بَابُ الْهَدِيَّةِ لِلْوَالِي بِسَبَبِ الْوِلَايَةِ
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: «اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا مِنْ الْأَزْدِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا أُهْدِيَ إلَيَّ فَقَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: مَا بَالُ الْعَامِلِ نَبْعَثُهُ عَلَى بَعْضِ أَعْمَالِنَا فَيَقُولُ هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا أُهْدِيَ إلَيَّ؟ فَهَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ، أَوْ بَيْتِ أُمِّهِ فَيَنْظُرُ أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لَا؟ فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْهَا شَيْئًا إلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ إنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَةَ إبْطَيْهِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ: هَلْ بَلَّغْت، اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْت؟» أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: بَصُرَ عَيْنِي وَسَمِعَ أُذُنِي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَلُوا زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، يَعْنِي مِثْلَهُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَيَحْتَمِلُ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ابْنِ اللُّتْبِيَّةِ تَحْرِيمَ الْهَدِيَّةِ إذَا لَمْ تَكُنْ الْهَدِيَّةُ لَهُ إلَّا بِسَبَبِ السُّلْطَانِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْهَدِيَّةَ لِأَهْلِ الصَّدَقَاتِ إذَا كَانَتْ بِسَبَبِ الْوِلَايَةِ لِأَهْلِ الصَّدَقَاتِ كَمَا يَكُونُ مَا تَطَوَّعَ بِهِ أَهْلُ الْأَمْوَالِ مِمَّا لَيْسَ عَلَيْهِمْ لِأَهْلِ الصَّدَقَاتِ لَا لِوَالِي الصَّدَقَاتِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا أَهْدَى وَاحِدٌ مِنْ الْقَوْمِ لِلْوَالِي هَدِيَّةً، فَإِنْ كَانَتْ لِشَيْءٍ يَنَالُ بِهِ مِنْهُ حَقًّا، أَوْ بَاطِلًا، أَوْ لِشَيْءٍ يُنَالُ مِنْهُ حَقٌّ، أَوْ بَاطِلٌ، فَحَرَامٌ عَلَى الْوَالِي أَنْ يَأْخُذَهَا؛ لِأَنَّ حَرَامًا عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَعْجِلَ عَلَى أَخْذِهِ الْحَقَّ لِمَنْ وَلِيَ أَمْرَهُ، وَقَدْ أَلْزَمَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَخْذَ الْحَقِّ لَهُمْ وَحَرَامٌ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ لَهُمْ بَاطِلًا وَالْجُعْلُ عَلَيْهِ أَحْرَمُ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ أَخَذَ مِنْهُ لِيَدْفَعَ بِهِ عَنْهُ مَا كَرِهَ، أَمَّا أَنْ يَدْفَعَ عَنْهُ بِالْهَدِيَّةِ حَقًّا لَزِمَهُ فَحَرَامٌ عَلَيْهِ دَفْعُ الْحَقِّ إذَا لَزِمَهُ، وَأَمَّا أَنْ يَدْفَعَ عَنْهُ بَاطِلًا فَحَرَامٌ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَدْفَعَ عَنْهُ بِكُلِّ حَالٍ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِنْ أَهْدَى لَهُ مِنْ غَيْرِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ وِلَايَتِهِ فَكَانَتْ تَفَضُّلًا عَلَيْهِ، أَوْ شُكْرَ الْحُسْنِ فِي الْمُعَامَلَةِ فَلَا يَقْبَلُهَا، وَإِنْ قَبِلَهَا كَانَتْ فِي الصَّدَقَاتِ، لَا يَسَعُهُ عِنْدِي غَيْرُهُ إلَّا أَنْ يُكَافِئَهُ عَلَيْهِ بِقَدْرِهَا فَيَسَعُهُ أَنْ يَتَمَوَّلَهَا.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِنْ كَانَ مِنْ رَجُلٍ لَا سُلْطَانَ لَهُ عَلَيْهِ وَلَيْسَ بِالْبَلَدِ الَّذِي لَهُ بِهِ سُلْطَانٌ شُكْرًا عَلَى حُسْنِ مَا كَانَ مِنْهُ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَجْعَلَهَا لِأَهْلِ الْوِلَايَةِ إنْ قَبِلَهَا، أَوْ يَدَعَ قَبُولَهَا فَلَا يَأْخُذَ عَلَى الْحُسْنِ مُكَافَأَةً، وَإِنْ قَبِلَهَا فَتَمَوَّلَهَا لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ عِنْدِي، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ وَقَدْ أَخْبَرَنَا مُطَرِّفُ بْنُ مَازِنٍ عَنْ شَيْخٍ ثِقَةٍ سَمَّاهُ لَا يَحْضُرُنِي ذِكْرُ اسْمِهِ أَنَّ رَجُلًا وَلِيَ عَدَنَ فَأَحْسَنَ فِيهَا فَبَعَثَ إلَيْهِ بَعْضُ الْأَعَاجِمِ بِهَدِيَّةٍ حَمْدًا لَهُ عَلَى إحْسَانِهِ فَكَتَبَ فِيهَا إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَأَحْسَبُهُ قَالَ قَوْلًا مَعْنَاهُ: تُجْعَلُ فِي بَيْتِ الْمَالِ. أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ صَفْوَانَ الْجُمَحِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تُخَالِطُ الصَّدَقَةُ مَالًا إلَّا أَهْلَكَتْهُ».
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ خِيَانَةَ الصَّدَقَةِ تُتْلِفُ الْمَالَ الْمَخْلُوطَ بِالْخِيَانَةِ مِنْ الصَّدَقَةِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَمَا أَهْدَى لَهُ ذُو رَحِمٍ، أَوْ ذُو مَوَدَّةٍ كَانَ يُهَادِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute