مَا لِلْآدَمِيِّينَ، وَهَذَا قَوْلٌ يَصِحُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَمَنْ قَالَ هَذَا قَالَهُ فِي الْحَجِّ إنْ لَمْ يَبْلُغْ إلَّا مَرِيضًا ثُمَّ لَمْ يَصِحَّ حَتَّى مَاتَ مَرِيضًا أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ لَا وَصِيَّةٌ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْمَرِيضِ وَالصَّحِيحِ سَوَاءٌ فَأَمَّا مَا لَزِمَهُ مِنْ كَفَّارَةِ يَمِينٍ أَوْ غَيْرِهِ.
فَإِنْ أَوْصَى بِهِ فَقَدْ قِيلَ يَكُونُ فِي ثُلُثِهِ كَالْوَصَايَا وَقِيلَ بَلْ لَازِمٌ وَمَا لَزِمَهُ مِنْ شَيْءٍ أَلْزَمَهُ نَفْسَهُ مِنْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةِ قَتْلٍ أَوْ ظِهَارٍ وَهُوَ وَاجِدٌ فَقَدْ يُخَالِفُ مَا لَزِمَهُ بِكُلِّ حَالٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ قَدْ كَانَ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ فَإِنَّمَا أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ، فَيَخْتَلِفَانِ فِي هَذَا، وَيَجْتَمِعَانِ فِي أَنَّهُ قَدْ أَوْجَبَ كُلًّا مِنْهُمَا فَأَوْجَبَ هَذَا وَأَوْجَبَ إقْرَارَ الْآدَمِيِّ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ هُمَا لَازِمَانِ مَعًا وَأَنَا أَسْتَخِيرُ اللَّهَ تَعَالَى فِيهِ.
بَابُ الْحَجِّ بِغَيْرِ نِيَّةٍ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - أُحِبُّ أَنْ يَنْوِيَ الرَّجُلُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ عِنْدَ دُخُولِهِ فِيهِمَا كَمَا أُحِبُّ لَهُ فِي كُلِّ وَاجِبٍ عَلَيْهِ غَيْرِهِمَا، فَإِنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَلَمْ يَكُنْ حَجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ يَنْوِي أَنْ يَكُونَ تَطَوُّعًا أَوْ يَنْوِي أَنْ يَكُونَ عَنْ غَيْرِهِ أَوْ أَحْرَمَ فَقَالَ: إحْرَامِي كَإِحْرَامِ فُلَانٍ لِرَجُلٍ غَائِبٍ عَنْهُ فَكَانَ فُلَانٌ مُهِلًّا بِالْحَجِّ كَانَ فِي هَذَا كُلِّهِ حَاجًّا وَأَجْزَأَ عَنْهُ مِنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا دَلَّ عَلَى مَا وَصَفْت؟ قُلْت فَإِنَّ مُسْلِمَ بْنَ خَالِدٍ وَغَيْرَهُ أَخْبَرَنَا عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عَطَاءٌ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ: «قَدِمَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ سِعَايَتِهِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَ أَهْلَلْت يَا عَلِيُّ؟ قَالَ: بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فَأَهْدِ وَامْكُثْ حَرَامًا كَمَا أَنْتَ قَالَ: وَأَهْدَى لَهُ عَلِيٌّ هَدْيًا» (قَالَ الشَّافِعِيُّ): أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ حَجَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى إذَا أَتَى الْبَيْدَاءَ فَنَظَرْت مَدَّ بَصَرِي مِنْ بَيْنِ رَاكِبٍ وَرَاجِلٍ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ وَمِنْ وَرَائِهِ كُلُّهُمْ يُرِيدُ أَنْ يَأْتَمَّ بِهِ يَلْتَمِسُ أَنْ يَقُولَ كَمَا يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَنْوِي إلَّا الْحَجَّ وَلَا يَعْرِفُ غَيْرَهُ وَلَا يَعْرِفُ الْعُمْرَةَ فَلَمَّا طُفْنَا فَكُنَّا عِنْدَ الْمَرْوَةِ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُحْلِلْ وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً وَلَوْ اسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت مَا أَهْدَيْت فَحَلَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ»، أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ عَنْ «أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُقِمْ عَلَى إحْرَامِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُحْلِلْ وَلَمْ يَكُنْ مَعِي هَدْيٌ فَحَلَلْت، وَكَانَ مَعَ الزُّبَيْرِ هَدْيٌ فَلَمْ يُحْلِلْ»، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِخَمْسٍ بَقَيْنَ مِنْ ذِي الْقِعْدَةِ لَا نَرَى إلَّا أَنَّهُ الْحَجُّ فَلَمَّا كُنَّا بِسَرِفٍ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً فَلَمَّا كُنَّا بِمِنًى أُتِيتُ بِلَحْمِ بَقَرٍ فَقُلْت مَا هَذَا؟ قَالُوا ذَبَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ نِسَائِهِ»، قَالَ يَحْيَى فَحَدَّثْت بِهِ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ فَقَالَ: جَاءَتْك وَاَللَّهِ بِالْحَدِيثِ عَلَى وَجْهِهِ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ وَالْقَاسِمُ مِثْلَ مَعْنَى حَدِيثِ سُفْيَانَ لَا يُخَالِفُ مَعْنَاهُ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ حَمَدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ «عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّتِهِ لَا نَرَى إلَّا الْحَجَّ حَتَّى إذَا كُنَّا بِسَرِفٍ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا حِضْت فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا أَبْكِي فَقَالَ مَالَك أَنُفِسْت: فَقُلْت: نَعَمْ فَقَالَ: إنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ فَاقْضِي مَا يَقْضِي الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ قَالَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute