{هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ} قَالَ فَالْكَذَّابُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْآدَمِيِّينَ أَخَفُّ فِي الْكَذِبِ ذَنْبًا مِنْ الْعَاقِدِ الْكَذِبَ عَلَى اللَّهِ بِلَا شُبْهَةِ تَأْوِيلٍ وَأَدْنَى الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَكَيْفَ تَرُدُّ عَنْهُمْ شَهَادَةَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُمْ بِكَذِبٍ وَتَقْبَلُهُمْ وَهُمْ شَرٌّ بِكَذِبٍ أَعْظَمَ مِنْهُ؟ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الشَّهَادَاتُ (أَخْبَرَ الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ) قَالَ (أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): قَالَ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} وَقَالَ {وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ سَعْدًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت إنْ وَجَدْت مَعَ امْرَأَتِي رَجُلًا أُمْهِلُهُ حَتَّى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَعَمْ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى: فَالْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ يَدُلَّانِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الزِّنَا أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ، وَالْكِتَابُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ شَهَادَةُ غَيْرِ عَدْلٍ (قَالَ): وَالْإِجْمَاعُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ إلَّا شَهَادَةُ عَدْلٍ حُرٍّ بَالِغٍ عَاقِلٍ لِمَا يَشْهَدُ عَلَيْهِ.
(قَالَ): وَسَوَاءٌ أَيُّ زِنَا مَا كَانَ زِنَا حُرَّيْنِ، أَوْ عَبْدَيْنِ، أَوْ مُشْرِكَيْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّهُ زِنَا، وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى امْرَأَةٍ بِالزِّنَا، أَوْ عَلَى رَجُلٍ، أَوْ عَلَيْهِمَا مَعًا لَمْ يَنْبَغِ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَقْبَلَ الشَّهَادَةَ؛ لِأَنَّ اسْمَ الزِّنَا قَدْ يَقَعُ عَلَى مَا دُونَ الْجِمَاعِ حَتَّى يَصِفَ الشُّهُودُ الْأَرْبَعَةُ الزِّنَا فَإِذَا قَالُوا رَأَيْنَا ذَلِكَ مِنْهُ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مِنْهَا دُخُولَ الْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ، فَأَثْبَتُوهُ حَتَّى تَغِيبَ الْحَشَفَةُ فَقَدْ وَجَبَ الْحَدُّ مَا كَانَ الْحَدُّ رَجْمًا، أَوْ جَلْدًا وَإِنْ قَالُوا رَأَيْنَا فَرْجَهُ عَلَى فَرْجِهَا وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ دَخَلَ فِيهِ فَلَا حَدَّ وَيُعَزَّرُ فَإِنْ شَهِدُوا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ دَخَلَ فِي دُبُرِهَا فَقَدْ وَجَبَ الْحَدُّ كَوُجُوبِهِ فِي الْقُبُلِ فَإِنْ شَهِدُوا عَلَى امْرَأَةٍ، فَأَنْكَرَتْ وَقَالَتْ أَنَا عَذْرَاءُ، أَوْ رَتْقَاءُ أُرِيهَا النِّسَاءُ فَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ حَرَائِرُ عُدُولٌ عَلَى أَنَّهَا عَذْرَاءُ، أَوْ رَتْقَاءُ فَلَا حَدَّ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ يَزْنِ بِهَا إذَا كَانَتْ هَكَذَا الزِّنَا الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِمْ مِنْ قِبَلِ أَنَّا وَإِنْ قَبِلْنَا شَهَادَةَ النِّسَاءِ فِيمَا يَرَيْنَ عَلَى مَا يُجَزْنَ عَلَيْهِ فَإِنَّا لَا نَحُدُّهُمْ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ، وَقَدْ يَكُونُ الزِّنَا فِيمَا دُونَ هَذَا فَإِنْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ إذَا أُرْخِيَتْ السُّتُورُ فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ فَقَدْ قَالَ عُمَرُ ذَلِكَ فِيمَا بَلَغَنَا وَقَالَ مَا ذَنْبُهُنَّ إنْ جَاءَ الْعَجْزُ مِنْ قِبَلِكُمْ فَأَخْبَرَ أَنَّ الصَّدَاقَ يَجِبُ بِالْمَسِيسِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَرْخَى سِتْرًا وَيَجِبُ بِإِرْخَاءِ السِّتْرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَسِيسٌ وَذَهَبَ إلَى أَنَّهَا إذَا خَلَّتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهَا فَقَدْ وَجَبَ لَهَا الصَّدَاقُ وَجَعَلَ ذَلِكَ كَالْقَبْضِ فِي الْبُيُوعِ الَّذِي يَجِبُ بِهِ الثَّمَنُ وَهُوَ لَوْ أَغْلَقَ عَلَيْهَا بَابًا وَأَرْخَى سِتْرًا وَأَقَامَ مَعَهَا حَتَّى تَبْلَى ثِيَابُهَا وَتَلْبَثَ سَنَةً وَلَمْ يُقِرَّ بِالْإِصَابَةِ وَلَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ بِهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَدٌّ عِنْدَ أَحَدٍ، وَالْحَدُّ لَيْسَ مِنْ الصَّدَاقِ بِسَبِيلِ الصَّدَاقُ يَجِبُ بِالْعُقْدَةِ فَلَوْ عَقَدَ رَجُلٌ عَلَى امْرَأَةٍ عُقْدَةَ نِكَاحٍ، ثُمَّ مَاتَ، أَوْ مَاتَتْ كَانَ لَهَا الصَّدَاقُ كَامِلًا وَإِنْ لَمْ يَرَهَا وَلَيْسَ مَعْنَى الصَّدَاقِ مِنْ مَعْنَى الْحُدُودِ بِسَبِيلٍ
(قَالَ): وَإِذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى مُحْصَنٍ أَنَّهُ زَنَى بِذِمِّيَّةٍ حُدَّ الْمُسْلِمُ وَدُفِعَتْ الذِّمِّيَّةُ إلَى أَهْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute