدَفَعَهُ إلَيْهِ سَالِمًا فَجَنَى فِي يَدَيْهِ جِنَايَةً أَوْ أَصَابَهُ عَيْبٌ فِي يَدَيْهِ كَانَ عَلَى الرَّهْنِ بِحَالِهِ، وَلَوْ أَنَّهُ دَلَّسَ لَهُ فِيهِ بِعَيْبٍ، وَقَبَضَهُ فَمَاتَ فِي يَدَيْهِ مَوْتًا قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ فَسْخَ الْبَيْعِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ فَسْخَهُ لِمَا فَاتَ مِنْ الرَّهْنِ، وَلَيْسَ هَذَا كَمَا يُقْتَلُ بِحَقٍّ فِي يَدَيْهِ أَوْ يُقْطَعُ فِي يَدَيْهِ، وَهَكَذَا كُلُّ عَيْبٍ فِي رَهْنٍ مَا كَانَ حَيَوَانٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَلَوْ اخْتَلَفَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ فِي الْعَيْبِ فَقَالَ الرَّاهِنُ: رَهَنْتُك الرَّهْنَ، وَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ الْعَيْبِ، وَقَالَ: الْمُرْتَهِنُ مَا رَهَنْتَنِيهِ إلَّا مَعِيبًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ مَعَ يَمِينِهِ إذَا كَانَ الْعَيْبُ مِمَّا يَحْدُثُ مِثْلُهُ، وَعَلَى الْمُرْتَهِنِ الْبَيِّنَةُ فَإِنْ أَقَامَهَا فَلِلْمُرْتَهِنِ الْخِيَارُ كَمَا وَصَفْتُ.

وَإِذَا رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الْعَبْدَ أَوْ غَيْرَهُ عَلَى أَنْ يُسَلِّفَهُ سَلَفًا فَوَجَدَ بِالرَّهْنِ عَيْبًا أَوْ لَمْ يَجِدْهُ فَسَوَاءٌ، وَلَهُ الْخِيَارُ فِي أَخْذِ سَلَفِهِ حَالًّا، وَإِنْ كَانَ سَمَّاهُ مُؤَجَّلًا، وَلَيْسَ السَّلَفُ كَالْبَيْعِ وَرَهْنٍ يَتَطَوَّعُ بِهِ الرَّاهِنُ وَذَلِكَ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الْبَيْعَ إلَى أَجَلٍ بِغَيْرِ شَرْطِ رَهْنٍ فَإِذَا وَجَبَ بَيْنَهُمَا الْبَيْعُ وَتَفَرَّقَا ثُمَّ رَهَنَهُ الرَّجُلُ فَالرَّجُلُ مُتَطَوِّعٌ بِالرَّهْنِ فَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ إنْ كَانَ بِالرَّهْنِ عَيْبٌ مَا كَانَ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ كَانَ تَامًّا بِلَا رَهْنٍ، وَلَهُ إنْ شَاءَ أَنْ يَفْسَخَ الرَّهْنَ، وَكَذَلِكَ لَهُ إنْ شَاءَ لَوْ كَانَ فِي أَصْلِ الْبَيْعِ أَنْ يَفْسَخَهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ حَقًّا لَهُ فَتَرَكَهُ وَيَجُوزُ رَهْنُ الْعَبْدِ الْمُرْتَدِّ وَالْقَاتِلِ وَالْمُصِيبِ لِلْحَدِّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُزِيلُ عَنْهُ الرِّقَّ فَإِذَا قُتِلَ فَقَدْ خَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ فَإِذَا ارْتَدَّ الرَّجُلُ عَنْ الْإِسْلَامِ ثُمَّ رَهَنَ عَبْدًا لَهُ فَمَنْ أَجَازَ بَيْعَ الْمُرْتَدِّ أَجَازَ رَهْنَهُ، وَمَنْ رَدَّ بَيْعَهُ رَدَّ رَهْنَهُ.

(قَالَ الرَّبِيعُ): كَانَ الشَّافِعِيُّ يُجِيزُ رَهْنَ الْمُرْتَدِّ كَمَا يُجَوِّزُ بَيْعَهُ.

الرَّهْنُ يَجْمَعُ الشَّيْئَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ مِنْ ثِيَابٍ وَأَرْضٍ وَبِنَاءٍ وَغَيْرِهِ.

(قَالَ: الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): إذَا رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ أَرْضَهُ، وَلَمْ يَقُلْ بِبِنَائِهَا فَالْأَرْضُ رَهْنٌ دُونَ الْبِنَاءِ، وَكَذَلِكَ إنْ رَهَنَهُ أَرْضَهُ، وَلَمْ يَقُلْ بِشَجَرِهَا فَكَانَ فِيهَا شَجَرٌ مُبَدَّدٌ أَوْ غَيْرُ مُبَدَّدٍ فَالْأَرْضُ رَهْنٌ دُونَ الشَّجَرِ، وَكَذَلِكَ لَوْ رَهَنَهُ شَجَرًا وَبَيْنَ الشَّجَرِ بَيَاضٌ فَالشَّجَرُ رَهْنٌ دُونَ الْبَيَاضِ، وَلَا يَدْخُلُ فِي الرَّهْنِ إلَّا مَا سُمِّيَ، وَإِذَا رَهَنَهُ ثَمَرًا قَدْ خَرَجَ مِنْ نَخْلَةٍ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ بَيْعُهُ وَنَخْلُهُ مَعَهُ فَقَدْ رَهَنَهُ نَخْلًا وَثَمَرًا مَعَهَا فَهُمَا رَهْنٌ جَائِزٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ لَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ أَوْ كَانَ الْحَقُّ حَالًّا أَنْ يَبِيعَهُمَا مِنْ سَاعَتِهِ. وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ إلَى أَجَلٍ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ يَتَطَوَّعُ بِبَيْعِهِ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ أَوْ يَمُوتَ فَيَحِلُّ الْحَقُّ. وَإِذَا كَانَ الْحَقُّ فِي هَذَا الرَّهْنِ جَائِزًا إلَى أَجَلٍ فَبَلَغَتْ الثَّمَرَةُ وَبِيعَتْ خُيِّرَ الرَّاهِنُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ثَمَنُهَا قِصَاصًا مِنْ الْحَقِّ أَوْ مَرْهُونًا مَعَ النَّخْلِ حَتَّى يَحِلَّ الْحَقُّ.

وَلَوْ حَلَّ الْحَقُّ فَأَرَادَ بَيْعَ الثَّمَرَةِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا دُونَ النَّخْلِ لَمْ يَكُنْ لَهُ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَرَادَ قَطْعَهَا وَبَيْعَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إذَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الرَّاهِنُ فِي ذَلِكَ، وَلَوْ رَهَنَهُ الثَّمَرَةَ دُونَ النَّخْلِ طَلْعًا أَوْ مُؤَبَّرَةً أَوْ فِي أَيِّ حَالٍ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا لَمْ يَجُزْ الرَّهْنُ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا إلَّا أَنْ يَتَشَارَطَا أَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ إذَا حَلَّ حَقُّهُ قَطْعَهَا أَوْ بَيْعَهَا فَيَجُوزُ الرَّهْنُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَعْرُوفَ مِنْ الثَّمَرَةِ أَنَّهَا تُتْرَكُ إلَى أَنْ تَصْلُحَ.

أَلَا تَرَى «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ»؛ لِمَعْرِفَةِ النَّاسِ أَنَّهُ يُتْرَكُ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ، وَأَنَّ حَلَالًا أَنْ تُبَاعَ الثَّمَرَةُ عَلَى أَنْ تُقْطَعَ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمَعْنَى الَّذِي نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَكَذَا كُلُّ ثَمَرَةٍ وَزَرْعٍ رُهِنَ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ مَا لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ فَلَا يَجُوزُ رَهْنُهُ إلَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>