هَذَا كَانَ مَعَهُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ طُولَ النَّهَارِ أَوْ فِي بَعْضِ النَّهَارِ دُونَ بَعْضٍ أَوْ فِي حَبْسٍ وَحَدِيدٍ أَوْ مَرِيضًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَقْتُلَهُ فِي وَقْتٍ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ فِيهِ وَيَنْفَلِتُ مِنْ السِّجْنِ وَالْحَدِيدِ وَيَقْتُلُهُ فِي الْحَدِيدِ وَيَقْتُلُهُ وَهُوَ مَرِيضٌ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ شَهِدُوا عَلَى الْوَرَثَةِ أَنَّهُمْ أَقَرُّوا أَنَّ هَذَا الْمُقْسَمَ عَلَيْهِ لَمْ يَقْتُلْ أَبَاهُمْ أَوْ أَنَّهُ كَانَ غَيْرُ حَاضِرٍ قَتْلَ أَبِيهِمْ أَوْ أَنَّهُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ أَبُوهُمْ كَانَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَبْلُغَ حَيْثُ قُتِلَ أَبُوهُمْ أَوْ أَنَّهُمْ أَقْسَمُوا عَلَيْهِ عَارِفِينَ بِأَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْهُ أَحَدٌ أُخِذَتْ الدِّيَةُ مِنْهُمْ وَلِلْإِمَامِ تَعْزِيرُهُمْ بِإِقْرَارِهِمْ وَأَخْذِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ، وَلَوْ كَانُوا شَهِدُوا عَلَى أَنَّهُمْ قَالُوا إنْ كُنَّا لَغُيَّبًا عَنْ قَتْلِهِ قَبْلَ الْقَسَامَةِ وَبَعْدَهَا لَمْ يَرُدُّوا شَيْئًا؛ لِأَنِّي أَحْلَفْتُهُمْ وَأَنَا أَعْلَمُهُمْ غُيَّبًا، وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدُوا قَبْلَ الْقَسَامَةِ وَبَعْدَهَا أَنَّهُمْ قَالُوا مَا نَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ قَتْلِهِ كَانَ لَهُمْ أَنْ يُقْسِمُوا؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ يُصَدِّقُونَ الشُّهُودَ بِمَا لَا يَسْتَيْقِنُونَ وَإِنَّمَا الْيَقِينُ الْعِيَانُ لَا الشَّهَادَةُ وَلَوْ شَهِدُوا عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ قَالُوا قَدْ أَخَذْنَا مِنْهُ الدِّيَةَ أَوْ مِنْ عَاقِلَتِهِ الدِّيَةَ بِظُلْمٍ سُئِلُوا فَإِنْ قَالُوا: قُلْنَاهُ؛ لِأَنَّ الْقَسَامَةَ لَا تُوجِبُ لَنَا دِيَةً حَلَفُوا بِاَللَّهِ مَا أَرَادُوا غَيْرَ هَذَا وَقِيلَ لَهُمْ: لَيْسَ هَذَا بِظُلْمٍ وَإِنْ سَمَّيْتُمُوهُ ظُلْمًا وَإِنْ لَمْ يَحْلِفُوا عَلَى هَذَا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَا قَتَلَ صَاحِبَهُمْ وَرَدُّوا الدِّيَةَ فَإِنْ قَالُوا: أَرَدْنَا بِقَوْلِنَا أَخَذْنَا الدِّيَةَ بِظُلْمٍ بِأَنَّا كَذَبْنَا عَلَيْهِ رَدُّوا الدِّيَةَ وَعُزِّرُوا وَلَوْ أَقْسَمَ الْوَرَثَةُ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَ أَبَاهُمْ وَحْدَهُ وَشَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ غَيْرِهِ أَنَّهُ قَتَلَ أَبَاهُمْ فَادَّعَى الْوَرَثَةُ عَلَى الْقَاتِلِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ دَمَ أَبِيهِمْ وَسَأَلُوا الْقَوَدَ بِهِ أَوْ الدِّيَةَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ زَعَمُوا أَنَّ قَاتِلَ أَبِيهِمْ رَجُلٌ وَاحِدٌ فَأَبْرَءُوا مِنْهُ غَيْرَهُ وَرَدُّوا مَا أَخَذُوا مِنْ الدِّيَةِ بِالْقَسَامَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ شُهِدَ لِمَنْ أَخَذُوا مِنْهُ الدِّيَةَ بِالْبَرَاءَةِ وَأَبْرَءُوهُ بِدَعْوَاهُمْ عَلَى غَيْرِهِ وَلَوْ ثَبَتُوا أَيْضًا عَلَى دَعْوَاهُمْ عَلَى الْأَوَّلِ وَكَذَّبُوا الْبَيِّنَةَ لَمْ يَأْخُذُوا مِنْ الْآخَرِ عَقْلًا وَلَا قَوَدًا؛ لِأَنَّهُمْ أَبْرَءُوهُ وَرَدُّوا مَا أَخَذُوا مِنْ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ قَدْ شَهِدَا لَهُ بِالْبَرَاءَةِ وَلَوْ أَنَّ شَاهِدَيْنِ شَهِدَا لِرَجُلٍ بِمَا يُبَرِّئُهُ مِنْ دَمِ رَجُلٍ كَمَا وَصَفْت، ثُمَّ أَقَرَّ الْمَشْهُودُ لَهُ أَنَّهُ قَتَلَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً لَزِمَهُ الدَّمُ كَمَا أَقَرَّ بِهِ.
وَإِذَا أَقَرَّ بِهِ خَطَأً لَزِمَهُ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ دُونَ عَاقِلَتِهِ وَلَوْ أَنَّ وُلَاةَ الدَّمِ أَقَرُّوا أَنَّ رَجُلًا لَمْ يَقْتُلْ أَبَاهُمْ وَادَّعُوهُ عَلَى غَيْرِهِ وَأَقَرَّ الَّذِي أَبْرَءُوهُ أَنَّهُ قَتَلَ أَبَاهُمْ مُنْفَرِدًا فَقَدْ قِيلَ: يُؤْخَذُ بِإِقْرَارِهِ وَيَكُونُ أَصْدَقُ عَلَيْهِ مِنْ إبْرَائِهِمْ لَهُ كَشَهَادَةِ مَنْ شَهِدَ لَهُ بِالْبَرَاءَةِ وَقِيلَ: لَا يُؤْخَذُ بِإِقْرَارِهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ وُلَاةَ الدَّمِ قَدْ أَبْرَءُوهُ مِنْ دَمِهِ وَسَوَاءٌ ادَّعَوْا الْوَهْمَ فِي إبْرَائِهِ، ثُمَّ قَالُوا أَثْبَتْنَا أَنَّكَ قَتَلْته أَوْ لَمْ يَدَّعُوهُ. .
اخْتِلَافُ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الدَّمِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى أَنَّ رَجُلًا قَتَلَ أَبَاهُ عَمْدًا بِمَا فِيهِ الْقَوَدُ وَأَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ قَتَلَهُ خَطَأً فَالْقَتْلُ خَطَأٌ وَالدِّيَةُ عَلَيْهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ مَا قَتَلَهُ إلَّا خَطَأً فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي لِقَتْلِهِ عَمْدًا وَكَانَ لَهُ الْقَوَدُ وَهَكَذَا إنْ أَقَرَّ أَنَّهُ قَتَلَهُ عَمْدًا بِالشَّيْءِ الَّذِي إذَا قَتَلَهُ بِهِ لَمْ يُقَدْ مِنْهُ وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَ أَبَاهُ وَحْدَهُ خَطَأً فَأَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ قَتَلَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ مَعَهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُقِرِّ مَعَ يَمِينِهِ وَلَمْ يَغْرَمْ إلَّا نِصْفَ الدِّيَةِ وَلَا يَصْدُقُ عَلَى الَّذِي زَعَمَ أَنَّهُ قَتَلَهُ مَعَهُ.
وَلَوْ قَالَ قَتَلْته وَحْدِي عَمْدًا وَأَنَا مَغْلُوبٌ عَلَى عَقْلِي بِمَرَضٍ فَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ مَرِيضًا مَغْلُوبًا عَلَى عَقْلِهِ قُبِلَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ وَلِيُّ الدَّمِ لَقَتَلَهُ غَيْرُ مَغْلُوبٍ عَلَى عَقْلِهِ وَهَكَذَا لَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ قَتَلَهُ فَقَالَ: قَتَلْته وَأَنَا مَغْلُوبٌ عَلَى عَقْلِي (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي مَحَلَّةِ قَوْمٍ يَخْتَلِطُ بِهِمْ غَيْرُهُمْ أَوْ صَحْرَاءَ أَوْ مَسْجِدٍ أَوْ سُوقٍ أَوْ مَوْضِعِ مَسِيرٍ إلَى دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَلَا قَسَامَةَ فِيهِ فَإِنْ ادَّعَى أَوْلِيَاؤُهُ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لَمْ يَحْلِفْ لَهُمْ مِنْهُمْ إلَّا مَنْ أَثْبَتُوا بِعَيْنِهِ فَقَالُوا نَحْنُ نَدَّعِي أَنَّهُ قَتَلَهُ فَإِنْ أَثْبَتُوهُمْ كُلَّهُمْ وَادَّعَوْا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute