للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كِتَابُ صِفَةِ نَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): أَصْلُ النَّهْيِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ كُلَّ مَا نَهَى عَنْهُ فَهُوَ مُحَرَّمٌ حَتَّى تَأْتِيَ عَنْهُ دَلَالَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا نَهَى عَنْهُ لِمَعْنًى غَيْرِ التَّحْرِيمِ إمَّا أَرَادَ بِهِ نَهْيًا عَنْ بَعْضِ الْأُمُورِ دُونَ بَعْضٍ وَإِمَّا أَرَادَ بِهِ النَّهْيَ لِلتَّنْزِيهِ عَنْ الْمَنْهِيِّ وَالْأَدَبِ وَالِاخْتِيَارِ وَلَا نُفَرِّقُ بَيْنَ نَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا بِدَلَالَةٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ أَمْرٍ لَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ فَنَعْلَمُ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ كُلَّهُمْ لَا يَجْهَلُونَ سُنَّةً وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَجْهَلَهَا بَعْضُهُمْ مِمَّا نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ عَلَى التَّحْرِيمِ لَمْ يَخْتَلِفْ أَكْثَرُ الْعَامَّةِ فِيهِ أَنَّهُ نَهَى عَنْ الذَّهَبِ بِالْوَرِقِ إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَعَنْ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ وَنَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ فَقُلْنَا وَالْعَامَّةُ مَعَنَا إذَا تَبَايَعَ الْمُتَبَايِعَانِ ذَهَبًا بِوَرِقٍ أَوْ ذَهَبًا بِذَهَبٍ فَلَمْ يَتَقَابَضَا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا فَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ وَكَانَتْ حُجَّتُنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا نَهَى عَنْهُ صَارَ مُحَرَّمًا وَإِذَا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ فَالْبَيْعَتَانِ جَمِيعًا مَفْسُوخَتَانِ بِمَا انْعَقَدَتْ.

وَهُوَ أَنْ يَقُولَ أَبِيعُك عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي لِأَنَّهُ إنَّمَا انْعَقَدَتْ الْعُقْدَةُ عَلَى أَنَّ مِلْكَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ شَيْئًا لَيْسَ فِي مِلْكِهِ وَنَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ وَمِنْهُ أَنْ أَقُولَ سِلْعَتِي هَذِهِ لَك بِعَشَرَةٍ نَقْدًا أَوْ بِخَمْسَةَ عَشَرَ إلَى أَجَلٍ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ بِأَحَدِ الثَّمَنَيْنِ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَنْعَقِدْ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ وَبَيْعُ الْغَرَرِ فِيهِ أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ نَكْتَفِي بِهَذَا مِنْهَا وَنَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الشِّغَارِ وَالْمُتْعَةِ فَمَا انْعَقَدَتْ عَلَى شَيْءٍ مُحَرَّمٍ عَلَيَّ لَيْسَ فِي مِلْكِي بِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنِّي قَدْ مَلَكْت الْمُحَرَّمَ بِالْبَيْعِ الْمُحَرَّمِ فَأَجْرَيْنَا النَّهْيَ مُجْرًى وَاحِدًا إذَا لَمْ يَكُنْ عَنْهُ دَلَالَةٌ تُفَرِّقُ بَيْنَهُ فَفَسَخْنَا هَذِهِ الْأَشْيَاءَ وَالْمُتْعَةَ وَالشِّغَارَ كَمَا فَسَخْنَا الْبَيْعَتَيْنِ وَمِمَّا نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَعْضِ الْحَالَاتِ دُونَ بَعْضٍ وَاسْتَدْلَلْنَا عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ بِالنَّهْيِ عَنْهُ أَنْ يَكُونَ مَنْهِيًّا عَنْهُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ بِسُنَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا يَخْطُبُ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ» فَلَوْلَا الدَّلَالَةُ عَنْهُ كَانَ النَّهْيُ فِي هَذَا مِثْلَ النَّهْيِ فِي الْأَوَّلِ فَيَحْرُمُ إذَا خَطَبَ الرَّجُلُ امْرَأَةً أَنْ يَخْطُبَهَا غَيْرُهُ فَلَمَّا «قَالَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا حَلَلْتِ فَآذِنِينِي فَلَمَّا حَلَّتْ مِنْ عِدَّتِهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَاهَا فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ وَأَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ وَلَكِنْ انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ قَالَتْ فَكَرِهْته فَقَالَ انْكِحِي أُسَامَةَ فَنَكَحْته فَجَعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا وَاغْتَبَطْت بِهِ» اسْتَدْلَلْنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْهَى عَنْ الْخِطْبَةِ وَيَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةٍ إلَّا وَنَهْيُهُ عَنْ الْخِطْبَةِ حِينَ تَرْضَى الْمَرْأَةُ فَلَا يَكُونُ بَقِيَ إلَّا الْعَقْدُ فَيَكُونُ إذَا خَطَبَ أَفْسَدَ ذَلِكَ عَلَى الْخَاطِبِ الْمَرَضِيِّ أَوْ عَلَيْهَا أَوْ عَلَيْهِمَا مَعًا وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يُفْسِدَ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا

، ثُمَّ لَا يُتِمَّ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْخَاطِبِ وَلَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا رَضِيَتْ وَاحِدًا مِنْهُمَا لَمْ يَخْطُبْهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أُسَامَةَ وَلَكِنَّهَا أَخْبَرَتْهُ بِالْخِطْبَةِ وَاسْتَشَارَتْهُ فَكَانَ فِي حَدِيثِهَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَرْضَ وَلَمْ تَرُدَّ فَإِذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ بِهَذِهِ الْحَالِ جَازَ أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>