رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُقَالَ فِي شَيْءٍ لَمْ يُبَيِّنْهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّهُ خَاصٌّ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَ النَّاسِ لَعَلَّ هَذَا مِنْ الْخَاصِّ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَازَ ذَلِكَ فِي كُلِّ حُكْمِهِ فَخَرَجَتْ أَحْكَامُهُ مِنْ أَيْدِينَا وَلَكِنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ هَذَا لِأَحَدٍ حَتَّى يُبَيِّنَ اللَّهُ ثُمَّ رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ خَاصٌّ وَقَدْ أَسْلَمَ ابْنَا سَعْيَة القرظيان مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَائِمٌ عَلَيْهِمْ قَدْ حَصَرَهُمْ فَتَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُمَا دُورَهُمَا وَأَمْوَالَهُمَا مِنْ النَّخْلِ وَالْأَرْضِ وَغَيْرِهَا وَاَلَّذِي قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ هَذَا خِلَافُ السُّنَّةِ وَالْقِيَاسِ وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَغْنَمَ مَالَ الْمُسْلِمِ وَقَدْ مَنَعَهُ اللَّهُ بِدِينِهِ؟ وَكَيْفَ وَلَوْ جَازَ أَنْ يَغْنَمَ مَالَهُ بِكَيْنُونَتِهِ فِي بِلَادِ الْحَرْبِ جَازَ أَنْ يَغْنَمَ كُلَّ مَا عَلَيْهِ مِنْ ثِيَابِهِ وَفِي يَدَيْهِ مِنْ مَالِهِ وَرَقِيقِهِ أَرَأَيْتَ لَوْ قَالَ رَجُلٌ لَا تَغْنَمْ دُورَهُ وَلَا أَرَضُوهُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَحْوِيلِهِمَا بِحَالٍ فَتَرْكُهُ إيَّاهَا لَيْسَ بِرِضًا بِأَنْ يُقِرَّهَا بَيْنَ الْمُشْرِكِينَ إلَّا بِالضَّرُورَةِ وَيَغْنَمَ كُلَّ مَالٍ اسْتَطَاعَ أَنْ يُحَوِّلَهُ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ أَوْ عَرْضٍ مِنْ الْعُرُوضِ لِأَنَّ تَرْكَهُ ذَلِكَ فِي بِلَادِ الْعَدُوِّ الَّذِينَ هُوَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ رِضًا مِنْهُ بِأَنْ يَكُونَ مُبَاحًا مَا الْحُجَّةُ عَلَيْهِ؟ هَلْ هِيَ إلَّا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مَنَعَ بِالْإِسْلَامِ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا فَحَيْثُ كَانُوا فَحُرْمَةُ الْإِسْلَامِ لَهُمْ ثَابِتَةٌ فِي تَحْرِيمِ دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَلَوْ جَازَ هَذَا عِنْدَنَا جَازَ أَنْ يُسْتَرَقَّ الْمُسْلِمُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ الْمُشْرِكِينَ فَيَكُونَ حُكْمُهُ حُكْمَ مَنْ حَوْلِهِ وَلَكِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَرَّقَ بِالْإِسْلَامِ بَيْنَ أَهْلِهِ وَغَيْرِهِمْ.
اكْتِسَابُ الْمُرْتَدِّ الْمَالَ فِي رِدَّتِهِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - سُئِلَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ الْمُرْتَدِّ عَنْ الْإِسْلَامِ إذَا اكْتَسَبَ مَالًا فِي رِدَّتِهِ ثُمَّ قُتِلَ عَلَى الرِّدَّةِ فَقَالَ مَا اكْتَسَبَ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ دَمَهُ حَلَالٌ فَحَلَّ مَالُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَالُ الْمُرْتَدِّ الَّذِي كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَاَلَّذِي اُكْتُسِبَ فِي الرِّدَّةِ مِيرَاثٌ بَيْنَ وَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ وَبَلَغَنَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَنَّهُمْ قَالُوا مِيرَاثُ الْمُرْتَدِّ لِوَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّمَا هَذَا فِيمَا كَانَ لَهُ قَبْلَ الرِّدَّةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُمَا سَوَاءٌ مَا اكْتَسَبَ الْمُرْتَدُّ فِي الرِّدَّةِ وَقَبْلَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ فَيْئًا.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): كُلُّ مَا اكْتَسَبَ الْمُرْتَدُّ فِي رِدَّتِهِ أَوْ كَانَ لَهُ قَبْلَ الرِّدَّةِ سَوَاءٌ وَهُوَ فَيْءٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَنَعَ الدِّمَاءَ بِالْإِسْلَامِ وَمَنَعَ الْأَمْوَالَ بِاَلَّذِي مَنَعَ بِهِ الدِّمَاءَ فَإِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ الْإِسْلَامِ إلَى أَنْ يُبَاحَ دَمُهُ بِالْكُفْرِ كَمَا كَانَ يَكُونُ مُبَاحًا قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ يُبَاحُ مَعَهُ مَالُهُ وَكَانَ أَهْوَنَ مِنْ دَمِهِ لِأَنَّهُ كَانَ مَمْنُوعًا تَبَعًا لِدَمِهِ فَلَمَّا هَتَكْت حُرْمَةَ الدَّمِ كَانَتْ حُرْمَةُ الْمَالِ أَهْتَكَ وَأَيْسَرَ مِنْ الدَّمِ وَلَيْسَ قَتْلُنَا إيَّاهُ عَلَى الرِّدَّةِ كَقَتْلِنَا إيَّاهُ عَلَى الزِّنَا وَلَا الْقَتْلُ وَلَا الْمُحَارَبَةُ تِلْكَ حُدُودٌ لَسْنَا نُخْرِجُهُ بِهَا مِنْ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ فِيهَا وَارِثٌ مَوْرُوثٌ كَمَا كَانَ قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَهَا وَلَيْسَ هَكَذَا الْمُرْتَدُّ: الْمُرْتَدُّ يَعُودُ دَمُهُ مُبَاحًا بِالْقَوْلِ بِالشِّرْكِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَكُونُ مِيرَاثُ الْمُرْتَدِّ لِوَرَثَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَقِيلَ لِبَعْضِ مَنْ يَذْهَبُ مَذْهَبَهُ مَا الْحُجَّةُ لَكُمْ فِي هَذَا؟ فَقَالُوا رَوَيْنَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَتَلَ رَجُلًا وَوَرَّثَ مِيرَاثَهُ وَرَثَتَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قُلْنَا أَمَّا الْحُفَّاظُ مِنْكُمْ فَلَا يَرْوُونَ إلَّا قَتْلَهُ وَلَا يَرْوُونَ فِي مِيرَاثِهِ شَيْئًا وَلَوْ كَانَ ثَابِتًا عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَكُمْ لِأَنَّا وَإِيَّاكُمْ نَرْوِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خِلَافَهُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ».
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): أَفَيَعْدُو
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute