عَقْلُ مَنْ لَا يُعْرَفُ نَسَبُهُ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ أَعْجَمِيًّا وَكَانَ نُوبِيًا فَجَنَى فَلَا عَقْلَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ النُّوبَةِ حَتَّى يَكُونُوا يُثْبِتُونَ أَنْسَابَهُمْ إثْبَاتَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَمَنْ ثَبَتَ نَسَبُهُ قَضَيْتُ عَلَيْهِ بِالْعَقْلِ بِالنَّسَبِ، فَأَمَّا إنْ أَثْبَتُوا قُرَاهُمْ وَكَانُوا يَقُولُونَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْقَرْيَةِ أَهْلُ النَّسَبِ لَمْ أَقْضِ عَلَيْهِمْ بِالْعَقْلِ بِحَالٍ إلَّا بِإِثْبَاتِ النَّسَبِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ قَبِيلَةٍ أَعْجَمِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا لَمْ تَثْبُتْ أَنْسَابُهُمْ وَكُلُّ مَنْ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْ أَعْجَمِيٍّ أَوْ لَقِيطٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَاءٌ فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَعْقِلُوا عَنْهُ لِمَا يَجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ مِنْ وِلَايَةِ الدِّينِ وَإِنَّهُمْ يَأْخُذُونَ مَالَهُ إذَا مَاتَ، وَمَنْ انْتَسَبَ إلَى نَسَبٍ فَهُوَ مِنْهُ إلَّا أَنْ تَثْبُتَ بَيِّنَةٌ قَاطِعَةٌ بِمَا تَقْطَعُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْحُقُوقِ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَلَا تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ عَلَى دَفْعِ نَسَبٍ بِالسَّمَاعِ وَإِذَا حَكَمْنَا عَلَى أَهْلِ الْعَهْدِ وَالْمُسْتَأْمَنِينَ فِي الْعَقْلِ حَكَمْنَا عَلَيْهِمْ حُكْمَنَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ يَلْزَمُ ذَلِكَ عَوَاقِلُهُمْ الَّذِينَ يَجْرِي حُكْمُنَا عَلَيْهِمْ فَإِذَا كَانَتْ عَاقِلَةً لَا يَجْرِي حُكْمُنَا عَلَيْهَا أَلْزَمْنَا الْجَانِيَ ذَلِكَ وَمَا عَجَزَتْ عَنْهُ عَاقِلَةٌ إنْ كَانَتْ لَهُ أَلْزَمْنَاهُ فِي مَالِهِ دُونَ غَيْرِ عَاقِلَتِهِ مِنْهُمْ وَلَا نَقْضِي بِهِ عَلَى أَهْلِ دِينِهِ إذَا لَمْ يَكُونُوا عَصَبَةً لَهُ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَهُ وَلَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ لِقَطْعِ الْوِلَايَةِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُشْرِكِينَ وَأَنَّهُمْ لَا يَأْخُذُونَ مَالَهُ عَلَى الْمِيرَاثِ إنَّمَا يَأْخُذُونَهُ فَيْئًا. .
أَيْنَ تَكُونُ الْعَاقِلَةُ؟
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَالْعَاقِلَةُ النَّسَبُ فَإِذَا جَنَى الرَّجُلُ بِمَكَّةَ وَعَاقِلَتُهُ بِالشَّامِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَضَى خَبَرٌ يَلْزَمُ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَكْتُبَ حَاكِمُ مَكَّةَ إلَى حَاكِمِ الشَّامِ فَيَأْخُذُ عَاقِلَتُهُ بِالْعَقْلِ وَلَا يَحْمِلُهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَى عَاقِلَتِهِ بِمَكَّةَ بِحَالٍ وَلَهُ عَاقِلَةٌ بِأَبْعَدَ مِنْهَا، وَإِنْ امْتَنَعَتْ عَاقِلَتُهُ مِنْ أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ الْحُكْمُ جُوهِدُوا حَتَّى يُؤْخَذَ مِنْهُمْ كَمَا يُجَاهِدُونِ عَلَى كُلِّ حَقٍّ لَزِمَهُمْ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِمْ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْ غَيْرِهِمْ وَكَانَ كَحَقٍّ عَلَيْهِمْ غَلَبُوا عَلَيْهِ مَتَى قَدَرَ عَلَيْهِمْ أَخَذَ مِنْهُمْ (قَالَ): وَقَدْ قِيلَ: يَحْمِلُهُ عَاقِلَةُ الرَّجُلِ بِبَلَدِهِ ثُمَّ أَقْرَبُ الْعَوَاقِلِ بِهِمْ وَلَا يُنْتَظَرُ بِالْعَقْلِ غَائِبٌ يَقْدُمُ وَلَا رَجُلٌ بِبَلَدٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ بِكِتَابٍ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -. وَإِنْ كَانَتْ الْعَاقِلَةُ حَاضِرَةً فَغَابَ مِنْهُمْ رَجُلٌ يَحْتَمِلُ الْعَقْلَ أَخَذَ مِنْ مَالِهِ مَا يَلْزَمُهُ وَإِذَا كَانَتْ الْعَاقِلَةُ كَثِيرًا يَحْتَمِلُ الْعَقْلَ بَعْضُهُمْ عَلَى مَا وَصَفْتُ أَنَّ الرَّجُلَ يَحْتَمِلُ مِنْ الْعَقْلِ وَيَفْضُلُ وَكَانُوا حُضُورًا بِالْبَلَدِ وَأَمْوَالُهُمْ فَقَدْ قِيلَ يَأْخُذُ الْوَالِي مِنْ بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ لَزِمَ الْكُلَّ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَفُضَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَسْتَوُوا فِيهِ وَإِنْ قَلَّ كُلُّ مَا يُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَإِنْ كَانَ مَنْ يَحْضُرُ مِنْ الْعَاقِلَةِ يَحْتَمِلُ الْعَقْلَ وَمِنْهُمْ جَمَاعَةٌ غُيَّبٌ عَنْ الْبَلَدِ فَقَدْ قِيلَ يُؤْخَذُ مِنْ الْحُضُورِ دُونَ الْغُيَّبِ عَنْ الْبَلَدِ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي وَصَفْتُ فِي مِثْلِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَمَنْ ذَهَبَ إلَى هَذَا قَالَ الْجِنَايَةُ مِنْ غَيْرِ مَنْ تُؤْخَذُ مِنْهُ وَكُلٌّ يَلْزَمُهُ اسْمُ عَاقِلَةٍ رَأْيُهُمْ أُخِذَ مِنْهُ فَهُوَ مُفْضٍ عَلَيْهِ مِمَّا أُخِذَ مِنْهُ وَلَا يُؤْخَذُ حَاضِرٌ بِغَائِبٍ غَيْرِهِ (قَالَ): وَلَا أَرُدُّ الَّذِي أَخَذْت مِنْهُ عَلَى مَنْ لَمْ آخُذْ مِنْهُ وَهَذَا يُشْبِهُ مَذَاهِبَ كَثِيرَةٍ لِأَهْلِ الْعِلْمِ - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - وَمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَالَ لَوْ تَغَيَّبَ بَعْضُ الْعَاقِلَةِ وَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ ثُمَّ أُخِذَ الْعَقْلَ مِمَّنْ بَقِيَ ثُمَّ حَضَرَ الْغَائِبُ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ شَيْءٌ وَقِيلَ ذَلِكَ فِيهِ لَوْ كَانَ حَاضِرًا وَامْتَنَعَ مِنْ أَنْ يُؤَدِّيَ الْعَقْلَ وَإِذَا كَانَتْ إبِلُ الْعَاقِلَةِ مُخْتَلِفَةً أَدَّى كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مِنْ إبِلِهِ وَيُجْبَرُونَ عَلَى أَنْ يَشْتَرِكَ النَّفَرُ فِي الْبَعِيرِ بِقَدْرِ مَا يَلْزَمُهُمْ مِنْ الْعَقْلِ وَإِذَا جَنَى الْحُرُّ عَلَى الْحُرِّ خَطَأً فَمَا لَزِمَهُ مِنْ دِيَةٍ أَوْ أَرْشِ جِنَايَةٍ وَإِنْ قَلَّتْ جَعَلْتهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ. وَإِذَا جَنَى الْحُرُّ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute