هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ قَالَ حَدَّثَنِي رَجُلَانِ أَنَّهُمَا أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْأَلَانِهِ مِنْ الصَّدَقَةِ فَصَعَّدَ فِيهِمَا النَّظَرَ وَصَوَّبَ ثُمَّ قَالَ: إنْ شِئْتُمَا وَلَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ».
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): رَأَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَلَدًا ظَاهِرًا يُشْبِهُ الِاكْتِسَابَ الَّذِي يُسْتَغْنَى بِهِ وَغَابَ عَنْهُ الْعِلْمُ فِي الْمَالِ وَعَلِمَ أَنْ قَدْ يَكُونُ الْجَلَدُ فَلَا يُغْنِي صَاحِبَهُ مَكْسَبُهُ بِهِ إمَّا لِكَثْرَةِ عِيَالٍ وَإِمَّا لِضَعْفِ حِرْفَةٍ فَأَعْلَمَهُمَا أَنَّهُمَا إنْ ذَكَرَا أَنَّهُمَا لَا غِنَى لَهُمَا بِمَالٍ وَلَا كَسْبٍ أَعْطَاهُمَا، فَإِنْ قِيلَ: أَيْنَ أَعْلَمَهُمَا؟ قِيلَ حَيْثُ قَالَ «لَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ» أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَيْحَانَ بْنِ يَزِيدَ قَالَ سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ: لَا تَصْلُحُ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ وَلَا لِذِي مِرَّةٍ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ إلَّا لِغَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ لِعَامِلٍ عَلَيْهَا، أَوْ لِغَارِمٍ، أَوْ لِرَجُلٍ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ، أَوْ لِرَجُلٍ لَهُ جَارٌ مِسْكِينٌ فَتَصَدَّقَ عَلَى الْمِسْكِينِ فَأَهْدَى الْمِسْكِينُ لِلْغَنِيِّ»
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَبِهَذَا قُلْنَا يُعْطَى الْغَازِي وَالْعَامِلُ، وَإِنْ كَانَا غَنِيَّيْنِ وَالْغَارِمُ فِي الْحَمَالَةِ عَلَى مَا أَبَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا غَارِمٌ غَيْرُهُ إلَّا غَارِمًا لَا مَالَ لَهُ يَقْضِي مِنْهُ فَيُعْطَى فِي غُرْمِهِ، وَمَنْ طَلَبَ سَهْمَ ابْنِ السَّبِيلِ وَذَكَرَ أَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الْبَلَدِ الَّذِي يُرِيدُ إلَّا بِالْمَعُونَةِ أُعْطِيَ عَلَى مِثْلِ مَعْنَى مَا قُلْت مِنْ أَنَّهُ غَيْرُ قَوِيٍّ حَتَّى تُعْلَمَ قُوَّتُهُ بِالْمَالِ وَمَنْ طَلَبَ بِأَنَّهُ يَغْزُو أُعْطِيَ غَنِيًّا كَانَ، أَوْ فَقِيرًا، وَمَنْ طَلَبَ بِأَنَّهُ غَارِمٌ، أَوْ عَبْدٌ بِأَنَّهُ مُكَاتَبٌ لَمْ يُعْطَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ عَلَى مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ أَصْلَ أَمْرِ النَّاسِ أَنَّهُمْ غَيْرُ غَارِمِينَ حَتَّى يُعْلَمَ غُرْمُهُمْ وَالْعَبِيدُ أَنَّهُمْ غَيْرُ مُكَاتَبِينَ حَتَّى تُعْلَمَ كِتَابَتُهُمْ، وَمَنْ طَلَبَ بِأَنَّهُ مِنْ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ لَمْ يُعْطَ إلَّا أَنْ يُعْلَمَ ذَلِكَ، وَمَا وَصَفْته يُسْتَحَقُّ بِهِ أَنْ يُعْطَى مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ.
بَابٌ عَلِمَ قَاسِمُ الصَّدَقَةِ بَعْدَمَا أَعْطَى غَيْرَ مَا عَلِمَ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): إذَا أَعْطَى الْوَالِي الْقَاسِمُ الصَّدَقَةَ مَنْ وَصَفْنَا أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهُ بِقَوْلِهِ، أَوْ بَيِّنَةٍ تَقُومُ لَهُ ثُمَّ عَلِمَ بَعْدَ إعْطَائِهِمْ أَنَّهُمْ غَيْرُ مُسْتَحِقِّينَ لِمَا أَعْطَاهُمْ نَزَعَ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَأَعْطَاهُ غَيْرَهُمْ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّهُ (قَالَ): وَإِنْ أَفْلَسُوا بِهِ، أَوْ فَاتُوهُ فَلَمْ يَقْدِرْ لَهُمْ عَلَى مَالٍ وَلَا عَيْنٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَالِي؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ لِمَنْ يُعْطِيهِ وَيَأْخُذُ مِنْهُ لَا لِبَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ، وَإِنْ أَخْطَأَ، وَإِنَّمَا كُلِّفَ فِيهِ الظَّاهِرَ مِثْلُ الْحَكَمِ فَلَا يَضْمَنُ الْأَمْرَيْنِ مَعًا، وَمَتَى مَا قَدَرَ عَلَى مَا فَاتَ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ قَدَرَ عَلَى غَيْرِهِ أغرمهموه وَأَعْطَاهُ الَّذِينَ اسْتَحَقُّوهُ يَوْمَ كَانَ قَسَمَهُ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِنْ كَانُوا مَاتُوا دَفَعَهُ إلَى وَرَثَتِهِ إنْ كَانُوا فُقَرَاءَ، أَوْ أَغْنِيَاءَ دَفَعَهُ إلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ اسْتَحَقُّوهُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي أَعْطَاهُ غَيْرَهُمْ وَهُمْ يَوْمئِذٍ مِنْ أَهْلِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُتَوَلِّي الْقَسْمَ رَبَّ الْمَالِ دُونَ الْوَالِي فَعَلِمَ أَنَّ بَعْضَ مَنْ أَعْطَاهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ السُّهْمَانِ أَمَّا مَا أَعْطَاهُمْ عَلَى مَسْكَنَةٍ وَفَقْرٍ وَغُرْمٍ، أَوْ ابْنِ سَبِيلٍ، فَإِذَا هُمْ مَمَالِيكُ، أَوْ لَيْسُوا عَلَى الْحَالِ الَّتِي أَعْطَاهُمْ لَهَا رَجَعَ عَلَيْهِمْ فَأَخَذَهُ مِنْهُمْ فَقَسَمَهُ عَلَى أَهْلِهِ، فَإِنْ مَاتُوا، أَوْ أَفْلَسُوا فَفِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ عَلَيْهِ ضَمَانَهُ وَأَدَاءَهُ إلَى أَهْلِهِ وَمَنْ قَالَ هَذَا قَالَ عَلَى صَاحِبِ الزَّكَاةِ أَنْ يُوفِيَهَا أَهْلَهَا وَلَا يُبْرِئَهُ مِنْهَا إلَّا أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى أَهْلِهَا كَمَا لَا يُبْرِئُهُ ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ لَزِمَهُ، فَأَمَّا الْوَالِي فَهُوَ أَمِينٌ فِي أَخْذِهَا وَإِعْطَائِهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُضَمِّنُ صَاحِبُ الصَّدَقَةِ الدَّافِعَ إلَى الْوَالِي وَأَنَّهُ يَبْرَأُ بِدَفْعِهِ إلَيْهِ الصَّدَقَةَ؛ لِأَنَّهُ أُمِرَ بِدَفْعِهَا إلَيْهِ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِ الصَّدَقَةِ إذَا قَسَمَهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute