قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): الَّذِي أَذْهَبُ إلَيْهِ مِنْ الْبَيْعِ بِالْبَرَاءَةِ أَنَّ مَنْ بَاعَ حَيَوَانًا بِالْبَرَاءَةِ بَرِئَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ إلَّا عَيْبًا كَتَمَهُ الْبَائِعُ مِنْ الْمُشْتَرِي وَقَدْ عَلِمَهُ كَمَا قَضَى عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنْ عَلِمَ الْبَائِعُ عَيْبًا فَكَتَمَهُ فَالْبَيْعُ مَرْدُودٌ بِالْعَيْبِ فَإِنْ قَالَ لَمْ أَعْلَمْ وَقَدْ بَاعَ بِالْبَرَاءَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ مَا عَلِمَ عَيْبًا فَكَتَمَهُ وَقَدْ خَالَفَنَا فِي هَذَا غَيْرُ وَاحِدٍ فَمَنْ أَرَادَ الْأَخْذَ بِقَوْلِنَا كَتَبَ أَوْ يَكْتُبُ وَدَفَعَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ إلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الْعَبْدَ الْمَوْصُوفَ فِي هَذَا الْكِتَابِ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْهُ وَقَبَضَهُ فُلَانٌ بَعْدَمَا تَبَرَّأَ إلَيْهِ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ ظَاهِرٍ وَبَاطِنٍ فِيهِ وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ لَا يَسْتَأْنِفَ كِتَابَ وَثِيقَةٍ إلَّا عَلَى مَا يُجِيزُهُ جَمِيعُ الْحُكَّامِ إذَا وَجَدَ السَّبِيلَ إلَيْهَا وَقَدْ كَانَ مِنْ الْحُكَّامِ مِنْ يُجِيزُ أَنْ يَقُولَ وَبَرِئَ إلَيْهِ فُلَانٌ مِنْ مِائَةِ عَيْبٍ بِهَذَا الْعَبْدِ الْمُشْتَرَى وَبَرَّأْته مِنْ مِائَةِ عَيْبٍ فَإِنْ زَادَتْ رَدَّهُ وَإِنْ نَقَصَتْ فَقَدْ أَبْرَأَهُ مِنْ أَكْثَرَ مِمَّا وُجِدَ فِيهِ فَلَيْسَ لَهُ رَدُّهُ بِعَيْبٍ دُونَ الْمِائَةِ.
وَمِنْ الْحُكَّامِ مَنْ لَا يُجِيزُ التَّبَرُّؤَ مِنْ عَيْبٍ كُتِمَ وَلَا عُلِمَ وَلَوْ سَمَّى لَهُ عَدَدًا فَوَجَدَ بِهِ ذَلِكَ الْعَدَدَ أَوْ أَقَلَّ أَبَدًا إلَّا بِعَيْبٍ يُرِيهِ إيَّاهُ حَتَّى يَكُونَ الْمُشْتَرِي قَدْ رَآهُ وَعَرَفَهُ وَمَنْ أَوْثَقَ هَذَا أَنْ يَكْتُبَ وَبَرِئَ فُلَانٌ إلَى فُلَانٍ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ وَيَصِفُهُ إمَّا كَيٌّ وَإِمَّا أَثَرُ جُرْحٍ وَإِمَّا نَقْصٌ مِنْ خَلْقٍ وَإِمَّا زِيَادَةٌ فِيهِ وَإِمَّا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْعُيُوبِ فَيَصِفُهُ بِعَيْنِهِ وَمَوْضِعِهِ ثُمَّ يَكْتُبُ وَمِنْ كَذَا وَكَذَا عَيْبًا وَقَفَهُ عَلَيْهَا قَدْ رَآهَا فُلَانٌ وَبَرَّأَهُ مِنْهَا بَعْدَ مَعْرِفَتِهَا.
الِاخْتِلَافُ فِي الْعَيْبِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَإِذَا بَاعَ رَجُلٌ رَجُلًا عَبْدًا وَلَمْ يَتَبَرَّأْ مِنْ عَيْبٍ فَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ ظَهَرَ مِنْهُ عَلَى عَيْبٍ فَقَالَ الْمُبْتَاعُ لِلْبَائِعِ كَانَ هَذَا الْعَيْبُ عِنْدَك. وَقَالَ الْبَائِعُ بَلْ حَدَثَ عِنْدَك، فَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ مِمَّا لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ مِثْلَ الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُخْلَقُ مَعَ الْإِنْسَانِ أَوْ الْأَثَرِ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ الَّتِي تَبَايَعَا فِيهَا فَالْعَبْدُ مَرْدُودٌ عَلَى الْبَائِعِ بِلَا يَمِينٍ إذَا قَالَ رَجُلَانِ عَدْلَانِ مِنْ أَهْلِ الصِّنَاعَةِ الَّتِي فِيهَا الْعَيْبُ هَذَا عَيْبٌ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَحْدُثُ مِثْلُ ذَلِكَ الْعَيْبُ فَالشِّرَاءُ تَامٌّ وَالْمُشْتَرِي يُرِيدُ نَقْضَهُ.
فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ إلَّا بِأَنْ يَأْتِيَ الْمُشْتَرِي بِبَيِّنَةٍ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ إمَّا بِإِقْرَارٍ مِنْ الْبَائِعِ وَإِمَّا بِأَنْ رَآهُ الشَّاهِدَانِ فِي الْعَبْدِ فَيَرُدُّ بِلَا يَمِينٍ وَلَوْ تَصَادَقَا أَنَّ الْعَيْبَ كَانَ بِالْعَبْدِ وَادَّعَى الْبَائِعُ التَّبَرُّؤَ مِنْ الْعَيْبِ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الْمُشْتَرِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ وَلَا يُصَدَّقُ الْبَائِعُ عَلَى أَنَّهُ تَبَرَّأَ إلَيْهِ وَيُكَلَّفُ الْبَيِّنَةَ فَإِنْ هُوَ جَاءَ بِهَا وَإِلَّا حَلَفَ الْمُشْتَرِي وَرَدَّ عَلَيْهِ وَأَصْلُ مَعْرِفَةِ الْعَيْبِ أَنْ يَدَّعِيَ لَهُ رَجُلَانِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهِ فَإِذَا قَالَا هَذَا عَيْبٌ يُنْقِصُ مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ وَالْمُشْتَرَى مَا كَانَ حَيَوَانًا أَوْ غَيْرَهُ شَيْئًا قَلَّ أَوْ كَثُرَ فَهُوَ عَيْبٌ لِصَاحِبِهِ الْخِيَارُ فِي الرَّدِّ بِهِ أَوْ قَبْضِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ قَبَضَهُ وَإِجَازَةِ الْبَيْعِ وَمَتَى اخْتَارَ الْبَيْعَ بَعْدَ الْعَيْبِ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّهُ وَإِنْ ظَهَرَ عَلَى عَيْبٍ غَيْرَ الْعَيْبِ الَّذِي اخْتَارَ وَحَبَسَ الْمَبِيعَ بَعْدَهُ كَانَ لَهُ رَدُّ الْعَبْدِ بِالْعَيْبِ الَّذِي ظَهَرَ عَلَيْهِ وَإِنْ اشْتَرَى رَجُلٌ عَبْدًا قَدْ دُلِّسَ فِيهِ بِعَيْبٍ فَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ حَتَّى حَدَثَ عِنْدَهُ بِهِ عَيْبٌ آخَرُ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّهُ بِالْعَيْبِ وَقُوِّمَ الْعَبْدُ صَحِيحًا وَمَعِيبًا ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ قِيمَةَ مَا بَيْنَ الصِّحَّةِ وَالْعَيْبِ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ اشْتَرَى الْعَبْدَ بِخَمْسِينَ دِينَارًا وَقِيمَتُهُ صَحِيحًا مِائَةٌ وَمَعِيبًا بِتِسْعِينَ فَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِعُشْرِ الثَّمَنِ وَهُوَ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ وَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ لِأَنَّهُ لَمْ يَبِعْهُ إيَّاهُ بِالْقِيمَةِ وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى بِمِائَةٍ وَهُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute