وَكَذَلِكَ لَوْ قَطَعَ الْمَرِيءَ وَالْوَدَجَيْنِ دُونَ الْحُلْقُومِ لَمْ تَكُنْ ذَكَاةً مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْحَيَاةَ قَدْ تَكُونُ بَعْدَ هَذَا مُدَّةً وَإِنْ قَصُرَتْ فَلَا تَكُونُ الذَّكَاةُ إلَّا مَا يَكُونُ بَعْدَهُ حَيَاةٌ طَرْفَةَ عَيْنٍ وَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا فِي اجْتِمَاعِ قَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ دُونَ غَيْرِهِمَا.
بَابُ مَوْضِعِ الذَّكَاةِ فِي الْمَقْدُورِ عَلَى ذَكَاتِهِ وَحُكْمُ غَيْرِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): الذَّكَاةُ ذَكَاتَانِ فَذَكَاةُ مَا قُدِرَ عَلَيْهِ مِنْ وَحْشِيٍّ أَوْ إنْسِيٍّ الذَّبْحُ أَوْ النَّحْرُ وَمَوْضِعُهُمَا اللَّبَّةُ وَالْمَنْحَرُ وَالْحَلْقُ لَا مَوْضِعَ غَيْرُهُ لِأَنَّ هَذَا مَوْضِعُ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ وَالْوَدَجَيْنِ فَذَلِكَ الذَّكَاةُ فِيهِ بِمَا جَاءَتْ السُّنَّةُ وَالْآثَارُ وَمَا لَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهِ فَذَكَاتُهُ ذَكَاةُ الصَّيْدِ إنْسِيًّا كَانَ أَوْ وَحْشِيًّا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ بِأَيِّ شَيْءٍ قِسْت هَذَا؟ قِيلَ قِسْته بِالسُّنَّةِ وَالْآثَارِ وَقَدْ كَتَبْت ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ لِأَنَّ السُّنَّةَ أَنَّهُ أَمَرَ فِي الْإِنْسِيِّ بِالذَّبْحِ وَالنَّحْرِ إذَا قُدِرَ عَلَى ذَلِكَ مِنْهُ وَفِي الْوَحْشِيِّ بِالرَّمْيِ وَالصَّيْدِ بِالْجَوَارِحِ فَلَمَّا قُدِرَ عَلَى الْوَحْشِيِّ فَلَمْ يَحِلَّ إلَّا بِمَا يَحِلُّ بِهِ الْإِنْسِيُّ كَانَ مَعْقُولًا عَنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ بِهِ الصَّيْدَ فِي الْحَالِ الَّتِي لَا يُقْدَرُ عَلَيْهَا عَلَى أَنْ يَكُونَ فِيهَا مُذَكًّى بِالذَّبْحِ وَالنَّحْرِ وَكَذَلِكَ لَمَّا أَمَرَ بِالذَّبْحِ وَالنَّحْرِ فِي الْإِنْسِيِّ فَامْتَنَعَ امْتِنَاعَ الْوَحْشِيِّ كَانَ مَعْقُولًا أَنَّهُ يُذَكَّى بِمَا يُذَكَّى بِهِ الْوَحْشِيُّ الْمُمْتَنِعُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ لَا أَجِدُ هَذَا فِي الْإِنْسِيِّ قِيلَ وَلَا يَجِدُ فِي الْوَحْشِيِّ الذَّبْحَ فَإِذَا أَحَلْته إلَى الذَّبْحِ وَالْأَصْلُ الَّذِي فِي الصَّيْدِ غَيْرُ الذَّبْحِ حِينَ صَارَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ فَأَحَلَّ الْإِنْسِيَّ حِينَ صَارَ إلَى الِامْتِنَاعِ إلَى ذَكَاةِ الْوَحْشِيِّ فَإِنْ قُلْت لَا أُحِيلُ الْإِنْسِيَّ وَإِنْ امْتَنَعَ إلَى ذَكَاةِ الْوَحْشِيِّ جَازَ عَلَيْك لِغَيْرِك أَنْ يَقُولَ لَا أُحِيلُ الْوَحْشِيَّ إذَا قُدِرَ عَلَيْهِ إلَى ذَكَاةِ الْإِنْسِيِّ وَأُثْبِتُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ذَكَاتَهُ فِي أَيِّ حَالٍ مَا كَانَ وَلَا أُحِيلُهُمَا عَنْ حَالِهِمَا بَلْ هَذَا لِصَاحِبِ الصَّيْدِ أَوْلَى لِأَنِّي لَا أَعْلَمُ فِي الصَّيْدِ خَبَرًا يَثْبُتُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا وَأَعْلَمُ فِي الْإِنْسِيِّ يَمْتَنِعُ خَبَرًا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَثْبُتُ بِأَنَّهُ رَأَى ذَكَاتَهُ كَذَكَاةِ الْوَحْشِيِّ كَيْفَ يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الْمُجْتَمِعِ؟ ثُمَّ إذَا فَرَّقَ أَبْطَلَ الثَّابِتَ مِنْ جِهَةِ الْخَبَرِ وَيُثْبِتُ غَيْرَهُ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ الْخَبَرِ؟
(قَالَ): وَإِذَا رَمَى الرَّجُلُ بِسَيْفٍ أَوْ سِكِّينٍ صَيْدًا فَأَصَابَهُ بِحَدِّ السَّيْفِ أَوْ حَدِّ السِّكِّينِ فَمَارَ فِيهِ فَهُوَ كَالسَّهْمِ يُصِيبُهُ بِنَصْلِهِ وَإِنْ أَصَابَهُ بِصَفْحِ السَّيْفِ أَوْ بِمِقْبَضِهِ أَوْ قَفَاهُ إنْ كَانَ ذَا قَفًا أَوْ بِنِصَابِ السِّكِّينِ أَوْ قَفَاهُ أَوْ صَفْحِهِ فَانْحَرَفَ الْحَدُّ عَلَيْهِ حَتَّى يَمُورَ فَلَا يَأْكُلُهُ إلَّا أَنْ يُدْرِكَ ذَكَاتَهُ وَهَذَا كَالسَّهْمِ يَرْمِي بِهِ وَالْخَشَبَةِ وَالْخَنْجَرِ فَلَا يُؤْكَلُ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيَّهمْ قَتَلَهُ
(قَالَ): وَإِنْ رَمَى صَيْدًا بِعَيْنِهِ بِسَيْفٍ أَوْ سَهْمٍ وَلَا يَنْوِي أَنْ يَأْكُلَهُ فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَهُ كَمَا يَذْبَحُ الشَّاةَ لَا يَنْوِي أَنْ يَأْكُلَهَا فَيَجُوزَ لَهُ أَكْلُهَا وَلَوْ رَمَى رَجُلٌ شَخْصًا يَرَاهُ يَحْسِبُهُ خَشَبَةً أَوْ حَجَرًا أَوْ شَجَرًا أَوْ شَيْئًا فَأَصَابَ صَيْدًا فَقَتَلَهُ كَانَ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَتَنَزَّهَ عَنْ أَكْلِهِ وَلَوْ أَكَلَهُ مَا رَأَيْته مُحَرَّمًا عَلَيْهِ وَذَلِكَ أَنَّ رَجُلًا لَوْ أَخْطَأَ بِشَاةٍ لَهُ فَذَبَحَهَا لَا يُرِيدُ ذَكَاتَهَا أَوْ أَخَذَهَا بِاللَّيْلِ فَحَزَّ حَلْقَهَا حَتَّى أَتَى عَلَى ذَكَاتِهَا وَهُوَ يَرَاهَا خَشَبَةً لَيِّنَةً أَوْ غَيْرَهَا مَا بَلَغَ عِلْمِي أَنْ يَكُونَ ذَا مُحَرَّمًا مَا عَلَيْهِ وَلَوْ دَخَلَ عَلَيْنَا بِالتَّحْرِيمِ عَلَيْهِ إذَا أَتَى عَلَى مَا يَكُونُ ذَكَاةً إذَا لَمْ يَنْوِ الذَّكَاةَ دَخَلَ عَلَيْنَا أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ رَجُلًا لَوْ أَخَذَ شَاةً لِيَقْتُلَهَا لَا لِيُذَكِّيَهَا فَذَبَحَهَا وَسَمَّى لَمْ يَكُنْ لَهُ أَكْلُهَا وَدَخَلَ عَلَيْنَا أَنْ لَوْ رَمَى مَا لَا يُؤْكَلُ مِنْ الطَّائِرِ وَالدَّوَابِّ فَأَصَابَ صَيْدًا يُؤْكَلُ لَمْ يَأْكُلْهُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ قَصَدَ بِالرَّمْيَةِ قَصْدَ غَيْرِ الذَّكَاةِ وَلَا نِيَّةَ الْمَأْكُولِ وَدَخَلَ عَلَيْنَا أَنْ لَوْ أَرَادَ ذَبْحَ شَاةٍ فَأَخْطَأَ بِغَيْرِهَا فَذَبَحَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَكْلُهُ وَلَوْ أَضْجَعَ شَاتَيْنِ لِيَذْبَحَ إحْدَاهُمَا وَلَا يَذْبَحُ الْأُخْرَى فَسَمَّى وَأَمَرَ بِالسِّكِّينِ فَذَبَحَهُمَا حَلَّ لَهُ أَكْلُ الَّتِي نَوَى ذَبْحَهَا وَلَمْ يَحِلَّ لَهُ أَكْلُ الَّتِي لَمْ يَنْوِ ذَبْحَهَا وَدَخَلَ عَلَيْنَا أَكْثَرُ مِنْ هَذَا وَأَوْلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute