بِشَيْءٍ يُثْبِتُونَهُ بِعَيْنِهِ فَيَلْزَمُهُ. وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلًا رَهْنًا بِمِائَةِ دِينَارٍ ثُمَّ مَاتَ الْمُرْتَهِنُ أَوْ غُلِبَ عَلَى عَقْلِهِ فَأَقَامَ الرَّاهِنُ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ قَضَاهُ مِنْ حَقِّهِ الَّذِي بِهِ الرَّهْنُ عَشَرَةٌ وَبَقِيَتْ عَلَيْهِ تِسْعُونَ فَإِذَا أَدَّاهَا، فُكَّ لَهُ الرَّهْنُ، وَإِلَّا بِيعَ الرَّهْنُ عِنْدَ مَحِلِّهِ وَاقْتُضِيَتْ مِنْهُ التِّسْعُونَ، وَلَوْ قَالَتْ الْبَيِّنَةُ: قَضَاهُ شَيْئًا مَا نُثْبِتُهُ أَوْ قَالَتْ الْبَيِّنَةُ: أَقَرَّ عِنْدَنَا الْمُرْتَهِنُ أَنَّهُ اقْتَضَى مِنْهُ شَيْئًا مَا نُثْبِتُهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ وَرَثَتِهِ إنْ كَانَ مَيِّتًا قِيلَ أَقَرُّوا فِيهَا بِشَيْءٍ مَا كَانَ وَاحْلِفُوا مَا تَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَكْثَرُ مِنْهُ وَخُذُوا مَا بَقِيَ مِنْ حَقِّكُمْ، وَلَوْ كَانَ الرَّاهِنُ الْمَيِّتَ وَالْمُرْتَهِنُ الْحَيَّ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُرْتَهِنِ فَإِنْ قَالَ الْمُرْتَهِنُ قَدْ قَضَانِي شَيْئًا مِنْ الْحَقِّ مَا أَعْرِفُهُ قِيلَ لِلرَّاهِنِ إنْ كَانَ حَيًّا وَوَرَثَتُهُ إنْ كَانَ مَيِّتًا ادَّعَيْتُمْ شَيْئًا تُسَمُّونَهُ أَحَلَفْنَاهُ لَكُمْ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ مِنْهُ، وَقُلْنَا أَقَرَّ بِشَيْءٍ مَا كَانَ فَمَا أَقَرَّ بِهِ وَحَلَفَ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ، قَبِلْنَا قَوْلَهُ فِيهِ.
جِنَايَةُ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ عَلَى سَيِّدِهِ وَمِلْكِ سَيِّدِهِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا رَهَنَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ فَجَنَى الْعَبْدُ عَلَى سَيِّدِهِ جِنَايَةً تَأْتِي عَلَى نَفْسِهِ فَوَلِيُّ سَيِّدِهِ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْقِصَاصِ مِنْهُ وَبَيْنَ الْعَفْوِ بِلَا شَيْءٍ فِي رَقَبَتِهِ فَإِنْ اقْتَصَّ مِنْهُ فَقَدْ بَطَلَ الرَّهْنُ فِيهِ، وَإِنْ عَفَا عَنْهُ بِلَا شَيْءٍ يَأْخُذُهُ مِنْهُ فَالْعَبْدُ مَرْهُونٌ بِحَالِهِ، وَإِنْ عَفَا عَنْهُ بِأَخْذِ دِيَتِهِ مِنْ رَقَبَتِهِ فَفِيهَا قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّ جِنَايَتَهُ عَلَى سَيِّدِهِ إذَا أَتَتْ عَلَى نَفْسِ سَيِّدِهِ كَجِنَايَتِهِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ لَا تَخْتَلِفُ فِي شَيْءٍ وَمَنْ قَالَ هَذَا قَالَ: إنَّمَا مَنَعَنِي إذَا تَرَكَ الْوَلِيُّ الْقَوَدَ عَلَى أَخْذِ الْمَالِ أَنْ أُبْطِلَ الْجِنَايَةَ أَنَّ الْجِنَايَةَ الَّتِي لَزِمَتْ الْعَبْدَ مَالٌ لِلْوَارِثِ وَالْوَارِثُ لَيْسَ بِمَالِكٍ لِلْعَبْدِ يَوْمَ جَنَى فَيَبْطُلُ حَقُّهُ فِي رَقَبَتِهِ بِأَنَّهُ مِلْكٌ لَهُ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْجِنَايَةَ هَدَرٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْوَارِثَ إنَّمَا يَمْلِكُهَا بَعْدَمَا يَمْلِكُهَا الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ، وَمَنْ قَالَ هَذَا قَالَ: لَوْلَا أَنَّ الْمَيِّتَ مَالِكٌ مَا قَضَى بِهَا دَيْنَهُ، وَلَوْ كَانَ لِلسَّيِّدِ وَارِثَانِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا عَنْ الْجِنَايَةِ بِلَا مَالٍ كَانَ الْعَفْوُ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ جَائِزًا، وَكَانَ الْعَبْدُ مَرْهُونًا بِحَالِهِ، وَإِنْ عَفَا الْآخَرُ بِمَالٍ يَأْخُذُهُ بِيعَ نِصْفُهُ فِي الْجِنَايَةِ، وَكَانَ لِلَّذِي لَمْ يَعْفُ ثَمَنُ نِصْفِهِ إنْ كَانَ مِثْلَ الْجِنَايَةِ أَوْ أَقَلَّ، وَكَانَ نِصْفُهُ مَرْهُونًا وَسَوَاءٌ الَّذِي عَفَا عَنْ الْمَالِ وَاَلَّذِي عَفَا عَنْ غَيْرِ شَيْءٍ فِيمَا وَصَفْت. وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَلِلسَّيِّدِ الْمَقْتُولِ وَرَثَةٌ صِغَارٌ وَبَالِغُونَ وَأَرَادَ الْبَالِغُونَ قَتْلَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ قَتْلُهُ حَتَّى يَبْلُغَ الصِّغَارُ، وَلَوْ أَرَادَ الْمُرْتَهِنُ بَيْعَهُ عِنْدَ مَحِلِّ الْحَقِّ قَبْلَ أَنْ يَعْفُوَ أَحَدٌ مِنْ الْوَرَثَةِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ، وَكَانَ لَهُ أَنْ يَقُومَ فِي مَالِ الْمَيِّتِ بِمَالِهِ قِيَامَ مَنْ لَا رَهْنَ لَهُ فَإِنْ حَاصَّ الْغُرَمَاءَ فَبَقِيَ مِنْ حَقِّهِ شَيْءٌ ثُمَّ عَفَا بَعْضُ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ الْبَالِغِينَ بِلَا مَالٍ يَأْخُذُهُ كَانَ حَقُّ الْعَافِينَ مِنْ الْعَبْدِ رَهْنًا لَهُ يُبَاعُ لَهُ دُونَ الْغُرَمَاءِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ.
وَإِذَا عَفَا أَحَدُ الْوَرَثَةِ الْبَالِغِينَ عَنْ الْقَوَدِ فَلَا سَبِيلَ إلَى الْقَوَدِ وَيُبَاعُ نَصِيبُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ مِنْ الْوَرَثَةِ، وَلَمْ يَعْفُ، إنْ كَانَ الْبَيْعُ نَظَرًا لَهُ فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّ ثَمَنَ الْعَبْدِ يُمْلَكُ بِالْجِنَايَةِ عَلَى مَالِكِهِ حَتَّى يَسْتَوْفُوا مَوَارِيثَهُمْ مِنْ الدِّيَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي ثَمَنِهِ فَضْلٌ عَنْهَا فَيُرَدَّ رَهْنًا. وَلَوْ كَانَتْ جِنَايَةُ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ عَلَى سَيِّدِهِ الرَّاهِنِ عَمْدًا فِيهَا قِصَاصٌ لَمْ يَأْتِ عَلَى النَّفْسِ كَانَ لِلسَّيِّدِ الرَّاهِنِ الْخِيَارُ فِي الْقَوَدِ أَوْ الْعَفْوِ فَإِنْ عَفَا عَلَى غَيْرِ شَيْءٍ فَالْعَبْدُ رَهْنٌ بِحَالِهِ، وَإِنْ قَالَ أَعْفُوا عَلَى أَنْ آخُذَ أَرْشَ الْجِنَايَةِ مِنْ رَقَبَتِهِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَالْعَبْدُ رَهْنٌ بِحَالِهِ، وَلَا يَكُونُ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنٌ. وَإِنْ كَانَتْ جِنَايَتُهُ عَلَى سَيِّدِهِ عَمْدًا لَا قَوَدَ فِيهَا أَوْ خَطَأً فَهِيَ هَدَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ بِجِنَايَتِهِ عَلَيْهِ مِنْ الْعَبْدِ إلَّا مَا كَانَ لَهُ قَبْلَ جِنَايَتِهِ، وَلَا يَكُونُ لَهُ دَيْنٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ لَهُ، وَلَا يَكُونُ لَهُ عَلَى مَالِهِ دَيْنٌ.
وَإِنْ جَنَى الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ عَلَى عَبْدٍ لِلسَّيِّدِ جِنَايَةً فِي نَفْسٍ أَوْ مَا دُونَهَا فَالْخِيَارُ إلَى السَّيِّدِ الرَّاهِنِ فَإِنْ شَاءَ اقْتَصَّ مِنْهُ فِي الْقَتْلِ وَغَيْرِهِ مِمَّا فِيهِ الْقِصَاصُ، وَإِنْ شَاءَ عَفَا وَبِأَيِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute