للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنْ يَدْخُلَ مِمَّا أَدْخَلَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْكَلَامِ وَذَلِكَ أَنْ يَذْبَحَ الرَّجُلُ شَاةَ غَيْرِهِ فَيُدْرِكَهَا الرَّجُلُ الْمَالِكُ لَهَا فَزَعَمَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهَا لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ قِبَلِ أَنَّ ذَابِحَهَا عَاصٍ لَا يَحِلُّ لَهُ أَكْلُهَا وَمَالِكُهَا غَيْرُ ذَابِحٍ لَهَا وَلَا آمِرٌ بِذَبْحِهَا وَهَذَا قَوْلٌ لَا يَسْتَقِيمُ يُخَالِفُ الْآثَارَ وَلَا أَعْلَمُ فِي الْأَمْرِ بِالذَّبْحِ وَلَا فِي النِّيَّةِ عَمَلًا غَيْرَ الذَّكَاةِ وَلَقَدْ دَخَلَ عَلَى قَائِلِ هَذَا الْقَوْلِ مِنْهُ مَا تَفَاحَشَ حَتَّى زَعَمَ أَنَّ رَجُلًا لَوْ غَصَبَ سَوْطًا مِنْ رَجُلٍ فَضَرَبَ بِهِ أَمَتَهُ حَدَّ الزِّنَا وَلَوْ كَانَ الْغَاصِبُ السُّلْطَانُ فَضَرَبَ بِهِ الْحَدَّ لَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْ هَذَيْنِ مَحْدُودًا وَكَانَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِمَا الْحَدُّ بِسَوْطٍ غَيْرِ مَغْصُوبٍ فَإِذَا كَانَ هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى غَيْرِ مَا قَالَ فَالنِّيَّةُ أَوْلَى أَنْ لَا تَكُونَ فِي الذَّبَائِحِ وَالصَّيْدِ تَعْمَلُ شَيْئًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَمَا طَلَبَتْهُ الْكِلَابُ أَوْ الْبُزَاةُ فَأَتْعَبَتْهُ فَمَاتَ وَلَمْ تَنَلْهُ فَلَا يُؤْكَلُ لِأَنَّهُ مَيْتَةٌ وَإِنَّمَا تَكُونُ الذَّكَاةُ فِيمَا نَالَتْ لِأَنَّهَا بِمَا نَالَتْ تَقُومُ مَقَامَ الذَّكَاةِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا طَلَبَ شَاةً لِيَذْبَحَهَا فَأَتْعَبَهَا حَتَّى مَاتَتْ لَمْ يَأْكُلْهَا وَمَا أُصِيبَ مِنْ الصَّيْدِ بِأَيِّ سِلَاحٍ مَا كَانَ وَلَمْ يَمُرَّ فِيهِ فَلَا يُؤْكَلُ حَتَّى يَبْلُغَ أَنْ يَمُرَّ فَيُدْمِيَ أَوْ يُجَاوِزَ الْإِدْمَاءَ فَيَخْرِقَ أَوْ يَهْتِكَ وَمَا نَالَتْهُ الْكِلَابُ وَالصُّقُورُ وَالْجَوَارِحُ كُلُّهَا فَقَتَلَتْهُ وَلَمْ تُدْمِهِ احْتَمَلَ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ لَا يُؤْكَلَ حَتَّى يَخْرِقَ شَيْئًا لِأَنَّ الْجَارِحَ مَا خَرَقَ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى " الْجَوَارِحِ " وَالْمَعْنَى الثَّانِي أَنَّ فِعْلَهَا كُلَّهُ ذَكَاةٌ فَبِأَيِّ فِعْلِهَا قَتَلَتْ حَلَّ وَقَدْ يَكُونُ هَذَا جَائِزًا فَيَكُونُ فِعْلُهَا غَيْرَ فِعْلِ السِّلَاحِ لِأَنَّ فِعْلَ السِّلَاحِ فِعْلُ الْآدَمِيِّ وَأَدْنَى ذَكَاةِ الْآدَمِيِّ مَا خَرَقَ حَتَّى يُدْمِيَ وَفِعْلُهَا عَمْدُ الْقَتْلِ لَا عَلَى أَنَّ فِي الْقَتْلِ فِعْلَيْنِ أَحَدُهُمَا ذَكَاةٌ وَالْآخَرُ غَيْرُ ذَكَاةٍ وَقَدْ تُسَمَّى جَوَارِحَ لِأَنَّهَا تَجْرَحُ فَيَكُونُ اسْمًا لَازِمًا وَأُكِلَ مَا أَمْسَكْنَ مُطْلَقًا فَيَكُونُ مَا أَمْسَكْنَ حَلَالًا بِالْإِطْلَاقِ وَيَكُونُ الْجُرْحُ إنْ جَرَحَهَا هُوَ اسْمٌ مَوْضُوعٌ عَلَيْهَا لَا أَنَّهَا إنْ لَمْ تَجْرَحْ لَمْ يُؤْكَلْ مَا قَتَلَتْ وَإِذَا أَحْرَزَ الرَّجُلُ الصَّيْدَ فَرَبَطَهُ وَأَقَامَ عِنْدَهُ أَوْ لَمْ يُقِمْ فَانْفَلَتَ مِنْهُ فَصَادَهُ غَيْرُهُ مِنْ سَاعَتِهِ أَوْ بَعْدَ دَهْرٍ طَوِيلٍ فَسَوَاءٌ ذَلِكَ كُلُّهُ وَهُوَ لِصَاحِبِهِ الَّذِي أَحْرَزَهُ لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَهُ مِلْكًا صَحِيحًا كَمَا يَمْلِكُ شَاتَه أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ قَتَلَهُ فِي يَدَيْهِ يَضْمَنُ لَهُ قِيمَتَهُ كَمَا يَضْمَنُ لَهُ قِيمَةَ شَاتِهِ فَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا فَقَدْ مَلَكَهُ مِلْكَ الشَّاةِ أَلَا تَرَى أَنَّ حِمَارَ الْإِنْسِيِّ لَوْ اسْتَوْحَشَ فَأَخَذَهُ رَجُلٌ كَانَ لِلْمَالِكِ الْأَوَّلِ وَسُنَّةُ الْإِسْلَامِ أَنَّ مَنْ مَلَكَ مِنْ الْآدَمِيِّينَ شَيْئًا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مِلْكِهِ إلَّا بِأَنْ يُخْرِجَهُ هُوَ وَلَوْ كَانَ هَرَبَ الْوَحْشِيُّ مِنْ يَدَيْهِ يُخْرِجُهُ مِنْ مِلْكِهِ كَانَ هَرَبُ الْإِنْسِيِّ يُخْرِجُهُ مِنْ مِلْكِهِ وَيُسْأَلُ مَنْ خَالَفَ هَذَا الْقَوْلَ إذَا هَرَبَ خَرَجَ مِنْ مِلْكِهِ بِهَرَبِ نَفْسِهِ يَمْلِكُ نَفْسَهُ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ غَيْرِهِ أَنْ يَمْلِكَهُ فَإِنْ قَالَ لَا وَكَيْفَ تَمْلِكُ الْبَهَائِمُ أَنْفُسَهَا؟ قِيلَ وَهَكَذَا لَا يَمْلِكُهَا غَيْرُ مَنْ مَلَكَهَا عَلَى مَنْ مَلَكَهَا إلَّا بِإِخْرَاجِهِ إيَّاهَا مِنْ يَدِهِ وَيُسْأَلُ مَا فَرْقُ بَيْنَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ يَدِهِ فَيَصِيرَ مُمْتَنِعًا فَإِنْ أَخَذَهُ غَيْرُهُ كَانَ لِلْأَوَّلِ إذَا تَقَارَبَ ذَلِكَ وَإِنْ تَبَاعَدَ كَانَ لِلْآخَرِ أَفَرَأَيْت إنْ قَالَ قَائِلٌ إذَا تَبَاعَدَ كَانَ لِلْأَوَّلِ وَإِذَا تَقَارَبَ كَانَ لِلْآخَرِ مَا الْحُجَّةُ عَلَيْهِ؟ هَلْ هِيَ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْأَوَّلِ بِكُلِّ حَالٍ وَإِذَا انْفَلَتَ كَانَ لِمَنْ أَخَذَهُ مِنْ سَاعَتِهِ؟ وَهَكَذَا كُلُّ وَحْشِيٍّ فِي الْأَرْضِ مِنْ طَائِرٍ أَوْ غَيْرِهِ وَالْحُوتُ وَكُلُّ مُمْتَنِعٍ مِنْ الصَّيْدِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا ضَرَبَ الرَّجُلُ الصَّيْدَ أَوْ رَمَاهُ فَأَبَانَ يَدَهُ أَوْ رِجْلَهُ فَمَاتَ مِنْ تِلْكَ الضَّرْبَةِ فَسَوَاءٌ ذَلِكَ وَلَوْ أَبَانَ نِصْفَهُ فَيَأْكُلُ النِّصْفَيْنِ وَالْيَدَ وَالرِّجْلَ وَجَمِيعَ الْبَدَنِ لِأَنَّ تِلْكَ الضَّرْبَةَ إذَا وَقَعَتْ مَوْقِعَ الذَّكَاةِ كَانَتْ ذَكَاةً عَلَى مَا بَانَ وَبَقِيَ كَمَا لَوْ ضَرَبَهُ أَوْ ذَبَحَهُ فَأَبَانَ رَأْسَهُ كَانَتْ الذَّكَاةُ عَلَى الرَّأْسِ وَجَمِيعِ الْبَدَنِ وَلَا تَعْدُو الضَّرْبَةُ أَوْ الرَّمْيَةُ أَنْ تَكُونَ ذَكَاةً وَالذَّكَاةُ لَا تَكُونُ عَلَى بَعْضِ الْبَدَنِ دُونَ بَعْضٍ أَوْ لَا تَكُونُ ذَكَاةً فَلَا يُؤْكَلُ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَكِنَّهُ لَوْ أَبَانَ مِنْهُ عُضْوًا ثُمَّ أَدْرَكَ ذَكَاتَهُ فَذَكَّاهُ لَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>