للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عِتْقُ الشِّرْكِ فِي الْمَرَضِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَإِذَا أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ عِتْقَ بَتَاتٍ، ثُمَّ مَاتَ كَانَ فِي ثُلُثِهِ مَا أَعْتَقَ مِنْهُ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ إذَا حَمَلَهُ الثُّلُثُ، فَأَمْرُهُ فِي ثُلُثِهِ كَأَمْرِ الصَّحِيحِ فِي كُلِّ مَالِهِ لَا يَخْتَلِفُ إذَا أَعْتَقَهُ عِتْقَ بَتَاتٍ، وَكَذَلِكَ إذَا أَعْتَقَ مِنْ عَبْدٍ لَهُ سَهْمًا مِنْ مِائَةِ سَهْمٍ فِي مَرَضِهِ ثُمَّ مَاتَ وَثُلُثُهُ يَحْمِلُهُ عَتَقَ عَلَيْهِ كُلُّهُ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الْعِتْقَ عَلَيْهِ وَهُوَ حَيٌّ مَالِكٌ لِثُلُثِ مَالِهِ، أَوْ كُلِّهِ، وَكَانَ كَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ كُلَّهُ، وَلَوْ أَوْصَى بِعِتْقِ ثُلُثِ مَمْلُوكٍ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ لَمْ يَعْتِقْ مِنْهُ إلَّا مَا عَتَقَ وَذَلِكَ أَنَّ الْعِتْقَ إنَّمَا وَقَعَ بِالْمَوْتِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا يَوْمَ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ فِيهِ كُلُّهُ وَمَالُهُ كُلُّهُ لِوَارِثِهِ إلَّا مَا أُخِذَ مِنْ ثُلُثِهِ، فَلَمَّا لَمْ يَأْخُذْ مِنْ عَبْدِهِ إلَّا ثُلُثَهُ كَانَ لَا مَالَ لَهُ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ فِيهِ الْعَبْدُ فَيَعْتِقُ بِالْقِيمَةِ وَالدَّفْعِ.

اخْتِلَافُ الْمُعْتِقِ وَشَرِيكِهِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إذَا أَعْتَقَ رَجُلٌ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ وَلَمْ يَتَرَافَعَا إلَى السُّلْطَانِ إلَّا بَعْدَ أَشْهُرٍ فَحَكَمَ عَلَيْهِ السُّلْطَانُ بِالْقِيمَةِ يَوْمَ أَعْتَقَ فَاخْتَلَفَا فِي الْقِيمَةِ يَوْمَ وَقَعَ الْعِتْقُ فَقَالَ الْمُعْتِقُ: كَانَتْ قِيمَتُهُ ثَلَاثِينَ وَقَالَ الْمُعْتَقُ عَلَيْهِ: كَانَتْ قِيمَتُهُ أَرْبَعِينَ فَفِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا، أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُعْتِقِ؛ لِأَنَّهُ مُوسِرٌ وَاجِدٌ دَافِعٌ، فَإِذَا أَعْتَقَ الْعَبْدَ بِهَذَا لَمْ يُؤْخَذْ مِنْ مَالِهِ إلَّا مَا زَعَمَ هُوَ أَنَّهُ لَزِمَهُ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ رَبِّ الْعَبْدِ وَلَا يَخْرُجُ مِلْكُهُ مِنْ يَدِهِ إلَّا بِمَا رَضِيَ كَمَا يَكُونُ إذَا اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ وَالْعَبْدُ قَائِمٌ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ رَبِّ الْمَالِ وَالْمُبْتَاعُ بِالْخِيَارِ، وَفِي هَذَا سُنَّةٌ، وَهُوَ لَا يَصِحُّ قِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْبَيْعَ إذَا كَانَ قَائِمًا فَلِلْمُبْتَاعِ رَدُّ الْعَبْدِ، أَوْ أَخْذُهُ بِمَا قَالَ الْبَائِعُ، وَلَيْسَ لِلْمُعْتِقِ هَا هُنَا رَدُّ الْعِتْقِ، وَلَكِنْ لَوْ قَالَ قَائِلٌ فِي هَذَا إذَا اخْتَلَفَا تَحَالَفَا وَكَانَ عَلَى الْمُعْتِقِ قِيمَةُ الْعَبْدِ كَمَا يَكُونُ عَلَى الْمُشْتَرِي قِيمَةُ الْفَائِتِ إذَا اخْتَلَفَا فِي ثَمَنِهِ كَانَ مَذْهَبًا، وَلَوْ اخْتَلَفَا فَقَالَ الَّذِي لَهُ الْغُرْمُ الْعَبْدُ خَبَّازٌ، أَوْ كَاتِبٌ، أَوْ يَصْنَعُ صِنَاعَةً تَزِيدُ فِي عَمَلِهِ. وَقَالَ الْمُعْتِقُ: لَيْسَ كَذَلِكَ نُظِرَ فَإِنْ وُجِدَ كَانَ يَصْنَعُ تِلْكَ الصِّنَاعَةَ أُقِيمَ بِصِنَاعَتِهِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ لَمْ يُؤْخَذْ بِقَوْلِ الَّذِي لَهُ الْغُرْمُ، وَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُعْتِقِ؛ لِأَنَّهُ مُدَّعَى عَلَيْهِ زِيَادَةُ الْقِيمَةِ، وَإِنْ كَانَتْ صِنَاعَتُهُ مِمَّا يَحْدُثُ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْمُدَّةِ الَّتِي تَرَافَعَا فِيهَا مِنْ يَوْمِ وَقَعَ الْعِتْقُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُعْتِقِ، وَلَوْ قَالَ الْمُعْتِقُ: أَعْتَقْتُ هَذَا الْعَبْدَ وَهُوَ آبِقٌ، أَوْ سَارِقٌ، أَوْ مَعِيبٌ عَيْبًا لَا يُرَى فِي بَدَنِهِ. وَقَالَ الَّذِي لَهُ الْغُرْمُ: لَيْسَ بِآبِقٍ وَلَا سَارِقٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَهُوَ عَلَى الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعَيْبِ حَتَّى يَعْلَمَ الْعَيْبَ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ قَائِمٌ بِعَيْنِهِ لَا يُرَى فِيهِ عَيْبٌ وَهُوَ يَدَّعِي فِيهِ عَيْبًا يَطْرَحُ عَنْهُ بَعْضَ مَا لَزِمَهُ وَمَنْ قُلْنَا الْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي هَذَا وَغَيْرِهِ، فَقَالَ الَّذِي يُخَالِفُهُ وَهُوَ يَعْلَمُ: إنَّ مَا قُلْت كَمَا قُلْت فَأَحْلَفُوهُ، أَحَلَفْنَاهُ عَلَى دَعْوَاهُ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ رَدَدْنَا الْيَمِينَ عَلَى صَاحِبِهِ، فَإِنْ حَلَفَ اسْتَحَقَّ وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ أَبْطَلْنَا حَقَّهُ فِي الْيَمِينِ وَلَمْ نُعْطِهِ إذَا تَرَكَهَا عَلَى مَا ادَّعَى، وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِ: أَعْتَقْت الْعَبْدَ وَهُوَ آبِقٌ، فَقُلْنَا الْقَوْلُ قَوْلُ الَّذِي لَهُ الْغُرْمُ، فَإِنْ قَالَ الْمُعْتِقُ: هُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ آبِقٌ أُحْلِفَ كَمَا وَصَفْت، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ يَعْلَمُ مَا لَا يُوجَدُ عَلَيْهِ بَيِّنَةً وَمَا أَشْبَهَ هَذَا، وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ بَعْضُهُ مَيِّتًا، أَوْ غَائِبًا فَاخْتَلَفَا فِيهِ فَقَالَ الْمُعْتِقُ: هُوَ عَبْدٌ أَسْوَدُ زِنْجِيٌّ يُسَاوِي عَشَرَةَ دَنَانِيرَ وَقَالَ الْمُعْتَقُ عَلَيْهِ: هُوَ عَبْدٌ بَرْبَرِيٌّ، أَوْ فَارِسِيٌّ يُسَاوِي أَلْفَ دِينَارٍ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُعْتِقِ الَّذِي يَغْرَمُ، إلَّا أَنْ يَأْتِيَ الَّذِي لَهُ الْغُرْمُ بِبَيِّنَةٍ عَلَى مَا قَالَ، أَوْ يَحْلِفَ لَهُ الْمُعْتِقُ إنْ أَرَادَهُ وَلَوْ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُ بَرْبَرِيٌّ وَاخْتَلَفَا فِي ثَمَنِهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُعْتِقِ مَعَ يَمِينِهِ، وَلَوْ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُ بَرْبَرِيٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>