شِرَاءَهُ مَذْبُوحًا بِعَدَدٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إنْ قَالَ أَبِيعُك لَحْمَ شَاةٍ ثَنِيَّةٍ مَاعِزَةٍ وَلَمْ يَشْتَرِطْ وَزْنًا لَمْ أُجِزْهُ؟؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ قَدْرَ اللَّحْمِ بِالصِّفَةِ، وَإِنَّمَا يَعْرِفُ قَدْرَهُ بِالْوَزْنِ؛ وَلِأَنَّ النَّاسَ إنَّمَا اشْتَرَوْا مِنْ كُلِّ مَا يُؤْكَلُ وَيُشْرَبُ الْجُزَافَ مِمَّا يُعَايِنُونَ فَأَمَّا مَا يُضْمَنُ فَلَيْسَ يَشْتَرُونَهُ جُزَافًا (قَالَ): وَالْقِيَاسُ فِي السَّلَفِ فِي لَحْمِ الْحِيتَانِ يُوزَنُ، لَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ أَنْ يُوزَنَ عَلَيْهِ الذَّنَبُ مِنْ حَيْثُ يَكُونُ لَا لَحْمَ فِيهِ وَيَلْزَمُهُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ ذَنَبٍ مِمَّا عَلَيْهِ لَحْمٌ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُوزَن عَلَيْهِ فِي الرَّأْسِ، وَيَلْزَمُهُ مَا بَيْنَ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ حُوتٍ كَبِيرٍ فَيُسَمِّي وَزْنًا مِنْ الْحُوتِ مِمَّا أَسْلَفَ فِيهِ مَوْضِعًا مِنْهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّفَ فِيهِ إلَّا فِي مَوْضِعٍ إذَا احْتَمَلَ مَا تَحْتَمِلُ الْغَنَمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ يُوجَدُ فِي مَوْضِعٍ مِنْهُ مَا سَلَّفَ فِيهِ وَيَصِفُ لِمَوْضِعِ الَّذِي سَلَّفَ فِيهِ، وَإِذَا لَمْ يَحْتَمِلْ كَانَ كَمَا وَصَفْت فِي الطَّيْرِ.
الرُّءُوسُ وَالْأَكَارِعُ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَا يَجُوزُ عِنْدِي السَّلَفُ فِي شَيْءٍ مِنْ الرُّءُوسِ مِنْ صِغَارِهَا، وَلَا كِبَارِهَا، وَلَا الْأَكَارِعُ؛ لِأَنَّا لَا نُجِيزُ السَّلَفَ فِي شَيْءٍ سِوَى الْحَيَوَانِ حَتَّى نَجِدَهُ بِذَرْعٍ أَوْ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ فَأَمَّا عَدَدٌ مُنْفَرِدٌ فَلَا وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ يَشْتَبِهُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الصَّغِيرِ وَهُوَ مُتَبَايِنٌ وَمَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْكَبِيرِ وَهُوَ مُتَبَايِنٌ فَإِذَا لَمْ نَجِدْ فِيهِ كَمَا حَدَّدْنَا فِي مِثْلِهِ مِنْ الْوَزْنِ وَالذَّرْعِ وَالْكَيْلِ أَجَزْنَاهُ غَيْرَ مَحْدُودٍ وَإِنَّمَا نَرَى النَّاسَ تَرَكُوا وَزْنَ الرُّءُوسِ لِمَا فِيهَا مِنْ سَقَطِهَا الَّذِي يُطْرَحُ، وَلَا يُؤْكَلُ مِثْلُ الصُّوفِ وَالشَّعْرِ عَلَيْهِ وَمِثْلُ أَطْرَافِ مَشَافِرِهِ وَمَنَاخِرِهِ وَجُلُودِ خَدَّيْهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ، وَلَا يُعْرَفُ قَدْرُهُ مِنْهُ غَيْرَ أَنَّهُ فِيهِ غَيْرُ قَلِيلٍ فَلَوْ وَزَنُوهُ وَزَنُوا مَعَهُ غَيْرَ مَا يُؤْكَلُ مِنْ صُوفٍ وَشَعْرٍ وَغَيْرِهِ، وَلَا يُشْبِهُ النَّوَى فِي التَّمْرِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُنْتَفَعُ بِالنَّوَى، وَلَا الْقِشْرَ فِي الْجَوْزِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُنْتَفَعُ بِقِشْرِ الْجَوْزِ وَهَذَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي شَيْءٍ (قَالَ): وَلَوْ تَحَامَلَ رَجُلٌ فَأَجَازَهُ لَمْ يَجُزْ عِنْدِي أَنْ يُؤْمَرَ أَحَدٌ بِأَنْ يُجِيزَهُ إلَّا مَوْزُونًا. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَلِإِجَازَتِهِ وَجْهٌ يَحْتَمِلُ بَعْضُ مَذَاهِبِ أَهْلِ الْفِقْهِ مَا هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَقَدْ وَصَفْت فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّ الْبُيُوعَ ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا: بَيْعُ عَيْنٍ قَائِمَةٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ تُبَاعَ بِنَقْدٍ وَدَيْنٍ إذَا قُبِضَتْ الْعَيْنُ أَوْ بَيْعُ شَيْءٍ مَوْصُوفٍ مَضْمُونٍ عَلَى بَائِعِهِ يَأْتِي بِهِ لَا بُدَّ عَاجِلًا أَوْ إلَى أَجَلٍ وَهَذَا لَا يَجُوزُ حَتَّى يَدْفَعَ الْمُشْتَرِي ثَمَنَهُ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَ الْمُتَبَايِعَانِ وَهَذَانِ مُسْتَوِيَانِ إذَا شُرِطَ فِيهِ أَجَلٌ أَوْ ضَمَانٌ أَوْ يَكُونُ أَحَدُ الْبَيْعَيْنِ نَقْدًا وَالْآخَرُ دَيْنًا أَوْ مَضْمُونًا قَالَ وَذَلِكَ أَنِّي إذَا بِعْتُك سِلْعَةً وَدَفَعْتهَا إلَيْك وَكَانَ ثَمَنُهَا إلَى أَجَلٍ فَالسِّلْعَةُ نَقْدٌ وَالثَّمَنُ إلَى أَجَلٍ مَعْرُوفٍ.
وَإِذَا دَفَعْت إلَيْهِ مِائَةَ دِينَارٍ فِي طَعَامٍ مَوْصُوفٍ إلَى أَجَلٍ فَالْمِائَةُ نَقْدٌ وَالسِّلْعَةُ مَضْمُونَةٌ يَأْتِي بِهَا صَاحِبُهَا لَا بُدَّ، وَلَا خَيْرَ فِي دَيْنٍ بِدَيْنٍ وَلَوْ اشْتَرَى رَجُلٌ ثَلَاثِينَ رَطْلًا لَحْمًا بِدِينَارٍ وَدَفَعَهُ يَأْخُذُ كُلَّ يَوْمٍ رَطْلًا فَكَانَ أَوَّلُ مَحَلِّهَا حِينَ دَفَعَ وَآخِرُهُ إلَى شَهْرٍ وَكَانَتْ صَفْقَةً وَاحِدَةً كَانَتْ فَاسِدَةً وَرَدَّ مِثْلَ اللَّحْمِ الَّذِي أَخَذَ أَوْ قِيمَتَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا دَيْنٌ بِدَيْنٍ وَلَوْ اشْتَرَى رِطْلًا مُنْفَرِدًا وَتِسْعَةً وَعِشْرِينَ بَعْدَهُ فِي صَفْقَةٍ غَيْرِ صَفْقَتِهِ كَانَ الرِّطْلُ جَائِزًا وَالتِّسْعَةُ وَالْعِشْرُونَ مُنْتَقَضَةً وَلَيْسَ أَخْذُهُ أَوَّلَهَا إذَا لَمْ يَأْخُذْهَا فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ بِاَلَّذِي يُخْرِجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنَّهُ أَنْ يَأْخُذَ رِطْلًا بَعْدَ الْأَوَّلِ إلَّا بِمُدَّةٍ تَأْتِي عَلَيْهِ؟، وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الرَّجُلَ يَشْتَرِي الطَّعَامَ بِدَيْنٍ وَيَأْخُذُ فِي اكْتِيَالِهِ؛ لِأَنَّ مَحِلَّهُ وَاحِدٌ وَلَهُ أَخْذُهُ كُلِّهِ فِي مَقَامِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ إلَّا هَكَذَا لَا أَجَلَ لَهُ، وَلَوْ جَازَ هَذَا، جَازَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِدِينَارٍ ثَلَاثِينَ صَاعًا حِنْطَةً يَأْخُذُ كُلَّ يَوْمٍ صَاعًا.
(قَالَ): وَهَذَا هَكَذَا فِي الرُّطَبِ وَالْفَاكِهَةِ وَغَيْرِهَا كُلُّ شَيْءٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَبْضُهُ سَاعَةَ يَتَبَايَعَانِهِ مَعًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute