يُصَلِّي إلَى جِذْعٍ إذْ كَانَ الْمَسْجِدُ عَرِيشًا وَكَانَ يَخْطُبُ إلَى ذَلِكَ الْجِذْعِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لَك أَنْ نَجْعَلَ لَك مِنْبَرًا تَقُومُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَتَسْمَعَ النَّاسُ خُطْبَتَك؟ قَالَ: نَعَمْ: فَصُنِعَ لَهُ ثَلَاثُ دَرَجَاتٍ فَهِيَ لِلْآتِي أَعْلَى الْمِنْبَرِ فَلَمَّا صُنِعَ الْمِنْبَرُ وَوُضِعَ مَوْضِعَهُ الَّذِي وَضَعَهُ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَدَا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَقُومَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَيَخْطُبَ عَلَيْهِ فَمَرَّ إلَيْهِ، فَلَمَّا جَاوَزَ ذَلِكَ الْجِذْعَ الَّذِي كَانَ يَخْطُبُ إلَيْهِ خَارَ حَتَّى انْصَدَعَ وَانْشَقَّ فَنَزَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا سَمِعَ صَوْتَ الْجِذْعِ فَمَسَحَهُ بِيَدِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْمِنْبَرِ» فَلَمَّا هُدِمَ الْمَسْجِدُ أَخَذَ ذَلِكَ الْجِذْعَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ فَكَانَ عِنْدَهُ فِي بَيْتِهِ حَتَّى بَلِيَ وَأَكَلَتْهُ الْأَرَضَةُ وَصَارَ رُفَاتًا
(قَالَ: الشَّافِعِيُّ): فَبِهَذَا قُلْنَا لَا بَأْسَ أَنْ يَخْطُبَ الْإِمَامُ عَلَى شَيْءٍ مُرْتَفِعٍ مِنْ الْأَرْضِ وَغَيْرِهَا وَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْزِلَ عَنْ الْمِنْبَرِ لِلْحَاجَةِ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ، ثُمَّ يَعُودَ إلَى الْمِنْبَرِ وَإِنْ نَزَلَ عَنْ الْمِنْبَرِ بَعْد مَا تَكَلَّمَ اسْتَأْنَفَ الْخُطْبَةَ لَا يُجْزِئُهُ غَيْرُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ لَا تُعَدُّ خُطْبَةً إذَا فَصَلَ بَيْنَهَا بِنُزُولٍ يَطُولُ، أَوْ بِشَيْءٍ يَكُونُ قَاطِعًا لَهَا.
الْخُطْبَةُ قَائِمًا
(قَالَ: الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): قَالَ: اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} الْآيَةُ (قَالَ: الشَّافِعِيُّ): فَلَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي خُطْبَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْجُمُعَةِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَكَانَ لَهُمْ سُوقٌ يُقَالُ لَهَا الْبَطْحَاءُ، كَانَتْ بَنُو سُلَيْمٍ يَجْلِبُونَ إلَيْهَا الْخَيْلَ وَالْإِبِلَ وَالْغَنَمَ وَالسَّمْنَ فَقَدِمُوا فَخَرَجَ إلَيْهِمْ النَّاسُ وَتَرَكُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ لَهُمْ لَهْوٌ إذَا تَزَوَّجَ أَحَدٌ مِنْ الْأَنْصَارِ ضَرَبُوا بِالْكَبَرِ فَعَيَّرَهُمْ اللَّهُ بِذَلِكَ فَقَالَ {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا}» (قَالَ الشَّافِعِيُّ): أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ خُطْبَتَيْنِ قَائِمًا يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِجُلُوسٍ» أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي صَالِحٌ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَهُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي صَالِحٌ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَخْطُبُونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ خُطْبَتَيْنِ عَلَى الْمِنْبَرِ قِيَامًا يَفْصِلُونَ بَيْنَهُمَا بِجُلُوسٍ حَتَّى جَلَسَ مُعَاوِيَةُ فِي الْخُطْبَةِ الْأُولَى فَخَطَبَ جَالِسًا وَخَطَبَ فِي الثَّانِيَةِ قَائِمًا».
(قَالَ: الشَّافِعِيُّ): فَإِذَا خَطَبَ الْإِمَامُ خُطْبَةً وَاحِدَةً وَصَلَّى الْجُمُعَةَ عَادَ فَخَطَبَ خُطْبَتَيْنِ وَصَلَّى الْجُمُعَةَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى ذَهَبَ الْوَقْتُ صَلَّاهَا ظُهْرًا أَرْبَعًا وَلَا يُجْزِئُهُ أَقَلُّ مِنْ خُطْبَتَيْنِ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِجُلُوسٍ فَإِنْ فَصَلَ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يَجْلِسْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ، وَلَا يَجْزِيهِ أَنْ يَخْطُبَ جَالِسًا فَإِنْ خَطَبَ جَالِسًا مِنْ عِلَّةٍ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ وَأَجْزَأَ مَنْ خَلْفَهُ وَإِنْ خَطَبَ جَالِسًا وَهُمْ يَرَوْنَهُ صَحِيحًا فَذَكَرَ عِلَّةً فَهُوَ أَمِينٌ عَلَى نَفْسِهِ وَكَذَلِكَ هَذَا فِي الصَّلَاةِ وَإِنْ خَطَبَ جَالِسًا وَهُمْ يَعْلَمُونَهُ صَحِيحًا لِلْقِيَامِ لَمْ تُجْزِئْهُ وَلَا إيَّاهُمْ الْجُمُعَةُ وَإِنْ خَطَبَ جَالِسًا وَلَا يَدْرُونَ أَصَحِيحٌ هُوَ، أَوْ مَرِيضٌ؟ فَكَانَ صَحِيحًا أَجْزَأَتْهُمْ صَلَاتُهُمْ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عِنْدَهُمْ أَنْ لَا يَخْطُبَ جَالِسًا إلَّا مَرِيضٌ وَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ الْإِعَادَةُ إذَا خَطَبَ جَالِسًا وَهُمْ يَعْلَمُونَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute