مَعَانِي الْأَيْمَانِ فَاَلَّذِي يَذْهَبُ إلَيْهِ عَطَاءٌ أَنَّهُ يُجْزِيهِ مِنْ ذَلِكَ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَالَهُ فِي كُلِّ مَا حَنِثَ فِيهِ سِوَى عِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ وَهُوَ مَذْهَبُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَالْقِيَاسُ وَمَذْهَبُ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: يَتَصَدَّقُ بِجَمِيعِ مَا يَمْلِكُ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَيَحْبِسُ قَدْرَ مَا يَقُوتُهُ، فَإِذَا أَيْسَرَ تَصَدَّقَ بِاَلَّذِي حَبَسَ. وَذَهَبَ غَيْرُهُ إلَى أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِثُلُثِ مَالِهِ وَذَهَبَ غَيْرُهُ إلَى أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِزَكَاةِ مَالِهِ، وَسَوَاءٌ قَالَ صَدَقَةٌ أَوْ قَالَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إذَا كَانَتْ عَلَى مَعَانِي الْأَيْمَانِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَمَنْ حَلَفَ بِصَدَقَةِ مَالِهِ فَحَنِثَ فَإِنْ كَانَ أَرَادَ يَمِينًا فَكَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ تَبَرُّرًا، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِمَالِي كُلِّهِ، تَصَدَّقَ بِهِ كُلِّهِ. لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَلْيُطِعْهُ».
بَابُ نَذْرِ التَّبَرُّرِ وَلَيْسَ فِي التَّرَاجِمِ وَفِيهَا مَنْ نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَمَنْ نَذَرَ تَبَرُّرًا أَنْ يَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ لَزِمَهُ أَنْ يَمْشِيَ إنْ قَدَرَ عَلَى الْمَشْيِ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ رَكِبَ وَأَهْرَاقَ دَمًا احْتِيَاطًا لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِمَا نَذَرَ كَمَا نَذَرَ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ دَمٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُطِقْ شَيْئًا سَقَطَ عَنْهُ كَمَا لَا يُطِيقُ الْقِيَامَ فِي الصَّلَاةِ فَيَسْقُطُ عَنْهُ وَيُصَلِّي قَاعِدًا وَلَا يُطِيقُ الْقُعُودَ فَيُصَلِّي مُضْطَجِعًا. وَإِنَّمَا فَرَّقْنَا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالصَّلَاةِ أَنَّ النَّاسَ أَصْلَحُوا أَمْرَ الْحَجِّ بِالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ وَالنُّسُكِ وَلَمْ يُصْلِحُوا أَمْرَ الصَّلَاةِ إلَّا بِالصَّلَاةِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَا يَمْشِي أَحَدٌ إلَى بَيْتِ اللَّهِ إلَّا حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا إلَّا بِذِلَّةٍ مِنْهُ (قَالَ الرَّبِيعُ) وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ فَحَنِثَ فَكَفَّارَةُ يَمِينٍ تُجْزِئُهُ مِنْ ذَلِكَ إنْ أَرَادَ بِذَلِكَ الْيَمِينَ (قَالَ الرَّبِيعُ) وَسَمِعْت الشَّافِعِيَّ أَفْتَى بِذَلِكَ رَجُلًا فَقَالَ: هَذَا قَوْلُك أَبَا عَبْدِ اللَّهِ؟ فَقَالَ هَذَا قَوْلُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي قَالَ: مَنْ هُوَ؟ قَالَ: عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَمَنْ حَلَفَ بِالْمَشْيِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا مَعْقُولُ مَعْنَى قَوْلِ عَطَاءٍ أَنَّ كُلَّ مَنْ حَلَفَ بِشَيْءٍ مِنْ النُّسُكِ صَوْمٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ إذَا حَنِثَ وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ حَجٌّ وَلَا عُمْرَةٌ وَلَا صَوْمٌ وَمَذْهَبُهُ أَنَّ أَعْمَالَ الْبِرِّ لِلَّهِ لَا تَكُونُ إلَّا بِفَرْضٍ يُؤَدِّيهِ مِنْ فُرُوضِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ أَوْ تَبَرُّرًا يُرِيدُ اللَّهَ بِهِ فَأَمَّا مَا عَلَا عُلُوَّ الْإِيمَانِ فَلَا يَكُونُ تَبَرُّرًا وَإِنَّمَا يَعْمَلُ التَّبَرُّرَ لِغَيْرِ الْعُلُوِّ وَقَدْ قَالَ غَيْرُ عَطَاءٍ: عَلَيْهِ الْمَشْيُ كَمَا يَكُونُ عَلَيْهِ إذَا نَذَرَهُ مُتَبَرِّرًا.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَالتَّبَرُّرُ أَنْ يَقُولَ لِلَّهِ عَلَيَّ إنْ شَفَى اللَّهُ فُلَانًا أَوْ قَدِمَ فُلَانٌ مِنْ سَفَرِهِ أَوْ قَضَى عَنِّي دَيْنًا أَوْ كَانَ كَذَا أَنْ أَحُجَّ لَهُ نَذْرًا فَهُوَ التَّبَرُّرُ. فَأَمَّا إذَا قَالَ: إنْ لَمْ أَقْضِك حَقَّك فَعَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ فَهَذَا مِنْ مَعَانِي الْأَيْمَانِ لَا مَعَانِي النُّذُورِ وَأَصْلُ مَعْقُولِ قَوْلِ عَطَاءٍ فِي مَعَانِي النُّذُورِ مِنْ هَذَا أَنَّهُ يَذْهَبُ إلَى أَنَّ مَنْ نَذَرَ نَذْرًا فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ وَلَا كَفَّارَةٌ فَهَذَا يُوَافِقُ السُّنَّةَ وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ: لِلَّهِ عَلَيَّ إنْ شَفَانِي أَوْ شَفَى فُلَانًا أَنْ أَنْحَرَ ابْنِي أَوْ أَنْ أَفْعَلَ كَذَا مِنْ الْأَمْرِ الَّذِي لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ فَمَنْ قَالَ هَذَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِ وَفِي السَّائِبَةِ، وَإِنَّمَا أَبْطَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ النَّذْرَ فِي الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ لِأَنَّهَا مَعْصِيَةٌ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي ذَلِكَ كَفَّارَةً وَكَانَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ مَنْ نَذَرَ مَعْصِيَةَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لَا يَفِيَ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَبِذَلِكَ جَاءَتْ السُّنَّةُ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْأَيْلِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِيهِ»
(أَخْبَرَنَا) سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ كَانَتْ بَنُو عَقِيلٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute