للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَدْبِيرُ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَإِذَا قَدِمَ الْحَرْبِيُّ دَارَ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ فَدَبَّرَ عَبْدًا لَهُ فَالتَّدْبِيرُ جَائِزٌ، فَإِنْ أَرَادَ الرُّجُوعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ لَمْ نَمْنَعْهُمَا، وَإِنْ أَسْلَمَ الْعَبْدُ الْمُدَبَّرُ قُلْنَا لِلْحَرْبَيَّ: إنْ رَجَعَتْ فِي التَّدْبِيرِ لَمْ نَمْنَعْك الرُّجُوعَ فِي وَصِيَّتِك وَبِعْنَا عَلَيْك الْعَبْدَ أَبَيْت أَمْ أَطَعْت؛ لِأَنَّا لَا نَدَعُك تَمْلِكُ مُسْلِمًا لَنَا بَيْعُهُ عَلَيْك، وَإِنْ لَمْ تَرْجِعْ فَأَرَدْت الْمَقَامَ خَارَجْنَاهُ لَك وَمَنَعْنَاك خِدْمَتَهُ لَك، وَإِنْ أَرَدْت الرُّجُوعَ إلَى بِلَادِك فَإِنْ رَجَعْت فِي تَدْبِيرِهِ بِعْنَاهُ، وَإِنْ لَمْ تَرْجِعْ خَارَجْنَاهُ وَوَكَّلَتْ بِخَرَاجِهِ إنْ شِئْت مَنْ يَقْبِضُهُ لَك، فَإِذَا مِتّ فَهُوَ حُرٌّ وَلَوْ دَبَّرَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ، ثُمَّ خَرَجَ إلَيْنَا مُقِيمًا عَلَى التَّدْبِيرِ كَانَ مُدَبَّرًا مَا لَمْ يَرْجِعْ فِي التَّدْبِيرِ بِأَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ مِلْكِهِ، وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ يُبَاعُ بِكُلِّ حَالٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ أُعْتِقَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، ثُمَّ خَرَجَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَمْ يُحْدِثْ مِلْكًا لَهُ بِغَصْبٍ يَغْصِبُهُ إيَّاهُ يَسْتَرِقُّهُ بِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ بَعْدَ الْعِتْقِ كَانَ حُرًّا، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: كَيْفَ يَكُونُ الْعِتْقُ فِي دَارِ الْحَرْبِ جَائِزًا؟ قِيلَ: الْعِتْقُ إخْرَاجُ مِلْكٍ إلَى صَاحِبِهِ فَهُوَ إذَا أَخْرَجَ مَالَهُ إلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ بِبَيْعٍ أَوْ مِلْكٍ يَصِحُّ، ثُمَّ أَسْلَمَا لَمْ يَرُدَّ إلَيْهِ مَا أَخْرَجَ مِنْ مِلْكِهِ إلَى مِثْلِهِ، الْحُكْمُ فِيهِ أَنْ لَا يُرَدَّ عَلَيْهِ مَا أَخْرَجَ مِنْهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ أَخْذًا لَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَإِنْ أَحْدَثَ أَخْذًا لَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَا يَخْرُجُ مِنْ يَدَيْهِ مَا غَلَبَ عَلَيْهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَالْعِتْقُ إخْرَاجُ شَيْءٍ مِنْ يَدَيْهِ لَمْ يَرْجِعْ فَيَأْخُذْهُ بَعْدَ إخْرَاجِهِ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَخْذُهُ بَعْدَ أَنْ يَصِيرَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، قَالَ: وَالْحُجَّةُ فِي هَذَا مَكْتُوبٌ فِي كِتَابٍ غَيْرِ هَذَا.

فِي تَدْبِيرِ الْمُرْتَدِّ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَإِذَا دَبَّرَ الْمُرْتَدُّ فَفِيهِ أَقَاوِيلُ: أَحَدُهَا، أَنَّهُ مَوْقُوفٌ، فَإِنْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ كَانَ عَلَى تَدْبِيرِهِ حَتَّى يَرْجِعَ فِيهِ وَهُوَ عَلَى أَصْلِ مِلْكِهِ، وَإِنْ قُتِلَ فَالتَّدْبِيرُ بَاطِلٌ، وَمَالُهُ فَيْءٌ، وَمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَالَ: إنَّمَا وَقَفْنَا مَالَهُ عِنْدَ ارْتِدَادِهِ لِيَكُونَ فَيْئًا إنْ مَاتَ عَلَى الرِّدَّةِ وَرَاجِعًا إلَيْهِ إنْ رَجَعَ، فَلَمَّا مَاتَ عَلَى الرِّدَّةِ عَلِمْت أَنَّ رِدَّتَهُ نَفْسَهَا صَيَّرَتْ مَالَهُ فَيْئًا، وَالثَّانِي أَنَّ التَّدْبِيرَ بَاطِلٌ لِأَنَّ مَالَهُ مَوْقُوفٌ يَكُون فَيْئًا وَمَالُهُ خَارِجٌ إلَّا بِأَنْ يَعُودَ إلَيْهِ فَالتَّدْبِيرُ وَالْعِتْقُ بَاطِلٌ كُلُّهُ، وَمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَالَ: إنَّ مَالَهُ خَرَجَ مِنْ يَدَيْهِ إلَّا أَنْ يَعُودَ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُهُ بِالْعَوْدَةِ كَمَا حَقَنَ دَمَهُ بِالْعَوْدَةِ، فَتَدْبِيرُهُ كَانَ وَهُوَ غَيْرُ مَالِكٍ وَهَذَا أَشْبَهُ الْأَقَاوِيلِ بِأَنْ يَكُونَ صَحِيحًا وَبِهِ أَقُولُ، وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ التَّدْبِيرُ مَاضِيًا عَاشَ أَوْ مَاتَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَالَهُ إلَّا بِمَوْتِهِ وَبِمَوْتِهِ يَقَعُ الْعِتْقُ، وَمَنْ قَالَ هَذَا أَجَازَ عِتْقَهُ وَجَمِيعَ مَا صَنَعَ فِي مَالِهِ (قَالَ الرَّبِيعُ): لِلشَّافِعِيِّ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ: أَصَحُّهَا: أَنَّ التَّدْبِيرَ بَاطِلٌ.

تَدْبِيرُ الصَّبِيِّ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَإِذَا دَبَّرَ الْغُلَامُ الَّذِي لَمْ يَعْقِلْ وَلَمْ يَبْلُغْ، ثُمَّ مَاتَ فَالتَّدْبِيرُ جَائِزٌ فِي قَوْلِ مَنْ أَجَازَ الْوَصِيَّةَ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ وَلِوَلِيِّهِ فِي حَيَاتِهِ بَيْعُ مُدَبَّرِهِ فِي النَّظَرِ لَهُ كَمَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُوصِيَ لِعَبْدِهِ فَيَبِيعَهُ وَإِنْ مَاتَ جَازَ فِي الْوَصِيَّةِ، وَكَذَلِكَ الْبَالِغُ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ وَمَنْ لَمْ تَجُزْ وَصِيَّتُهُ (قَالَ): وَمَنْ لَمْ يَبْلُغْ فَتَدْبِيرُهُ بَاطِلٌ وَلَوْ بَلَغَ، ثُمَّ مَاتَ كَانَ بَاطِلًا حَتَّى يُحْدِثَ لَهُ تَدْبِيرًا بَعْدَ الْبُلُوغِ فِي حَيَاتِهِ، وَإِذَا دَبَّرَ الْمَعْتُوهُ أَوْ الْمَغْلُوبُ عَلَى عَقْلِهِ لَمْ يَجُزْ تَدْبِيرُهُ وَإِنْ كَانَ يُجَنُّ وَيُفِيقُ فَدَبَّرَ فِي حَالَةِ الْإِفَاقَةِ جَازَ، وَإِنْ دَبَّرَ فِي غَيْرِ حَالِ الْإِفَاقَةِ لَمْ يَجُزْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>