للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ إلَّا أَنَّهُ أَرْخَصَ لِلْمَرْأَةِ الْحَائِضِ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ " لَا يَصْدُرَنَّ أَحَدٌ مِنْ الْحَاجِّ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ فَإِنَّ آخِرَ النُّسُكِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ ".

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَبِهَذَا نَقُولُ وَفِي أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَائِضَ أَنْ تَنْفِرَ قَبْلَ أَنْ تَطُوفَ طَوَافَ الْوَدَاعِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ تَرْكَ طَوَافِ الْوَدَاعِ لَا يُفْسِدُ حَجًّا، وَالْحَجُّ أَعْمَالٌ مُتَفَرِّقَةٌ مِنْهَا شَيْءٌ إذَا لَمْ يَعْمَلْهُ الْحَاجُّ أَفْسَدَ حَجَّهُ، وَذَلِكَ الْإِحْرَامُ وَأَنْ يَكُونَ عَاقِلًا لِلْإِحْرَامِ وَعَرَفَةَ فَأَيُّ هَذَا تَرَكَ لَمْ يَجْزِهِ عَنْهُ حَجُّهُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَمِنْهَا مَا إذَا تَرَكَهُ لَمْ يَحِلَّ مِنْ كُلِّ إحْرَامِهِ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَهُ فِي عُمُرِهِ كُلِّهِ، وَذَلِكَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ الَّذِي يَحِلُّ بِهِ إلَّا النِّسَاءَ وَأَيَّهُمَا تَرَكَ رَجَعَ مِنْ بَلَدِهِ وَكَانَ مُحْرِمًا مِنْ النِّسَاءِ حَتَّى يَقْضِيَهُ، وَمِنْهَا مَا يَعْمَلُ فِي وَقْتٍ فَإِذَا ذَهَبَ ذَلِكَ الْوَقْتُ كُلُّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَا عَلَيْهِ عَمَلُهُ وَلَا بَدَّلَهُ وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ مِثْلُ الْمُزْدَلِفَةِ وَالْبَيْتُوتَةِ بِ " مِنًى " وَرَمْيِ الْجِمَارِ، وَمِنْهَا مَا إذَا تَرَكَهُ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ وَلَوْ لَمْ يَرْجِعْ لَزِمَهُ الدَّمُ وَذَلِكَ مِثْلُ الْمِيقَاتِ فِي الْإِحْرَامِ وَمِثْلُهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - طَوَافُ الْوَدَاعِ؛ لِأَنَّهُمَا عَمَلَانِ أُمِرَ بِهِمَا مَعًا فَتَرَكَهُمَا فَلَا يَتَفَرَّقَانِ عِنْدِي فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الْفِدْيَةِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قِيَاسًا عَلَى مُزْدَلِفَةَ، وَالْجِمَارُ وَالْبَيْتُوتَةُ لَيَالِي " مِنًى "؛ لِأَنَّهُ نُسُكٌ قَدْ تَرَكَهُ وَقَدْ أَخْبَرَنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ " مَنْ نَسِيَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئًا أَوْ تَرَكَهُ فَلْيُهْرِقْ دَمًا " فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: طَوَافُ الْوَدَاعِ طَوَافٌ مَأْمُورٌ بِهِ، وَطَوَافُ الْإِحْلَالِ مِنْ الْإِحْرَامِ طَوَافٌ مَأْمُورٌ بِهِ وَعَمَلَانِ فِي غَيْرِ وَقْتٍ مَتَى جَاءَ بِهِمَا الْعَامِلُ أَجْزَأَ عَنْهُ فَلِمَ لَمْ تَقِسْ الطَّوَافَ بِالطَّوَافِ؟ قِيلَ لَهُ بِالدَّلَالَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَالدَّلَالَةِ بِمَا لَا أَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ وَأَيْنَ الدَّلَالَةُ؟ قِيلَ لَهُ لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِطَوَافِ الْوَدَاعِ وَأَرْخَصَ لِلْحَائِضِ أَنْ تَنْفِرَ بِلَا وَدَاعٍ فَاسْتَدْلَلْنَا عَلَى أَنَّ الطَّوَافَ لِلْوَدَاعِ لَوْ كَانَ كَالطَّوَافِ لِلْإِحْلَالِ مِنْ الْإِحْرَامِ لَمْ يُرَخِّصْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْحَائِضِ فِي تَرْكِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَ عَنْ صَفِيَّةَ: أَطَافَتْ بَعْدَ النَّحْرِ؟ فَقِيلَ: نَعَمْ، فَقَالَ: فَلْتَنْفِرْ».

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَهَذَا إلْزَامُهَا الْمَقَامَ لِلطَّوَافِ بَعْدَ النَّحْرِ وَتَخْفِيفُ طَوَافِ الْوَدَاعِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَا يُخَفَّفُ مَا لَا يَحِلُّ الْمُحْرِمُ إلَّا بِهِ أَوَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ طَافَ بَعْدَ الْجَمْرَةِ وَالنَّحْرِ وَالْحِلَاقِ حَلَّ لَهُ النِّسَاءُ وَهُوَ إذَا حَلَّ لَهُ النِّسَاءُ خَارِجٌ مَنْ أَحْرَمَ الْحَجَّ بِكَمَالِ الْخُرُوجِ وَمَنْ خَرَجَ مِنْ إحْرَامِ الْحَجِّ لَمْ يُفْسِدْهُ عَلَيْهِ مَا تَرَكَهُ بَعْدَهُ وَكَيْفَ يُفْسِدُ مَا خَرَجَ مِنْهُ؟ وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ تَرْكَ الْمِيقَاتِ لَا يُفْسِدُ حَجًّا؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُحْرِمًا وَإِنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ وَأَنَّ مَنْ دُونَ الْمِيقَاتِ يُهِلُّ فَيَجْزِي عَنْهُ، وَالشَّيْءُ الْمُفْسِدُ لِلْحَجِّ إذَا تَرَكَ مَا لَا يَجْزِي أَحَدًا غَيْرُ فِعْلِهِ وَقَدْ يَجْزِي عَالِمًا أَنْ يُهِلُّوا دُونَ الْمِيقَاتِ إذَا كَانَ أَهْلُوهُمْ دُونَهُ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَرْكَ الْبَيْتُوتَةِ لَيَالِي " مِنًى " وَتَرْكَ رَمْيِ الْجِمَارِ لَا يُفْسِدُ الْحَجَّ

بَابُ تَرْكِ الْحَائِضِ الْوَدَاعَ

أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ «حَاضَتْ صَفِيَّةُ بَعْدَ مَا أَفَاضَتْ فَذَكَرْت حَيْضَهَا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>