للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَجُوزُ، وَكَيْفَ يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ عَمَلٍ عَلَيْهِ تَمَامُهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ إذَا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ فِيهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَالِاعْتِكَافُ وَكُلُّ عَمَلٍ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ أَنْ لَا يَدْخُلَ فِيهِ فَلَهُ الْخُرُوجُ قَبْلَ إكْمَالِهِ وَأَحَبُّ إلَيَّ لَوْ أَتَمَّهُ إلَّا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَقَطْ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَكَيْفَ أَمَرْته إذَا أَفْسَدَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ أَنْ يَعُودَ فِيهِمَا فَيَقْضِيَهُمَا مَرَّتَيْنِ دُونَ الْأَعْمَالِ؟ قُلْنَا: لَا يُشْبِهُ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ الصَّوْمَ وَلَا الصَّلَاةَ وَلَا مَا سِوَاهُمَا. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ أَحَدٌ فِي أَنَّهُ يَمْضِي فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ عَلَى الْفَسَادِ كَمَا يَمْضِي فِيهِمَا قَبْلَ الْفَسَادِ وَيُكَفِّرُ وَيَعُودُ فِيهِمَا؟ وَلَا يَخْتَلِفُ أَحَدٌ فِي أَنَّهُ إذَا أَفْسَدَ الصَّلَاةَ لَمْ يَمْضِ فِيهَا وَلَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا فَاسِدَةً بِلَا وُضُوءٍ وَهَكَذَا الصَّوْمُ إذَا أُفْسِدَ لَمْ يَمْضِ فِيهِ. أَوْ لَا تَرَى أَنَّهُ يُكَفِّرُ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مُتَطَوِّعًا كَانَ أَوْ وَاجِبًا عَلَيْهِ كَفَّارَةً وَاحِدَةً وَلَا يُكَفِّرُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلَا فِي الِاعْتِكَافِ وَلَا فِي التَّطَوُّعِ فِي الصَّوْمِ؟ وَقَدْ رَوَى الَّذِينَ يَقُولُونَ بِخِلَافِنَا فِي هَذَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَةً وَقَالَ: إنَّمَا هُوَ تَطَوُّعٌ، وَرَوَيْنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ شَبِيهًا بِهِ فِي الطَّوَافِ.

بَابُ أَحْكَامِ مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): مَنْ أَفْطَرَ أَيَّامًا مِنْ رَمَضَانَ مِنْ عُذْرِ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ قَضَاهُنَّ فِي أَيِّ وَقْتٍ مَا شَاءَ فِي ذِي الْحِجَّةِ أَوْ غَيْرِهَا وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَأْتِيَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ آخَرُ مُتَفَرِّقَاتٍ أَوْ مُجْتَمَعَاتٍ؛ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} وَلَمْ يَذْكُرْهُنَّ مُتَتَابِعَاتٍ وَقَدْ بَلَغَنَا عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ إذَا أَحْصَيْت الْعِدَّةَ فَصُمْهُنَّ كَيْفَ شِئْت (قَالَ): وَصَوْمُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ مُتَتَابِعٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، فَإِنْ مَرِضَ وَسَافَرَ الْمُفْطِرُ مِنْ رَمَضَانَ فَلَمْ يَصِحَّ وَلَمْ يَقْدِرْ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ آخَرُ قَضَاهُنَّ وَلَا كَفَّارَةَ، وَإِنْ فَرَّطَ وَهُوَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَصُومَ حَتَّى يَأْتِيَ رَمَضَانُ آخَرُ صَامَ الرَّمَضَانَ الَّذِي جَاءَ عَلَيْهِ وَقَضَاهُنَّ. وَكَفَّرَ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ بِمُدِّ حِنْطَةٍ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَالْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ إذَا أَطَاقَتَا الصَّوْمَ وَلَمْ تَخَافَا عَلَى وَلَدَيْهِمَا.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِنْ كَانَتَا لَا تَقْدِرَانِ عَلَى الصَّوْمِ فَهَذَا مِثْلُ الْمَرَضِ أَفْطَرَتَا وَقَضَتَا بِلَا كَفَّارَةَ إنَّمَا كَكُفْرَانٍ بِالْأَثَرِ وَبِأَنَّهُمَا لَمْ تُفْطِرَا لِأَنْفُسِهِمَا إنَّمَا أَفْطَرَتَا لِغَيْرِهِمَا فَذَلِكَ فَرْقٌ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمَرِيضِ لَا يُكَفِّرُ وَالشَّيْخُ الْكَبِيرُ الَّذِي لَا يُطِيقُ الصَّوْمَ وَيَقْدِرُ عَلَى الْكَفَّارَةِ يَتَصَدَّقُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ بِمُدِّ حِنْطَةٍ خَبَرًا عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقِيَاسًا عَلَى مَنْ لَمْ يُطِقْ الْحَجَّ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ غَيْرُهُ وَلَيْسَ عَمَلُ غَيْرِهِ عَنْهُ عَمَلَهُ نَفْسِهِ كَمَا لَيْسَ الْكَفَّارَةُ كَعَمَلِهِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَالْحَالُ الَّتِي يَتْرُكُ بِهَا الْكَبِيرُ الصَّوْمَ أَنْ يَكُونَ يُجْهِدُهُ الْجَهْدَ غَيْرَ الْمُحْتَمَلِ وَكَذَلِكَ الْمَرِيضُ وَالْحَامِلُ: (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِنْ زَادَ مَرَضُ الْمَرِيضِ زِيَادَةً بَيِّنَةً أَفْطَرَ، وَإِنْ كَانَتْ زِيَادَةً مُحْتَمَلَةً لَمْ يُفْطِرْ وَالْحَامِلُ إذَا خَافَتْ عَلَى وَلَدِهَا: أَفْطَرَتْ وَكَذَلِكَ الْمُرْضِعُ إذَا أَضَرَّ بِلَبَنِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>