للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ الْوَصِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ وَالْوَصِيَّةِ عَلَى الشَّيْءِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَمَنْ أَوْصَى فَقَالَ: إنْ مِتُّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَفُلَانٌ - لِعَبْدٍ لَهُ - حُرٌّ وَلِفُلَانٍ كَذَا وَصِيَّةً وَيَتَصَدَّقُ عَنِّي بِكَذَا، ثُمَّ صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ الَّذِي أَوْصَى فِيهِ، ثُمَّ مَاتَ بَعْدَهُ فَجْأَةً، أَوْ مِنْ مَرَضٍ غَيْرِ ذَلِكَ الْمَرَضِ بَطَلَتْ تِلْكَ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى إلَى أَجَلٍ وَمَنْ أَوْصَى لَهُ وَأَعْتَقَ عَلَى شَرْطٍ لَمْ يَكُنْ، وَكَذَلِكَ إذَا حَدَّ فِي وَصِيَّتِهِ حَدًّا فَقَالَ: إنْ مِتُّ فِي عَامِي هَذَا، أَوْ فِي مَرَضِي هَذَا فَمَاتَ مِنْ مَرَضٍ سِوَاهُ بَطَلَ فَإِنْ أَبْهَمَ هَذَا كُلَّهُ وَقَالَ: هَذِهِ وَصِيَّتِي مَا لَمْ أُغَيِّرْهَا فَهُوَ كَمَا قَالَ وَهِيَ وَصِيَّتُهُ مَا لَمْ يُغَيِّرْهَا وَلَكِنَّهُ لَوْ قَالَ: هَذَا وَأَشْهَدَ أَنَّ وَصِيَّتَهُ هَذِهِ ثَابِتَةٌ مَا لَمْ يُغَيِّرْهَا كَانَتْ وَصِيَّتُهُ نَافِذَةً.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِنْ أَوْصَى فَقَالَ: إنْ حَدَثَ بِي حَدَثُ الْمَوْتِ وَصِيَّةً مُرْسَلَةً، وَلَمْ يُحَدِّدْ لَهَا حَدًّا، أَوْ قَالَ: مَتَى حَدَثَ بِي حَدَثُ الْمَوْتِ، أَوْ مَتَى مِتُّ فَوَصِيَّتُهُ ثَابِتَةٌ يَنْفُذُ جَمِيعُ مَا فِيهَا مِمَّا جَازَ لَهُ مَتَى مَاتَ مَا لَمْ يُغَيِّرْهَا.

بَابُ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): قَالَ: اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ} الْآيَةَ إلَى " الْمُتَّقِينَ " وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي آيِ الْمَوَارِيثِ {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} وَذَكَرَ مَنْ وَرِثَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي آيٍ مِنْ كِتَابِهِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَاحْتَمَلَ إجْمَاعُ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْوَصِيَّةِ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ الْأَمْرَانِ مَعًا فَيَكُونَ عَلَى الْمُوصِي أَنْ يُوصِيَ لَهُمْ فَيَأْخُذُونَ بِالْوَصِيَّةِ وَيَكُونَ لَهُمْ الْمِيرَاثُ فَيَأْخُذُونَ بِهِ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِالْوَصِيَّةِ نَزَلَ نَاسِخًا لَأَنْ تَكُونَ الْوَصِيَّةُ لَهُمْ ثَابِتَةً فَوَجَدْنَا الدَّلَالَةَ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ الْوَارِثِينَ مَنْسُوخَةٌ بِآيِ الْمَوَارِيثِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَخْبَارٌ لَيْسَتْ بِمُتَّصِلَةٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ جِهَةِ الْحِجَازِيِّينَ مِنْهَا أَنَّ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ أَخْبَرَنَا عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا وَصِيَّهُ لِوَارِثٍ» وَغَيْرُهُ يُثْبِتُهُ بِهَذَا الْوَجْهِ وَوَجَدْنَا غَيْرَهُ قَدْ يَصِلُ فِيهِ حَدِيثًا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى، ثُمَّ لَمْ نَعْلَمْ أَهْلَ الْعِلْمِ فِي الْبُلْدَانِ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَالِدَيْنِ مَنْسُوخَةٌ بِآيِ الْمَوَارِيثِ وَاحْتَمَلَ إذَا كَانَتْ مَنْسُوخَةً أَنْ تَكُونَ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ سَاقِطَةً حَتَّى لَوْ أَوْصَى لَهُمَا لَمْ تَجُزْ الْوَصِيَّةُ وَبِهَذَا نَقُولُ، وَمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا لَمْ نَعْلَمُ أَهْلَ الْعِلْمِ اخْتَلَفُوا فِيهِ يَدُلُّ عَلَى هَذَا، وَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ وُجُوبُهَا مَنْسُوخًا.

وَإِذَا أَوْصَى لَهُمْ جَازَ، وَإِذَا أَوْصَى لِلْوَالِدَيْنِ فَأَجَازَ الْوَرَثَةُ فَلَيْسَ بِالْوَصِيَّةِ أَخَذُوا، وَإِنَّمَا أَخَذُوا بِإِعْطَاءِ الْوَرَثَةِ لَهُمْ مَا لَهُمْ؛ لِأَنَّا قَدْ أَبْطَلْنَا حُكْمَ الْوَصِيَّةِ لَهُمْ فَكَانَ نَصُّ الْمَنْسُوخِ فِي وَصِيَّةِ الْوَالِدَيْنِ وَسَمَّى مَعَهُمْ الْأَقْرَبِينَ جُمْلَةً فَلَمَّا كَانَ الْوَالِدَانِ وَارِثَيْنِ قِسْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ وَارِثٍ، وَكَذَلِكَ الْخَبَرُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا كَانَ الْأَقْرَبُونَ وَرَثَةً وَغَيْرَ وَرَثَةٍ أَبْطَلْنَا الْوَصِيَّةَ لِلْوَرَثَةِ مِنْ الْأَقْرَبِينَ بِالنَّصِّ وَالْقِيَاسِ وَالْخَبَرِ «أَلَا لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» وَأَجَزْنَا الْوَصِيَّةَ لِلْأَقْرَبَيْنِ وَلِغَيْرِ الْوَرَثَةِ مَنْ كَانَ فَالْأَصْلُ فِي الْوَصَايَا لِمَنْ أَوْصَى فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا لَمْ أَعْلَمْ مَنْ مَضَى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ اخْتَلَفُوا فِيهِ فِي أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>