لِلْعَيْبِ شَيْءٌ كَمَا لَوْ عَمِيَتْ فِي يَدَيْ الْبَائِعِ بَعْدَ صَفْقَةِ الْبَيْعِ وَقَبْلَ قَبْضِهَا كُنْت بِالْخِيَارِ فِي تَرْكِهَا أَوْ أَخْذِهَا وَإِنْ شِئْت فَاتْرُكْهَا بِالْعَيْبِ وَكُلُّ مَا زَعَمْنَا أَنَّ الْبَيْعَ فِيهِ جَائِزٌ فَعَلَى الْمُشْتَرِي مَتَى طَلَبَ الْبَائِعُ مِنْهُ الثَّمَنَ وَسَلَّمَ إلَيْهِ السِّلْعَةَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ فَيَكُونَ إلَى أَجَلِهِ وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ الْجَارِيَةَ أَوْ مَا اشْتَرَى مِنْ السِّلَعِ فَلَمْ يَشْتَرِطْ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ إلَى أَجَلٍ وَقَالَ الْبَائِعُ لَا أُسَلِّمُ إلَيْك السِّلْعَةَ حَتَّى تَدْفَعَ إلَيَّ الثَّمَنَ وَقَالَ الْمُشْتَرِي لَا أَدْفَعُ إلَيْك الثَّمَنَ حَتَّى تُسَلِّمَ إلَيَّ السِّلْعَةَ فَإِنَّ بَعْضَ الْمَشْرِقِيِّينَ قَالَ يُجْبِرُ الْقَاضِي كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَائِعَ عَلَى أَنْ يُحْضِرَ السِّلْعَةَ وَالْمُشْتَرِيَ عَلَى أَنْ يُحْضِرَ الثَّمَنَ ثُمَّ يُسَلِّمُ السِّلْعَةَ إلَى الْمُشْتَرِي وَالثَّمَنَ إلَى الْبَائِعِ لَا يُبَالِي بِأَيِّهِمَا بَدَأَ إذَا كَانَ ذَلِكَ حَاضِرًا وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْهُمْ لَا أُجْبِرُ وَاحِدًا مِنْهُمَا عَلَى إحْضَارِ شَيْءٍ وَلَكِنْ أَقُولُ أَيَّكُمَا شَاءَ أَنْ أَقْضِيَ لَهُ بِحَقِّهِ عَلَى صَاحِبِهِ فَلْيَدْفَعْ إلَيَّ مَا عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْكُمَا دَفْعُ مَا عَلَيْهِ إلَّا بِقَبْضِ مَالِهِ وَقَالَ آخَرُونَ أَنْصِبُ لَهُمَا عَدْلًا فَأُجْبِرُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الدَّفْعِ إلَى الْعَدْلِ فَإِذَا صَارَ الثَّمَنُ وَالسِّلْعَةُ فِي يَدَيْهِ أَمَرْنَاهُ أَنْ يَدْفَعَ الثَّمَنَ إلَى الْبَائِعِ وَالسِّلْعَةَ إلَى الْمُشْتَرِي.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَا يَجُوزُ فِيهَا إلَّا الْقَوْلُ الثَّانِي مِنْ أَنْ لَا يُجْبَرَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَوْ قَوْلٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يُجْبَرَ الْبَائِعُ عَلَى دَفْعِ السِّلْعَةِ إلَى الْمُشْتَرِي بِحَضْرَتِهِ ثُمَّ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ أَجْبَرَهُ عَلَى دَفْعِهِ مِنْ سَاعَتِهِ وَإِنْ غَابَ مَالُهُ وُقِفَتْ السِّلْعَةُ وَأَشْهَدَ عَلَى أَنَّهُ وَقَفَهَا لِلْمُشْتَرِي فَإِنْ وَجَدَ لَهُ مَالًا دَفَعَهُ إلَى الْبَائِعِ وَأَشْهَدَ عَلَى إطْلَاقِ الْوَقْفِ عَنْ الْجَارِيَةِ وَدَفَعَ الْمَالَ إلَى الْبَائِعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَالسِّلْعَةُ عَيْنُ مَالِ الْبَائِعِ وَجَدَهُ عِنْدَ مُفْلِسٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَإِنَّمَا أَشْهَدْنَا عَلَى الْوَقْفِ لِأَنَّهُ إنْ أَحْدَثَ بَعْدَ إشْهَادِنَا عَلَى وَقْفِ مَالِهِ فِي مَالِهِ شَيْئًا لَمْ يَجُزْ وَإِنَّمَا مَنَعْنَا مِنْ الْقَوْلِ الَّذِي حَكَيْنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا غَيْرُهُ أَوْ هَذَا الْقَوْلُ وَأَخَذْنَا بِهَذَا الْقَوْلِ دُونَهُ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ عِنْدَنَا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ يُقِرُّ بِأَنَّ هَذِهِ الْجَارِيَةَ قَدْ خَرَجَتْ مِنْ مِلْكِهِ بِبَيْعٍ إلَى مَالِك ثُمَّ يَكُونُ لَهُ حَبْسُهَا وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُ حَبْسُهَا وَقَدْ أَعْلَمَنَا أَنَّ مِلْكَهَا لِغَيْرِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ قَدْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ ثَمَنًا وَمَالُهُ حَاضِرٌ وَلَا نَأْخُذُهُ مِنْهُ وَلَا يَجُوزُ لِرَبِّ الْجَارِيَةِ أَنْ يَطَأَهَا وَلَا يَبِيعَهَا وَلَا يُعْتِقَهَا وَقَدْ بَاعَهَا مِنْ غَيْرِهِ وَلَا يَجُوزُ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَدَعَ النَّاسَ يَتَدَافَعُونَ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهَا مِنْهُمْ.
وَإِذَا كَانَتْ لِرَجُلٍ أَمَةٌ فَزَوَّجَهَا أَوْ اشْتَرَاهَا ذَاتَ زَوْجٍ فَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ أَوْ مَاتَ عَنْهَا فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَأَرَادَ سَيِّدُهَا إصَابَتَهَا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لَمْ أَرَ ذَلِكَ لَهُ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ بَعْدَ مَا حَلَّ فَرْجُهَا لَهُ لِأَنَّ الْفَرْجَ كَانَ حَلَالًا لِغَيْرِهِ مَمْنُوعًا مِنْهُ وَالِاسْتِبْرَاءُ بِسَبَبِ غَيْرِهِ لَا بِسَبَبِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ أَرَادَ بَيْعَ أَمَتِهِ فَاسْتَبْرَأَهَا عِنْدَ أُمِّ رَجُلٍ أَوْ بِنْتِهِ بِحَيْضَةٍ أَوْ حِيَضٍ ثُمَّ بَاعَهَا مِنْ رَجُلٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُصِيبَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بَعْدَمَا أُبِيحَ لَهُ فَرْجُهَا وَلَوْ كَانَتْ لِرَجُلٍ أَمَةٌ فَكَاتَبَهَا فَعَجَزَتْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا لِأَنَّهَا كَانَتْ مَمْنُوعَةَ الْفَرْجِ مِنْهُ وَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُ فَرْجُهَا بَعْدَ الْعَجْزِ فَهِيَ تُجَامَعُ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَالْمُتَزَوِّجَةِ وَتُفَارِقُهَا فِي أَنَّ فَرْجَهَا لَمْ يَكُنْ مُبَاحًا لِغَيْرِهِ وَالِاحْتِيَاطُ تَرْكُهَا.
وَلَوْ كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ فَحَاضَتْ فَأَذِنَ لَهَا بِأَنْ تَصُومَ فَصَامَتْ أَوْ تَحُجَّ فَحَجَّتْ وَاجِبًا عَلَيْهَا فَكَانَتْ مَمْنُوعَةَ الْفَرْجِ فِي نَهَارِ الصَّوْمِ وَمُدَّةِ الْإِحْرَامِ وَالْحَيْضِ ثُمَّ خَرَجَتْ مِنْ الْإِحْرَامِ وَالصَّوْمِ وَالْحَيْضِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا وَذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ فَرْجِهَا بِعَارِضٍ فِيهَا كَمَا يَكُونُ الْعَارِضُ فِيهِ مِنْ الصَّوْمِ وَالْإِحْرَامِ لَا أَنَّهُ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفَرْجِ كَمَا حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مُتَزَوِّجَةً وَمُكَاتَبَةً فَكَانَ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَلْمِسَهَا وَلَا يُقَبِّلَهَا وَلَا يَنْظُرَ إلَيْهَا بِشَهْوَةٍ فَحَالُهَا هَذِهِ مُخَالِفَةٌ لِحَالِهَا الْأُولَى وَتَجْتَمِعُ الْمُسْتَبْرَأَةُ وَالْمُعْتَدَّةُ وَتَخْتَلِفَانِ فَأَمَّا مَا تَجْتَمِعَانِ فِيهِ فَإِنَّ فِي الِاسْتِبْرَاءِ وَالْعِدَّةِ مَعْنًى وَتَعَبُّدًا فَأَمَّا الْمَعْنَى فَإِنَّ الْمَرْأَةَ إذَا وَضَعَتْ حَمْلَهَا كَانَتْ بَرَاءَةً فِي الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَأَمَّا التَّعَبُّدُ فَقَدْ تَعْلَمُ بَرَاءَتَهَا بِأَنْ تَكُونَ صَبِيَّةً لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَمَدْخُولٌ بِهَا فَتَحِيضُ حَيْضَةً فَتَعْتَدُّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ كَمَا تَعْتَدُّهَا الْبَالِغَةُ الْمَدْخُولُ بِهَا وَلَا تُبْرِئُهَا حَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute