للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَوْ لَمْ تَكُنْ الْعِدَّةُ إلَّا لِلْبَرَاءَةِ كَانَتْ الصَّغِيرَةُ فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ بَرِيئَةً وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ الْبَالِغُ وَغَيْرُ الْبَالِغِ تُشْتَرَى مِنْ الْمَرْأَةِ الصَّالِحَةِ الْمُحْصَنَةِ لَهَا وَمِنْ الرَّجُلِ الصَّالِحِ الْكَبِيرِ قَدْ حَرُمَ عَلَيْهِ فَرْجُهَا بِرَضَاعٍ فَلَا يَكُونُ لِمَنْ اشْتَرَاهَا أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا.

وَلَوْ كَانَ رَجُلٌ مُودِعٌ أَمَةً يَسْتَبْرِئُهَا بِحَيْضَةٍ عِنْدَهُ قَدْ حَاضَتْ فِي يَدَيْ نِسَائِهِ حَيْضًا كَثِيرًا ثُمَّ مَلَكَهَا وَلَمْ تُفَارِقْ تَحْصِينَهُ بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ مِيرَاثٍ أَوْ أَيَّ مِلْكٍ مَا كَانَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا وَأُحِبُّ لِلرَّجُلِ الَّذِي يَطَأُ أَمَةً أَنْ لَا يُرْسِلَهَا وَأَنْ يُحْصِنَهَا وَإِنْ فَعَلَ لَمْ يُحَرِّمْهَا ذَلِكَ عَلَيْهِ وَكَانَتْ فِيمَا يَحِلُّ لَهُ مِنْهَا مِثْلَ الْمُحْصَنَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ مَا بَال رِجَالٍ يَطَئُونَ وَلَائِدَهُمْ ثُمَّ يُرْسِلُونَهُنَّ فَيُخْبِرُ أَنَّهُ تَلْحَقُ الْأَوْلَادُ بِهِمْ وَإِنْ أَرْسَلُوهُنَّ وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ الْوَطْءُ مَعَ الْإِرْسَالِ.

وَلَوْ ابْتَاعَ رَجُلٌ جَارِيَةً فَاسْتَبْرَأَهَا ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ آخَرُ فَادَّعَى أَنَّهَا لَهُ وَجَاءَ عَلَيْهَا بِشَاهِدٍ فَوَقَفَ الْمُشْتَرِي عَنْهَا ثُمَّ أَبْطَلَ الْحَاكِمُ الشَّاهِدَ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا بَعْدَ مَا فُسِخَ عَنْهُ وَقْفُهَا لِأَنَّهَا كَانَتْ عَلَى الْمِلْكِ الْأَوَّلِ لَمْ تُسْتَحَقَّ وَلَوْ اسْتَحَقَّهَا ثُمَّ اشْتَرَاهَا الْأَوَّلُ وَهِيَ فِي بَيْتِهِ لَمْ تَخْرُجْ مِنْهُ لَمْ يَطَأْهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَهَا عَلَيْهِ غَيْرُهُ.

وَلَوْ كَانَتْ جَارِيَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَاسْتَخْلَصَهَا أَحَدُهُمَا وَكَانَتْ فِي بَيْتِهِ لَمْ يَطَأْهَا مِنْ حِينِ حَلَّ لَهُ فَرْجُهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا وَلَا تَكُونُ الْبَرَاءَةُ إلَّا بِأَنْ يَمْلِكَهَا طَاهِرًا ثُمَّ تَحِيضَ بَعْدَ أَنْ تَكُونَ طَاهِرًا فِي مِلْكِهِ وَلَوْ اشْتَرَاهَا سَاعَةَ دَخَلَتْ فِي الدَّمِ لَمْ يَكُنْ هَذَا بَرَاءَةً وَأَوَّلُ الدَّمِ وَآخِرُهُ سَوَاءٌ كَمَا يَكُونُ هَذَا فِي الْعِدَّةِ فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ الْأَقْرَاءُ عَيْنُ الْحَيْضِ.

وَلَوْ طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ أَوَّلَ مَا دَخَلَتْ فِي الدَّمِ لَمْ يَعْتَدَّ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ وَلَا يَعْتَدُّ بِحَيْضَةٍ إلَّا حَيْضَةً تَقَدَّمَهَا طُهْرٌ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ لِمَ زَعَمْت أَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ طُهْرٌ ثُمَّ حَيْضَةٌ وَزَعَمْت فِي الْعِدَّةِ أَنَّ الْأَقْرَاءَ الْأَطْهَارُ؟ قُلْنَا لَهُ بِتَفْرِيقِ الْكِتَابِ ثُمَّ السُّنَّةِ بَيْنَهُمَا فَلَمَّا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} وَدَلَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنَّ الْأَقْرَاءَ الْأَطْهَارُ «لِقَوْلِهِ فِي ابْنِ عُمَرَ يُطَلِّقُهَا طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تَطْلُقَ لَهَا النِّسَاءُ» فَأَمَرْنَاهَا أَنْ تَأْتِيَ بِثَلَاثَةِ أَطْهَارٌ فَكَانَ الْحَيْضُ فِيهَا فَاصِلًا بَيْنَهُمَا حَتَّى يُسَمَّى كُلُّ طُهْرٍ مِنْهَا غَيْرَ الطُّهْرِ الْآخَرِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا حَيْضٌ كَانَ طُهْرًا وَاحِدًا وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْإِمَاءِ أَنْ يَسْتَبْرِئْنَ بِحَيْضَةٍ فَكَانَتْ الْحَيْضَةُ الْأُولَى أَمَامَهَا طُهْرٌ كَمَا لَا يُعَدُّ الطُّهْرُ إلَّا وَأَمَامَهُ حَيْضٌ وَكَانَ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَسْتَبْرِئْنَ بِحَيْضَةٍ» يَقْصِدُ قَصْدَ الْحَيْضِ بِالْبَرَاءَةِ فَأَمَرْنَاهَا أَنْ تَأْتِيَ بِحَيْضٍ كَمَا أَمَرْنَاهَا إذَا قَصَدَ الْأَطْهَارَ أَنْ تَأْتِيَ بِطُهْرٍ كَامِلٍ.

النَّفَقَةُ عَلَى الْأَقَارِبِ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلا وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} إلَى قَوْلِهِ {بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} (قَالَ الشَّافِعِيُّ): أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «أَنَّ هِنْدًا قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَلَيْسَ لِي إلَّا مَا أَدْخَلَ عَلَيَّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

<<  <  ج: ص:  >  >>